أوهام تسجن الفكر
الذي لا يزال يعيش في أوهام الفلسفات التي أفرزتها ظروف فكرية وسياسية ويريد أن يطبقها في واقعنا هو بلا شك سجين.
انظر إلى العلمانيين العرب -وفي بلاد المسلمين- وكيف يعيشون في أوهام الدولة الدينية الثيوقراطية التي قرأوا عنها في أدبيات الفكر الغربي.
وتراهم يحملون كل الأحداث والتصريحات للإسلاميين من حولهم على أنها إرهاصات لفكر الدولة الثيوقراطية.
ومهما قلنا واستشهدنا بأصولنا من الكتاب والسنة وأقوال علمائنا أو بتاريخنا وممارساتنا بأن الإسلام يختلف وليس فيه هذا التسلط الكنسي الذي يجعل الحاكم هو ظل الله في الأرض وأن الحاكم في الإسلام ما هو إلا رجل منا إن أحسن أعناه وإن أساء قومناه فإنهم يصمون آذانهم عن السماع وعقولهم عن التفكير لأنهم أسارى فكرة ربطوا بها حياتهم وأنساهم انبهارهم بالغرب وما رأوه فيه من تقدم أنه ليس بالضرورة أن ما يقوله لهم صحيحا أو أن ما مر بهم من ظروف ليست بالضرورة كظروفنا لذا فالقياس مع الفارق.
وهم بعد ذلك يبنون مواقفهم وتصرفاتهم انطلاقا من هذا.
قلنا هذا عن مساجين الفكر العلماني الذين يريدون قصرنا معهم في فكرهم وتصوراتهم بأن ديننا لابد أن يكون كالمسيحية المحرفة التي أقصت العقل وادعت أن الحكم الكنسي وتصورات رجالها هو حكم الدين الذي لا يحاد عنه وأن الحاكم الذي ترشحه الكنيسة هو ظل الله الذي لا يجوز محاسبته.
ومهما قلت لهم هذا لم ولن يكون في دين الإسلام لم يعيروك التفاتا ولم يفهموا ما تقول لأنهم سجنوا عقولهم خلف الفكرة.
قل مثلهم فيمن تأثروا بالفكر الشيوعي سواء في المادية الجدلية أو التصور المادي والاقتصادي للتاريخ وهم أسارى هذه الأوهام ولا يريدون الخروج منها وقد أنفق بعضهم عمره كله وزهرة شبابه في أمر بدا لهم من بعد أنه كان وهدة فكرية بشرية رأت التاريخ وحركة المجتمع من منظور واحد ومع ذلك شق عليهم التحلي بشجاعة التراجع فحبسوا أنفسهم أسارى لحظتهم الفائتة.
وبنفس المنطق يرى بعض اليساريين وحركاتهم المتفاعلة مع مجتمعنا أن التصورات الفكرية القائمة على الصدام الثوري الدموي هو حتمية أساسية لفرض التغيير.
لذا فبعض الشباب الثوريين الآن لا يريدون أن يحرموا أنفسهم من لذة المواجهة حتى لو تحقق التغيير بالطرق السلمية التي هي درة ثورتنا ومناط عظمتها وبلاغة حراكها.
لكن التاريخ وحركة الجماهير تثبت دائما أن التغيير قد يأتي بطرق أخرى وعلى يد أشخاص آخرين..وثوراتنا العربية أحد أدلة هذا.
نفس منطق ماركس الذي توقع التغيير من خلال ثورات صادمة -أو قل فوضى خلاقة بتعبير الرأسماليين- يتم فيها إسالة الدماء أنهارا.
سجنونا -وحق الله- معهم.. وأرغمونا قهرا وقسرا على الرضوخ لتصوراتهم وحكمونا بغير شرع الله تعالى سنوات وسنوات وأذاقونا ذل البعد عن دين الله تعالى وهيجونا على التصالح مع أنفسنا بالرضا بالله ربنا مشرعا وحاكما وبإسلامنا دينا ومنهجا.
فدخلنا معهم في التيه مرغمين.. لأنهم السادة والنخبة ونحن -زعموا- العامة والغوغاء والدهماء.. أضلونا سنوات ليس مذ عهد مبارك وحده لكن من عهد محمد علي أبرز العلمانيين المعاصرين ومن بعده ..ونحن من وقتها نتقلب معهم في التيه والتبعية والفقر والعوز لأن الالتزام بالدين جهل وتخلف وما ارتضوه هم – أقصد أسيادهم – هو الحق المبين.
حتى الفنانين أسارى أفكار توجوها في تصوراتهم مفادها أن الفن يجب أن يعمل بمعزل عن الالتزام بالشرع مع أنهم لو تأملوا لوجدوا مساحات من الفن المباح يمكنهم أن يثوبوا إليها.
أما أوهام المتدينين فأبرزها الغلو في الأشخاص أحياء أو أمواتا ومالصوفية الغالية وموالدها ونذورها ودعاء المقبورين من ذلك ببعيد.
لن تكون لنا كيانات حقيقية ومستقلة إلا عندما تخرج النخب الفكرية من سجون الأوهام وتعود لفكرنا الأصيل.
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)