
أوجاع رسالة جاءت من غزة..!!!
بقلم د. عمر عبدالله شلح( خاص بالمنتدى)
( فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا، إِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرٗا ).. ما أن انتهيت من قراءة ورد القرآن الصباحي.. فإذا برسالة تصلني من غزة، تحمل جبالاً من الهم.. وتلالاً من الحزن.. كتبها صديق عزيز.. فقد كوكبة من عائلته شهداء في هذه الحرب المجنونة.. الرسالة طويلة.. وفيها من الوجع ما يكسر القلب.. وينال من الروح.. عنونها صديقي القريب منى كالوتين في الجسد ” فضفضة من غزة..”.. لا ماء يكسر صومهم.. ولا تمرة أو حبة قمح تسد جوعهم.. مشاهد الدمار الفظيع تراها في الرسالة.. ورائحة الدم يفوح عطرها من بين سطورها التي تحمل وصايا الشهداء.. حتى صديقي هذا، في آخر رسالته يقول ” لا تزعل يا صديقي، إنما هي فضفضة، وإن فارقناكم، أمانة سامحونا، وبلغوا رسالتنا هذه لكل من يهمه الأمر..”.. رغم كل ما هُم فيه من قتل وتطهير عرفي.. إلا أنه يقول.. ” أمانة سامحونا “.. من الذي يسامح من يا حبيب القلب.. ويا قطعة منى لا تغادرني..!!
رغم كل ما نتابعه في الأخبار.. إلا أن كلمات الرسالة في وصفها للحياة، تجعل قلبك في حلقك.. وتشعر بجفاف كل الماء في ثنايا فمك.. وكأن الموت يطرق بابك.. الرسالة تصف كل شئ تقريباً.. هي طويلة من عدة صفحات.. مكونة ومكتوبة من لحم الأطفال.. وصراخ الأرامل.. وجوع الكبار.. في حرب هي الأقذر في كل محطات التاريخ السابقة، وربما اللاحقة ايضاً..
رغم كل ما في الرسالة من ألم ووجع، عدت لقراءتها مرة أخرى وأخرى.. كأن صديقي يحاول أن يجعلنا نعيش اللحظة معهم.. سواء من لحظات القصف والأحزمة النارية.. أو لحظة الوقوف على طابور الخبز الذي لم يعد موجوداً.. أو حجز مكان لتقضي فيه حاجتك.. ناهيكم عن أطنان القمامة التي تحمل الموت والمرض، في ظل غياب شبه تام، لامكانيات البلديات التي دمرها الإحتلال..
وفي زحمة الوصف في الرسالة، لا ينسى صديقي هذا، أن يخبرنا عن الجرحى بالعشرات في أرض المستشفى، لا طبيب يعالجهم.. ولا سرير يرمون عليه بقايا جسدهم، الذي مزقته قذائف الطائرات..
وبدموع ساخنة، ينقلني إلى مشهد الشهداء.. لم تعد هناك أكفاناً تكفي لجمع بقايا أجسادهم.. أو أهلاً يتعرفوا على ملامحهم.. فالقتل هناك بالمجان.. والكبار يُسْتَشْهدون والصغار في أحضانهم.. في محاولة كانت منهم، لتبديد خوفهم وهلعهم.. فيعاجل الصاروخ الصغير والكبير.. والرضيع في السرير..
يصرخ صديقي في رسالته، بحرقة ياااااارب كفى..!! كأنه يريد القول، بلغت القلوب الحناجر..!! وإذا كان الحال كذلك، أقول أن غزة على أبواب النصر بإذنالله..
بعد أن قرأت الرسالة أكثر من مرة، خجلت من نفسي.. ماذا أقول لصديقي ولأهل غزة.. أمام كل ما يقدموه، ونحن يحاصرنا العجز، وتقتلنا الغربة والترحال في المنافي.. لم أرغب في أن أزيد جروح صديقي في غزة، وأقول له، يبدو أن كفار قريش، كانوا أشرف من كل العرب والمسلمين يا صديقي.. لم أرغب في قول ذلك له، رغم قناعتي، أن هذا هو حال العرب والمسلمين، العاجزين عن إدخال زجاجة ماء أو رغيف خبز لهم..
وأنا أفكر في كل ما جاء في الرسالة.. هاجمني النص من سورة الشرح..” إن مع العسر يسرا.. إن مع العسر يسرا..” فعلى خجل سطرت كلمات قليلة، أحاول بها أن أواسي صديقي هذا، ومعه كل الأحباب والأصدقاء، وما تبقى من الأهل هناك.. وأنا أقول في آخر رسالتي ” يا أهل غزة.. لا تثريب عليكم.. لعل الله اطلع عليكم، فقال إني قد غفرت لكم.. “، قياساً بأهل بدر..
يا أهل غزة.. ويا صديقي العزيز.. أمانة انتو اللى سامحونا.. لعل الله يغفر لنا تقصيرنا وعجزنا.. وأبشروا.. فإن مع العسر يسراً.. ولن يغلب عسر يسرين بإذن الله..
اللهم ثباتاً على الحق.. وغلبة في الميدان.. ونصرة على يهود.. صباحكم صباح الرسائل مدونة بعطر الشهداء.. صباحكم صباح غزة.. تواصل قتالها بمعيّة الله.. فتنتصر بإذن الله .
إقرأ أيضا:بيان علماء من الأمّة حول الإبادة الصهيونيّة المستمرّة والمتصاعدة في قطاع غزّة