
(أهمّ الدّروس والعبر من غزوة أحد)!
بقلم أ.د. محمّد حافظ الشريدة( خاص بالمنتدى)
إليكم أيّها الإخوة المسلمون المحتسبون القابضون علی دينكم في غربة الإسلام الأخيرة كالقابض علی الجمر أهمّ ما يستفاد من موقعة أحد من العظات والدّروس والعبر:
أوّلًا: الصّراع بين النّور والظّلام والحقّ والباطل والخير والشّرّ والإسلام والكفر دائم ومتشعّب ومستمرّ إلی يوم الحشر وفي غزوة أحد تأكيد لسنّة الواحد الصّمد في الصّراع بين جنود الرّحمن وحزب الشّيطان وقد جرت سنّة مولانا الرّحمن في أنبيائه عليهم الصّلاة والسّلام وأتباعهم الكرام أن تكون الحرب سجالًا بينهم وبين أعدائهم من الفجرة والكفرة اللئام فيهزموا تارة ثمّ ينتصروا تارة أخرى.. ثمّ تكون لهم العاقبة ويتحقّق الفتح المبين والفوز العظيم!
ثانيًا: قد ينتفش الباطل أحيانًا في بعض الأوقات والسّاحات إذا وجد خلل أو سلبيّات عند المؤمنين والمؤمنات وقد يحقّق بعض الانتصارات وقد تكون له جولات وصولات إلا أنّ العاقبة والغلبة -دائمًا- معشر المسلمين هي لثلّة المصلحين المتّقين إلی يوم الدّين فدولة الظّلم ساعة ودولة الحقّ إلى قيام السّاعة يا جماعة! هذه هي سنّة اللّه في هذه الحياة ولن تجد لسنّة اللّه تبديلًا ولا تحويلًا ومن أصدق من اللّه قيلًا؟!
ثالثًا: لا بدّ من تمحيص المؤمنين وتمييزهم عن المخذّلين والمنافقين ومن ثمّ القضاء علی أعداء الإسلام والمسلمين باستحقاقهم عقوبة ربّ العالمين! وقد جمع أحكم الحاكمين ذلك كلّه في قوله عزّ وجلّ: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾
رابعًا: الجنّة أيّها الإخوة الأحباب غالية الثّمن وعزيزة المنال ولا تنال إلا على جسر من المتاعب والأهوال! والحقّ يقال -إخوتي الرّجال وأخواتي ربّات الحجال-: إنّ النّصر السّهل قد لا يدوم كما أخبرنا بذلك الحيّ القيّوم: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾!
خامسًا: لقد تكفّل أرحم الرّاحمين بحفظ هذا الدّين إلی يوم يبعثون فلا تخف عليه من الزّوال يا ابن الكرام والحلال! بل خف علی نفسك من التّقصير في الدّفاع عن دين اللّه الكبير المتعال!
سادسًا: ماذا قدمت أيّها الأخ اللبيب لعقيدة التّوحيد لتسأل اللّه الحميد المجيد أن تلتحق بركب الجيل القرآنيّ الفريد؟! لقد كان لساداتنا الصّحابة الغرّ الميامين الكرام من التّضحيات الجسام والسّبق والإقدام في الدّفاع عن حياض الإسلام ما يضرب به الأمثال فقد تقطّعت منهم الأجساد والأشلاء وتيتّم الأطفال وترمّلت النّساء وقدّموا -للّه درّهم- أرواحهم فداء لهذا الدّين العظيم حتّى وصل إلينا كاملًا لنفوز بسعادة الدّارين! فاقدر لهم أخي في اللّه قدرهم واشكر لهم دائمًا حسن صنيعهم وسعيهم وترضّ عنهم ثمّ ذبّ عن أعراضهم وإيّاك أن تخوض في شيء شجر بينهم فقد أحبّهم خالقهم ورضي عنهم وأرضاهم ولعن الرّسول ﷺ كلّ من طعن فيهم وآذاهم!
سابعًا: إنّ اليأس أو القنوط من إصلاح أيّ فرد أو مجتمع من أشدّ المحرّمات عند اللّه فالهداية بيد اللّه ذي العزّة والجبروت الحيّ الذي لا يموت! لقد صبر نبيّنا الصّادق الأمين ﷺ علی أذی المشركين والمجرمين حتّى دخل كثير من النّاس أفواجًا في هذا الدّين! ولا جرم أخي المحترم أنّ عواقب الأمور بيد العزيز الغفور فامض في الدّعوة ولا تلتفت للوراء وداوم على الابتهال والدّعاء وعليك أن تسعی وليس عليك إدراك النّجاح! إنّ هداية البشر بيد اللّه العزيز المقتدر من يقلّب الفؤاد والبصر! فخالد بن الوليد رضي اللّه عنه قاد خيّالة كفّار قريش قبل إسلامه واستشهد بسببه ثلّة من خيرة الصّحابة رضوان اللّه عليهم وحينما شرح اللّه صدر سيف اللّه المسلول للإيمان وجاء يبايع خير الأنام ﷺ علی الإسلام قال: يا رسول اللّه! إنّي أشترط أن تُغفر زلّتي فطمأنه الرّسول ﷺ بقوله: {يا خالد! أما علمت أنّ الإسلام يهدم ما قبله؟! وأنّ التّوبة تجبّ ما قبلها}؟! وهذا أبو سفيان رضي اللّه عنه الذي كان قائد جيش الكافرين في غزوة أحد وكان شعاره آنذاك: “اعلُ هُبل”! ثمّ قال حين أسلم بعد فتح مكّة المكرّمة وفي حصار الطّائف وفي معركة اليرموك: “لا إله إلا اللّه”! وهذا وحشيّ الذي قتل سيّد الشّهداء حمزة رضي اللّه عنه أسلم وحسن إسلامه وقتل مدّعي النّبوّة مسيلمة الكذّاب في حروب الرّدّة!
ثامنًا: احذروا على أنفسكم من التّقلّب أيّها الإخوة الفضلاء فإنّ {القلوب بين أصبعين من أصابع الرّحمن يقلبها كيف يشاء} واسألوه يا رعاكم اللّه تعالی دوام الثّبات إلی الممات فقد انتحر أحد من قاتل قتال الأبطال الشّجعان في هذه المعركة! عن عاصم بن عمر بن قتادة قال: «كَانَ فِينَا رَجُلٌ أَتَى لَا يُدْرَى مِمَّنْ هُوَ يُقَالُ لَهُ: قُزْمَانُ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ﷺ يَقُولُ إذَا ذُكِرَ لَهُ: {إنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ} قَالَ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ قَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا فَقَتَلَ وَحْدَهُ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَكَانَ ذَا بَأْسٍ فَأَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ فَاحْتُمِلَ إلَى دَارِ بَنِي ظَفَرٍ قَالَ: فَجَعَلَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ لَهُ: وَاَللّهِ لَقَدْ أَبْلَيْتَ الْيَوْمَ يَا قُزْمَانُ فأبشر فَقالَ: «بِمَاذَا أبشر؟! فو اللّهِ إنْ قَاتَلْتُ إلَّا عَنْ أَحْسَابِ قَوْمِي وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا قَاتَلْتُ» قَالَ: فَلَمَّا اشْتَدَّتْ عَلَيْهِ جِرَاحَتُهُ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَقَتَلَ بِهِ نَفْسَهُ»!
تاسعاً: باب التّوبة مفتوح ومن تاب قبل الموت تاب اللّه سبحانه وتعالی عليه والأمور بخواتيمها ومهما استغرق الإنسان في العصيان فالتّوبة تحطّ الأوزار حتّی وإن بلغت العنان! فقد تاب اللّه علی من أسلم من قريش ممّن حارب المسلمين في معركة أحد فلا تيأس يا من أسرفت علی نفسك بل افتح -أخي في اللّه- صفحة جديدة مع ربّك ثمّ أنقذ نفسك من وحل الأوزار العظام وأقبل على ربّك الملك العلّام تائبًا من المعاصي والآثام لأنّ الحسنات يذهبن السّيّئات!
عاشرًا: ينبغي الوفاء والعرفان وعدم نسيان معروف من قدّم أيّ خدمة لأمّة الإسلام لأنّ كلّ ذلك من صفات عباد الرّحمن! ولا جرم أيّها الأخ المحترم أنّ من جميل الصّفات ومحاسن الأخلاق الوفاء للأسری والشّهداء والدّعاة والعلماء! فقد بقي خير من وطئ الثّری ﷺ إلى آخر السنة التي فارق فيها هذه الحياة يحنّ إلی أبطال أحد ويثني عليهم ويدعو لهم وقد صلّى عليهم بعد ثمان سنوات من استشهادهم كالمودّع لهم قبل أن يلتحق بالرّفيق الأعلی! فاشكر أخي الحبيب الأريب من نصح للّه تعالی أو لرسوله ﷺ أو لأئمّة المسلمين أو عامّتهم.. واحفظ ودّ إخوانك وارع حقّ خلّانك ثمّ التمس لهم الأعذار وقف معهم أمام شرذمة الكفّار الفجّار وحثالة العلمانيّين دعاة التّغريب من اليمين ومن اليسار!
إقرأ أيضا: بيان مشترك وقرارات للجماعات الإسلامية السنية في إسلام آباد، باكستان