أهمية دور الأسرة..المدرسة..المسجد ..الجمعيات في تنشئة الجيل الصاعد
بقلم آمال السائحي
العنف سلوك إيذائي قوامه إنكار الآخرين كقيمة تستحق الحياة والاحترام، فالعنف يتضمن عدم الاعتراف بالآخر ويصاحبه الإيذاء باليد أو باللسان أو بالفعل أو بالكلمة، أو حتى بالنظرة، وكلاهما له تبعاته وأضراره الجسيمة، ولا يخفى على الأسرة الجزائرية اليوم، أن ظاهرة العنف تفاقمت حتى أصبحنا أينما نولي وجوهنا نجدها نصبنا.
وقد ازدادت وتفاقمت أكثر مما نتصوره، وأصبح العنف في المدارس لا يتم باليد المجردة بل غدا يجري بالسلاح الأبيض ومن يعلم فقد يصير غدا بالأسلحة النارية… مثلما يحدث في أمريكا كل لحظة وحين…
إذن فالعنف اليوم في تزايد كبير، ولابد لكل مؤسسة أن تلعب دورها الصحيح للحد من هذه الظاهرة التي أصبحت تؤرق الأهالي الكبير منهم قبل الصغير. فما هي الأسباب الدافعة إلى العنف والمحرضة عليه؟
إن من أهم الأسباب المؤدية إلى تأسيس سلوك العنف عند الطفل، الذي هو رجل الغد ولا ريب كما تجمع أغلب الدراسات النفسية والاجتماعية هو أن سلوك العنف على المستوى الفردي أو الجماعي هو: عادة مكتسبة متعلمة تتكون لدى الفرد منذ وقت مبكر في حياته من خلال العلاقات الشخصية والاجتماعية المتبادلة، ومن خلال أساليب التنشئة الاجتماعية، ويمكن إجمال هذه الأسباب المؤدية لتأسيس سلوك العنف لدى الأطفال في العوامل الآتية:
العامل الأسري:
– فالتنشئة الخاطئة داخل الأسرة مثل (القسوة – الإهمال – الرفض العاطفي – التفرقة في المعاملة – تمجيد سلوك العنف من خلال استحسانه، القمع الفكري للأطفال، من خلال التربية القائمة على العيب والحلال والحرام، دون تقديم تفسير لذلك-التمييز في المعاملة بين الأبناء).
– فقدان الحنان نتيجة للطلاق، أو فقدان أحد الوالدين.
– الشعور بعدم الاستقرار الأسري، نتيجة لكثرة المشاجرات الأسرية والتهديد بالطلاق.
– عدم إشباع الأسرة لحاجات أبنائها المادية، نتيجة لتدني المستوى الاقتصادي.
– كثرة عدد أفراد الأسرة، فقد وجد من خلال العديد من الدراسات، أن هناك علاقة بين عدد أفراد الأسرة وسلوك العنف.
– بيئة السكن، فالأسرة التي يعيش أفرادها في مكان سكن مكتظ، يميل أفرادها لتبني سلوك العنف كوسيلة لحل مشكلاتهم…
إن ظاهرة العنف وإن كانت غريبة عن ثقافة مجتمعنا الجزائري وتقاليده المتعارف عليها، فإن تسللها إليه يعني بالضرورة أن مجتمعنا قد أصيب بداء ضعف المناعة، فلابد لنا أن نتساءل عن سبب ذلك، أيرجع الخلل إلى نظامنا التربوي، أو جهازنا الثقافي، أو جهازنا القانوني؟ ليس من الطبيعي أبدا أن تجد هذا النموذج في شخص تربى في أحضان أم ترعرعت في بيت فاضل، له عادات وتقاليد راسخة، ترتكز على شريعة الإسلام السمحة، وإنما يقع ذلك للأسر التي افتقرت إلى تنشئة دينية سليمة فانعدمت لديها الضوابط الأخلاقية، التي تحدوها إلى إتيان الخيرات، وتردعها عن فعل المنكرات … تلك الأسر هي التي تنعدم فيها قداسة الرابطة الأسرية فلا تتميز فيها الأم ولا الأب فهما فيها مجرد فردين لا وزن لهما ولا ثقل، فمن الطبيعي أن يتطاول عليهما الأولاد، وأن يتجرأ عليهما الأحفاد، وتنتقل عدواهم من الأسرة إلى المدرسة إلى الشارع إلى… وهكذا.
لابد إذن من إعادة النظر فيما تقدمه الأسرة من تربية أولية في أحضان الوالدين..
العامل المدرسي:
إن ما تقدمه المدرسة من قيم، وما تقدمه من معارف، وما تروج له من سلوك، وما تمكن له من انضباط، يساهم بشكل مباشر في جعل الطفل مسالما أو عنيفا، فإذا عومل التلميذ بتفهم ومحبة واحترام من قبل معلميه، وسمح له بالتعبير عن نفسه، وتأكيد وجوده، سكنت نفسه واطمأنت، ومال سلوكه إلى الرقة واللطف، أما إذا تعرض للقمع والتعنيف وعومل بقسوة، دفعه ذلك إلى العدوانية لحماية نفسه والدفاع عنها، وهذا معناه أن طبيعة العلاقة بين المعلم والتلميذ وبين الإدارة والتلميذ وحتى بين التلميذ والتلميذ داخل المدرسة، هي التي تحرض على العنف عنده أو تلغيه… فالمدرسة ينبغي أن تحرص على توعية المعلمين بضرورة التعامل بإيجابية مع التلميذ، كما ينبغي حمل التلاميذ على حسن التعامل فيما بينهم، وتجنب الخشونة في اللعب، والتزام اللباقة واللطف عند التعامل مع بعضهم البعض، وإن تطلب ذلك وضع مراقبين في ساحة المدرسة وعلى بابها للتدخل عند اللزوم لمنع المناوشات والحيلولة دون تفاقم التوترات .
العامل الاجتماعي:
ولابد للمسجد أن يكون له دوره الفعّال في الترويج لقيم التسامح وحسن معايشة الآخر، وذلك عبر وضع دروس خاصة لفئة الشباب يتم التركيز فيها على تقبيح السلوك الشائن الذي يراد إلغاءه عندهم وتحبيب السلوك الحميد المرغوب في اكتسابه من قبلهم، كما ينبغي للنوادي الرياضية والثقافية والترفيهية المساهمة في محاربة العنف لدى الشباب وذلك عن طريق الترويج الأنشطة التي تؤلف بين القلوب على وجه الخصوص، وتحرص كل الحرص على محاربة كل سلوك خشن بين المنتمين لها وحملهم على تبادل الاحترام، وعلى المؤسسات الإعلامية أن تكون أكثر دقة وانضباطا في مراقبة ما يصدر عنها فالترويج لأفلام العنف، أو نشر الكتابات التي تغذي الصراع، أو عرض مسرحيات تستفز الشباب على التمرد على الأعراف والتقليد تهيء المناخ والبيئة الحاضنة للعنف المساعدة على نمو العنف وتطوره وتفاقمه، ولابد للجمعيات المختصة بالطفل والمرأة أن تقوم على مدار الشهر بحملات تحسيسية لتوعية الفئة التي تمارس العنف وتتعاطاه بضرورة التخلي عنه وتركه لكونه يرتد بالآثار السلبية على الفرد والمجتمع على حد السواء…فذلك هو دور الأسرة…المدرسة…المسجد … والجمعيات في تنشئة الجيل الصاعد…؟؟؟
(المصدر: صحيفة البصائر الالكترونية)