مقالاتمقالات المنتدى

أهمية البناء الأخلاقي والعاطفي للطفل في الإسلام

أهمية البناء الأخلاقي والعاطفي للطفل في الإسلام

 

بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)

 

إنّ الصبي يولد على الفطرة الخالصة والطبع البسيط، فإذا قوبلت نفسه الساذجة بخلق من الأخلاق انتقشت صورته في لَوْحِها، ثم لم تزل تلك الصورة تمتد شيئاً فشيئاً إلى أن تأخذ بجميع أطراف النفس، وتصير كيفية راسخة فيها، حائلة لها عن الانفعال بضدها، يؤيد هذا أنا إذا رأينا في الغرباء من هو لطيف الخطاب جميل اللقاء مهذب الألمعية لا ترتاب في دعوى أنه ممن أنبته الله في البيوت الفاضلة نباتاً حسناً. [السعادة العظمى، محمد الخضر حسين، ص: 60]

ـ وقال الشاعر صالح عبد القدوس:

           وإن من أدبته في زمن الصبا

                                   كالعود يبقي الماء في غرسه

           حتى تراه مورقاً ناضراً

                                   بعد الذي أبصرت منه يبسه

           والشيخ لا يترك أخلاقه

                                   حتى يوارى في الثرى رمسه

           إذا أرعوى عاد إلى جهله

                                   كذي الضنا عاد إلى نكسه [منهج التربية النبوية، ص: 159]

إن غرس الأدب حق الوالد على أبيه، كواجب حق الطعام والشراب، روى ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم». [رواه ابن ماجه، منهج التربية النبوية، ص: 160].

وبيَّنت الشريعة الإسلامية أهمية الأدب مع الوالدين والعلماء وأدب احترام وتوقير الكبير وأدب الأخوة وأدب الجار، والاستئذان والطعام والشراب واللباس وأهمية خلق الصدق وحفظ الأسرار وسلامة الصدر من الأحقاد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعامل مع الأطفال، يأمرهم وينهاهم، ويمازحهم ويلحق بهم، يقف خلف الطفل ويبتسم له لا يغضب في وجههم، لا يعاتبهم، يرسخ عقيدة القضاء والقدر في نفوسهم، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين والله ما قال لي أف قط ولا قال لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا. وفي رواية مسلم : كان النبي صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقاً فأرسلني يوماً لحاجة فقلت: والله لا أذهب وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم فخرجت حتى أمرّ على الصبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم بقفاي من ورائي، فنظرت إليه وهو يضحك فقال: «أنس ذهبت حيث أمرتك؟»، قال: قلت: نعم أنا أذهب يا رسول الله، قال أنس: والله لقد خدمته تسع سنين ما علمته قال لشيء صنعته لم فعلت كذا وكذا، أو لشيء تركته: هلاّ فعلت كذا وكذا.

وهذا إن دلَّ فإنما يدل على اهتمامه صلى الله عليه وسلم ببناء أخلاق الأطفال عملياً بالقدوة الحسنة لهم فينشؤون أرسخ خلقاً، وأثبت عوداً أمام التحديات المادية التي تنتظرهم في واقع المجتمع وفي حياة الناس فلا يفرطون بأخلاقهم الإسلامية أمام عواصف التيارات المنحرفة، ويساهمون في بناء الدولة الحديثة ذات المرجعية الإسلامية. [منهج التربية النبوية، ص: 175].

وكذلك فإن للبناء العاطفي للطفل أهمية خاصة في بناء نفسية الطفل وتكوينه، وهذا البناء يلعبا فيه الدور الأكبر الوالدان، إذ هما المصدر الأساسي لأشعة العاطفة التي تبني نفسه وهما الركن الرشيد الذي يأوي إليه الطفل لينعم بحرارة العاطفة ونعمة الأبوة والأمومة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تبني عاطفة الطفل ونؤدي له حقه ليكون إنساناً سوياً في مستقبله ولذلك علمنا رسول الله في معاملة الأطفال.

ـ القبلة والرحمة والرأفة بهم:

القبلة هي النور الساطع الذي يبهر فؤاد الطفل، ويشرح نفسه ويزيد من تفاعله مع من حوله وتسكن ثورانه وغضبه ثم هي أولاً وأخيراً السنة الثابتة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم مع الأطفال، فقد أخرج البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتقبلون صبيانكم؟، فقال: «نعم». قالوا: لكنا والله ما نقبِّل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أو أملك إن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة».

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قبّل النبي صلى الله عليه وسلم الحسين بن علي رضي الله عنهما، فقال الأقرع بن حابس: إن لي عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لا يَرحم لا يُرحم» [رواه البخاري، منهج التربية النبوية، ص: 180].

ومن صور رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم بالأطفال ما أخرجه البخاري عن أنس رضي الله عنه: «إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد أن أطيلها فأسمع بكاء صبي فأتجوز في صلاتي لما أعلم من وجد أمه في بكائه»، وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها. [صحيح الجامع رقم 4797].

ـ المداعبة والممارسة مع الأطفال:

روى الطبراني عن جابر رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعينا إلى طعام فإذا الحسين يلعب في الطريق مع صبيان فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم أمام القوم ثم بسط يده فجعل يفرها هنا وهناك فيضاحكه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أخذه فجعل إحدى يديه في ذقنه والأخرى بين رأسه وأذنيه ثم اعتنقه وقبّله، ثم قال: «حسين مني وأنا منه أحب الله من أحبه الحسن والحسين سبطان من الأسباط». [صحيح الجامع 3146، رواه البخاري في الأدب والترمذي وابن ماجه والحاكم].

وأخذت الأمة هذه الأخلاق من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أن عمر رضي الله عنه ليعزل أحد عماله عن الرئاسة لأنه وجد منه دليلاً واضحاً على قسوة قلبه تجاه أولاده، فعن محمد بن سلام قال: استعمل عمر بن الخطاب رجلاً على عمل، فرأى الرجل عمر يقبّل صبياً له، فقال الرجل: تقبّله وأنت أمير المؤمنين: لو كنت أنا ما فعلته، قال عمر: فما ذنبي إن كان نزع من قلبك الرحمة، إن الله لا يرحم من عباده إلا الرحماء، ونزعه عن عمله، فقال: أنت لا ترحم ولدك فكيف ترحم الناس. [كنز العمال (583/ 6) رواه الدينوري].

ـ الهدايا والعطايا للأطفال:

للهدايا أثر طيب في النفس البشرية عامة، وفي نفوس الأطفال أكثر تأثيراً وأكبر وقعاً، وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدة للحب بين الناس فنصح الأمة بقوله: «تهادوا تحابوا».[ المقاصد الحسنة، رقم: 352]

 وهذا قانون عام، والرسول صلى الله عليه وسلم بين لنا عملياً هذا الركن القوي في بناء عاطفة الطفل وتحريكها وتوجيهها وتهذيبها. [منهج التربية النبوية للطفل، ص: 184].

ـ مسح رأس الطفل وحسن استقباله:

إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يداعب عواطف الأطفال بمسح رؤوسهم فيشعرون بلذة الرحمة والحنان والحب والعطف الأمر الذي يشعر الطفل بوجوده وحب الكبار له واهتمامهم به، ففي زوائد ابن حبان عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ويمسح رؤوسهم. [صحيح الجامع، رقم: 4947].

وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على رأسي، قال: أظنه قال ثلاثاً فلما مسح قال: «اللهم اخلف جعفراً في ولده». [الحاكم في المستدرك (1/ 372)، منهج التربية النبوية، ص: 185].

وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تلقى الصبيان من أهل بيته، وأنه جاء من سفر فسبق بي إليه، فحملني بين يديه ثم جيء بأحد ابني فاطمة الحسن أو الحسين رضي الله عنهما فأردفه خلفه فدخلنا المدينة ثلاثة على دابة. [صحيح الجامع رقم 4765].

 

ملاحظة هامة: استفاد المقال مادته من كتاب: “الدولة الحديثة المسلمة”، للدكتور علي محمد الصلابي، واعتمد في كثير من معلوماته على كتاب: “منهج التربية النبوية”، للدكتور محمد الخضر حسين.

المصادر والمراجع:

  • السعادة العظمى، محمد الخضر حسين.
  • منهج التربية النبوية، محمد نور سويد.
  • المسند، أحمد ابن حنبل.
  • كنز العمال، علاء الدين المتقي الهندي.
  • المقاصد الحسنة فيما اشتهر على الألسنة، شمس ادلين السخاوي.
  • صحيح الجامع الصغير، ناصر الدين الألباني.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى