مقالات مختارة

أهل السنة في الشام والعراق.. رعايا لا مواطنون!

بقلم د. أحمد موفق زيدان

فضحت ثورات الربيع العربي ما أخفاه سطح سميك من الكذب والمراوغة والتجهيل وأحيانا كثرة الغباء، فضحت حين خرج الغالبية من سكان المشرق العربي تطالب بالحرية، فكانت النتيجة الطبيعية والمنطقية عودة الأغلبية لتحكم نفسها بنفسها أسوة بمواطنيها الأقليات، الذين حكموها فترة من الدهر، دون أن تعترض لتكتشف أنها ابتلعت طعما قدموه لها على مدى عقود باسم المواطنة وتكافؤ الفرص، لتجد أن المواطنة درجات، وأن درجتها هي لا تتعدى درجة واجب القتل إن هي طالبت بحقها أو رفعت عقيرتها محتجة على سيدها.

ومنذ انطلاقة الثورة الشامية ومن قبلها انتفاضة العراق، وأنا أطلق على ثورة الشام بثورة العبيد، فيعترض البعض على التسمية ولكن الواقع هو ذاك، فأهل الشام كانوا عبيدا للطائفيين، والدليل الشعار الذي رفعه الطائفيون منذ عقود: سورية الأسد، الأسد أو نحرق البلد، لا إله إلا الأسد، ووووو، وكلها شعارات كرّست واقعا بألا ينتفض العبد على سيده كما يقولون.

اليوم انتفضت الشام، وانتفض العراق وانتفض اليمن، لكن غير مسموح لكم كأهل السنة أن تصلوا إلى الحكم، ولو تمت إبادتكم عن بكرة أبيكم، وغير مسموح لأصدقائكم وإخوانكم في تركيا وغيرها أن يمدونكم بسلاح نوعي يحفظ لكم رؤوسكم فوق أكتافكم، فأنتم إما أن تقبلوا وضعيتكم التي فرضت عليكم بعد الحرب العالمية الأولى كرعايا عند الأقليات وكلاء الأجانب، وإلا فالمقابر واسعة وما عليكم إلا أن تختاروا، وقد حسمها لافروف منذ البداية بأن السنة لن يحكموا سوريا، ودخل بقضه وقضيضه لإبقاء أدوات القتل من جيش ومخابرات وبدعم وتأييد كوني لهذا.

سيخرج عليّ البعض مستنكرا ومستغربا ويضرب لي أمثلة من أصدقائي الأقلين عددا فقط، الذين وقفوا مع الثورات وهذه حقيقة لا يجادل فيها أحد، ولكن كم عددهم وما تأثيرهم، وما نفوذهم، وما ثقة الغرب بهم، فالغرب حسم أمره مع وكلائه في الشام والعراق ولبنان بأن لا حكم لأغلبية سنية في هذه الكتلة الحرجة.

جُرد أهل السنة بكافة شرائحهم العلمانية واليسارية والإسلامية ووو من أي سلاح في لبنان، مع الإبقاء على السلاح المسمى بالشرعية، وهو سلاح حزب الله الوكيل الحصري والوحيد لما نُعت كذبا وزورا بالمقاومة في جنوبه، فقد وثق الغرب والشرق والصهاينة بوجود الحزب على حدود إسرائيل أكثر من ثقتهم حتى بالجيش اللبناني، وسيخرج علي حتى من أصدقائي من يقول: «إن الحزب قاوم إسرائيل، لكن أي مقاومة وأي ممانعة وقد أتى بقوات الاحتلال الأممية كقوات فصل بين لبنان وفلسطين، وقتل ودمر الحزب من الشام آلاف أضعاف ما فعله بالصهاينة، فوصلت به الدناءة والخسة والحيونة والتوحش إلى قطع الحليب عن الأطفال وقتل من احتضنه بالأمس في مضايا والزبداني».

هل من المعقول أن نرى ما يجري من إجرام يندى له جبين البشر إن كان ثمة بشر بتقطيع أواصر عراقي بفأس طائفية حاقدة، بينما لم نر هذا من داعش نفسها، ومع هذا نرى الحشد العالمي والمؤتمرات الدولية لقتالها ويفلت القتلة المتوحشون الكيماويون والبرميليون من العقاب.

الصراحة والصدق هما المنجيان، وحين نتحدث عن حقائق لا يعني أننا موافقون عليها وإنما نتحدث عنها لأنها واقع آمن به الآخرون وطبقوه أحسن تطبيق لعقود، ووقائع اليوم نتاج لمشروع استعماري رهيب في فرض حكم الأقلية على الأغلبية، وهو ما وفّر شرعية سياسية حتى للصهاينة من حكم أقلوي في لبنان وسوريا وغيرهما، فما يحصل اليوم تصحيح لخطأ تاريخي عمره مئة عام، ولا بديل عن تصحيحه فالشعب قرر وصمم ومستعد أن يموت تحت الأرض، على أن يعيش بوضعه الحالي فوقها.

المصدر: صحيفة العرب القطرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى