أهداف الضغط على حزب العدالة والتنمية
بقلم أ. د. فؤاد البنا
يسود اعتقاد واسع وسط نخب غربية عريضة أن طبيعة الإسلام لا تقبل بالديمقراطية، وتصر نخب غربية ذات توجه إنساني على وجوب تعميم الديمقراطية على بلدان المسلمين مثل بقية بلدان العالم، وبعضها تعرف الإسلام من منابعه الصافية لا من ممارسات المسلمين!
ولإرضاء هذه النخب الإنسانية في الغرب فقد تم السماح بقيام تجربة ديمقراطية سليمة في تركيا، واعتبارها ورشة لتجريب مدى تعايش الإسلام مع الديمقراطية!
وبعد عقود من ديمقراطية تركيا و٢٠ سنة من حكم العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي في تركيا؛ ازدادت الموانع لدى الغربيين من توطن الديمقراطية في بلاد المسلمين، حيث أخافتهم مراكمة الحزب لمنجزات استراتيجية ضخمة تهدد بتغيير موازين القوى في العالم على المديين المتوسط والبعيد، إن استمرت التجربة في الإشراق وانتقلت العدوى إلى بلدان إسلامية جديدة وخاصة البلدان التي تقيم بأنها جامدة استراتيجيا بالنسبة لمصالحهم !
وبمناسبة الانتخابات التركية يمارس اليمين الغربي العريض تحريضا سافرا ومستفزا بصورة غير مسبوقة ضد العدالة والتنمية وأردوغان، وكأنه يريد من هذا الضغط الشديد تحقيق مقصدين عريضين:
الأول: متعلق بحزب العدالة والتنمية، ويبدو أنه يسعى في هذا الإطار لتحقيق أحد هدفين:
إما إسقاط حزب العدالة والتنمية من الحكم ودفع المعارضة لتجميد المشروع الحضاري الذي بدأ به إن لم يكن تخريبه، كما تشير شعارات المعارضة وتصريحات رموزها، بما في ذلك القيام بأعمال تخريبية إن تم نجاح أردوغان!
أو دفع العدالة والتنمية للانقلاب على التجربة الديمقراطية بهذه الصورة أو تلك؛ نتيجة الإحساس بالغبن الشديد والمعاناة من المؤامرة التي تحاك عليه من الخارج والداخل، رغم رقي النموذج الذي قدمه وعظمة المنجزات التي حققها!
وفي هذه الحالة سيلتقط قادة اليمين الإمبريالي الخيط ليؤكدوا على ما يطرحونه دائما من أن الإسلام عدو للديمقراطية وأن الإسلاميين يستخدمون الديمقراطية دون ايمان بها من أجل الوصول إلى الحكم، ومن ثم فإن الحل هو تأييد الأنظمة العسكرية بصورة مطلقة وسافرة وحرمان الإسلاميين من العمل السياسي!
المقصد الثاني على مستوى الإسلاميين بصورة عامة: وفي هذا الإطار يهدف الغرب الإمبريالي إلى تكريه الإسلاميين في مختلف بلدان العالم الإسلامي بالديمقراطية وتيئيسهم من كونها آلية صالحة للنضال الإصلاحي، ودفعهم إلى أحد أمرين:
إما الانكفاء على الذات والاكتفاء بالعمل التربوي البارد الشبيه بالتصوف والذي يبحث أبناؤه عن الخلاص الفردي الخالص بعيدا عن المجتمع والتغيير الحضاري!
وإما التحول إلى العمل السري مع اتجاه أعداد عريضة لاستخدام العنف، ولا سيما بعد نجاح حركة طالبان في الوصول إلى الحكم عبر القتال العسكري!
وهذا الأمر سيؤدي في الغالب إلى تآكل طاقات الإسلاميين وتكسر أمواج التغيير التي بعثوها منذ بضعة عقود من قاع المجتمع؛ ذلك أنه لا يوجد أي بلد إسلامي يمتلك المقومات الجغرافية والثقافية والاجتماعية التي مكنت طالبان من النجاح في أفغانستان، بما فيها أشبه بلد بالجغرافيا الأفغانية وهي اليمن، حيث تنتصب فوارق كبيرة جدا بينها وبين أفغانستان!