أهؤلاء يعدمون؟
بقلم د. عطية عدلان
أهؤلاء الصالحون المصلحون يُعْدَمون؟ أأمثال هؤلاء في مصرنا يكون مصيرهم الإعدام؟ أهكذا يكون جزاء الذين بذلوا أوقاتهم وأموالهم وجهودهم وأعمارهم – بل وأولادهم أحيانا – من أجل أن تكون كلمة الحق في بلادنا هي العليا؟ هل يُعقل أن يكافأ الذين يسعون لتحرير بلادنا وإحيائها بأن يخرجوا من زنازينها إلى قبورها؟! كيف يَسُوغُ لمجتمعنا وشعبنا أن يُسَوِّغَ هذا؟ لماذا الصمت الرهيب يبتلع الناس ولماذا الخوف يقتلع ألسنتهم وحناجرهم؟ ما هذا الذي حَلّ بنا ونزلَ بِديارِنا وصِرْنا معه كأفراخ هزيلة بسط الليل عليها رداءه الأسود؛ فلاذت بالسكون بعد كثرة الصياح والثرثرة؟!
تساؤلات كثيرة ومثيرة تموج في قلوب الذين يعقلون في بلادنا؛ يكاد العقلاء يفقدون عقولهم من هول ما يجري! لقد رأى الناس جميعا ثائِرُهم وبائِرُهم كيف كان صفوت حجازي يقود الجماهير في التحرير مناديا بالحرية ومنددا بالطاغوت، لا تزال صورته وهو يمتطي صهوة الجموع الهادرة في مداخل الميدان ومخارجه، لا تزال حاضرة في أذهان الأحرار الذين يقطنون وادي النيل من أسوان إلى حيث يغازل النيل بذراعيه البحر الأبيض، هؤلاء الأحرار لم ينسوه، ولم ينسوا رجل المواقف وأسد الثورة المغوار محمد البلتاجي، لا يزال طيفه حيّا فوق ساحة التحرير وهو يهبط عليها كالغيث ليلة موقعة الجمل برجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه؛ منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.
عندما تؤيد محكمة النقض حكم الإعدام على قُطبي الثورة هذين، وعلى رجل الشريعة الفقيه الربانيّ عبد الرحمن البر، وعلى قلب شبابنا النابض المربي اللبيب الأريب أسامة ياسين، وعلى الإعلامي الصادق الصدوق أحمد عارف، وعلى إخوانهم من الأتقياء الأنقياء الأوفياء لدينهم وبلادهم وشعوبهم؛ فهذا يعني أنّ البلاء الذي حل بنا أعمق من كونه مجرد انقلاب على الدولة أو على الثورة، يعني أنّ الأمر في حقيقته أكبر مما هو في تقديرنا بكثير.
فإذا كانت محكمة النقض قد تكرر منها تأييد الإعدامات بالجملة لمواطنين يعلم الجميع براءتهم من جميع ما نسب إليهم، ويعلم الكثيرون أنّهم يستحقون بدلا من هذا الإعدام التكريم والتعظيم؛ فهذا يساوي في قياس البديهة أنّه لم يعد في بلادنا قضاء، وأنّ العدالة صارت أثرا بعد عين، وأنّه لا توجد في أوطاننا حكومات ولا دول ولا أنظمة، إنّما هي فقط مجموعات من (البلطجية) يمسك النظام العالمي بأزمتها ويسلطها على الخلق كما تسلط الكلاب الشرسة على الغادين والرائحين.
إنّ خطة المرحلة ليست تجويع وتركيع الشعوب؛ فهذه قد تجاوزوها إلى ما وراءها، وهو المحق والسحق، يجب أن تمحى مصر ويمحى المصريون؛ لماذا تبقى هذه البلد ويبقى من يحيون اليوم في واديها؟ لماذا تظل تظلّ ويظلون مصدر إزعاج للجميع؟ مصدر إزعاج لصهاينة، يبنون لأنفسهم مشروعاً كونيا واعداً من النيل إلى الفرات؟ ومصدر إزعاج لغلمان الأعراب من ربيعة ومضر، يشيدون لأنفسهم عروشا جديدة تستأنف ممالك الآباء على نهج جديد ذاهب في الزندقة إلى مدى بعيد، ومصدر إزعاج لنظام إقليمي وآخر دوليّ وثالث لا ندري ما كنهه، كلها تلتقي على شعور واحد هو الانزعاج من هذا البلد وساكنيه؛ ألأجل أنّه أنبت في حسّ الإنسانية المعذبة حب الثورة وعشق الحرية؛ بثورته تلك التي ألهمت الضمير الإنسانيّ في الأرض كلها؟ أم لأنّه كان يوما من الأيام محضنا لميلاد الحركة الإسلامية المعاصرة؟ أم لهذا وذاك ولأمور أخرى لا نعلمها والله يعلمها؟ لا ندري، لكن المهم هو أنّهم راموا لهذا البلد ولهذا الشعب المحق والسحق والمحو والإعدام.
فَلْيُقْطَعْ إذَنْ شريان الحياة لهذا البلد ولهذا الشعب، ليقطع النيل، وليقطع مع النيل خط الغذاء الفكري والروحي؛ لتبقى البلاد خرابا وتبقى الشعوب يبابا، ولتمض المسيرة مسيرة السحق والمحق على خطين متوازيين، خط تضييع مقدرات البلاد ومقررات العباد وهدم الموارد الطبيعية، وخط تضييع وهدم الموارد البشرية بتحطيم قوى هذا الشعب وقطع روسه البارزة ودفنها في غياهب العدم.
إنّ حاكما يصنع هذا لا يكون إلا عدوا ظاهرا للأمة وليس مستترا، ولا يكون قضاؤه إلى آلة قتل في يده وآلة قمع في ماكينة حكمه، ولا يكون عسكره وجيشه إلا ميليشيات مرتزقة تنفذ مشروع الحتلال بالوكالة في طوره الأخطر وهو طو السحق والمحق، ولا يكون شيوخ أزهره ولا مفتوه إلا كهنة يسوغون له الإجرام ويشرعنون له الاستئصال، ولا يكون شعبه قطعانا بشرية بائسة مبلسة تساق إلى حتفها وهي لا تملك حتى أن تعلن البكاء على نفسها!!
وإنّ حاكما كهذا ونظاما كهذا لا يجوز الانتظار عليه، إنّ القيام عليه وخلعه والاقتصاص من للمؤمنين واجب لا يتخلف، ولو تخلف على وجه التعليق لاستكمال القوة لم يتخلف واجب الإعداد له، وإنّ نصوص الشرع ومصادره وموارده لتجتمع وتلتلقي على تأكيد هذا الواجب الكبير؛ فأين من هذا الواجب رجال وشباب يحبون الله ورسوله؟!
إنّ علينا أولاً أن نبذل ما نستطيعه من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مقدرات بلدنا وموز شعبنا، وعلى التوازي يجب الإعداد الجاد للإطاحة بهذا النظام الفاجر المجرم، ويجب أن تتآلف القوى وتتكاتف الجهود، وان ينطلق أهل الحق من مشروع ورؤية واضحة وكاشفة، وإذا كان الباطل قد انتفخ بما يملكه من أدوات قهر مادية غليظة، فإنّنا نملك إيمانا يزيل الجبال، لكنّ الإعداد واجب ولا شك: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) (الأنفال: 60).
(المصدر: رسالة بوست)