مقالاتمقالات مختارة

أنظمة الحكم.. و نعمة التوحيد

أنظمة الحكم.. و نعمة التوحيد

بقلم محمد إلهامي

أنظمة الحكم التي اغتصبت بلادنا غريبة، والتأمل في أحوالها يظهر لك نعمة التوحيد، وخطورة الشرك.. ويدفعك دفعا، حتى إذا لم تكن مؤمنا، أن تؤمن بالله وتبتغي رضاه، فإنك لن تبلغ أن تنتفع بها في دنياك إلا لو تخليت عن كرامتك كلها وصرت مهرجا مفضوحا مشتوما على كل لسان، ثم قد لا تبلغ شيئا أيضا!

انظر الآن مثلا.. أنظمة الحكم بعدما كانت ترى الصهينة والصهيونية أعداء، صارت تراهم أحبابا.. فإذا الذي كان ينافقها بالأمس فيكتب في عداء الصهاينة صار اليوم ملزما أن يمسح ما كتبه ويعتذر عنه لينقلب معها كبهلوان محترف معبرا عن موقفها الجديد ومتغزلا في الصهيونية والصهاينة!

ولأننا في عصر السرعة فهذا الانقلاب لم يعد يحدث على مدار سنين.. يعني مصر والأردن مع أنهما طليعتا التطبيع (الاسم الحركي للخيانة والعمالة) إلا أنهما تركتا المجال للأيام تفعل فعلها رويدا رويدا.. أما الإمارات ودول الخليج فكأنها كالمطلقة التي تتشوق لتعود لزوجها، فما إن عادت حتى ملأت الدنيا قصائد حب وغزل واحتفالات باذخة تثبت بذلك لزوجها أن البُعْد لم يزدها إلا شوقا وحبا وغراما!!

لذلك كان المنافق المصري والأردني يملك أن يتمهل في تغيير المواقف، وأن يسير فيه ببطء وهدوء.. بينما المنافق الخليجي ليس له إلا أن يجيد التشقلب كأفضل أنواع القرود، وإلا فقد كل ما يملك!

هذا الحال يبدو مفيدا أيضا.. على الأقل بعضُ المواقف الشخصية لا يمكن أن أنساها، تجعلني سعيدا بالتحول العلني.. ومن أكثر تلك المواقف ما كنا نجده في الزنازين المصرية من بعض السودانيين والقوقازيين والأعاجم المسلمين.. ما الذي جاء بكم يا إخوة؟ يقولون وبكل براءة: جئنا لندخل إلى فلسطين!!

لقد رأى هؤلاء ما يحدث على الشاشات فتركوا ما وراءهم وجاءوا إلى هنا وفي أذهانهم فكرة ساذجة تقول: مصر دولة مسلمة، وهي تجاور فلسطين، فسندخل من هناك إليها.

نعم، في الناس من دفعوا سنين عددا من حياتهم ضحية لهذه الفكرة البريئة والعقل الفطري الطبيعي الذي لم يكن يعرف شيئا عن حقيقة الواقع، فلما وصل إلى مصر وجد نفسه في مسلخة أمن الدولة.. عندها فقط اكتشف أن مصر والأردن تحرسان إسرائيل!

على الأقل لن يوجد الآن من يتصور أن هذه البلاد بلاد مسلمة، وعلى عداء حقيقي مع إسرائيل، ولن يفكر في أن يجمع فيها ولو قرشا تبرعا لفلسطين.. الأمر كله بات مكشوفا ومفضوحا.. ولم يبق إلا أن تنكشف لنا ستائر الغرف لنرى القبلات الحارة وربما ما هو أفحش!

لكن الفكرة التي نقصدها الآن هي هذه الأنظمة التي لا تترك لأتباعها شيئا من الكرامة الشخصية..

يعني، كان النظام السعودي يؤيد الثورة السورية علنا.. بعد سنوات صار هذا جريمة، وعاقب الذين أيدوا الثورة السورية بأثر رجعي! لقد تغير مزاج ولي الأمر وبدلا من أن يُحاسب ولي الأمر على مزاجه الذي تغير صار الذي يُحاسب هو الذي أطاع ولي الأمر!

فلا يدري المرء كيف يطيع ولي الأمر ومتى؟ وماذا إذا لم يتغير مزاج ولي الأمر ولكن تغير ولي الأمر نفسه، فجاء غيره ممن يضاد مزاجه؟!

صورة تذكرك بقول الله تعالى {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ الْحَمْدُ لِلَّهِ}.

يبدو مشهدا مزريا حين يأتي الإعلامي، فيضع الشيخ المنافق في محكمة تفتيش علنية (اسمها الآن: برنامج حواري صريح) ليمسح الشيخ عن نفسه “عار” الدعوة إلى نصرة المسلمين.. ويظل الإعلامي (أو المحقق) يمارس أقسى وسائل الضغط، والشيخ يمارس أقصى فنون التهرب أو فنون التنازل أو كليهما معا.. حتى يصير مشهده مثيرا للشفقة والأسى!

ومع هذا، فقد يغضب ولي الأمر على منافقيه بغير سبب، فكم من إعلامي بذل نفسه وعرضه وجعل نفسه أضحوكة لا نظير لها كي لا يفقد موقعه في سيرك النفاق، ثم فقده!.. (هل تذكرون جابر القرموطي؟!)

وقد يبقى المنافق مهملا، يبذل من نفسه كل ما يحسب أنه قد يلفت إليه نظر الرئيس ومؤسساته وولي الأمر، ثم يكون تقدير هؤلاء أن يقولوا: ولماذا نعطيه ثمنا على ما نأخذه منه بغير ثمن؟!

وما هي إلا فترة من الزمن إلا ويصير النفاق عادة وتقليدا، يمارسه المنافق لأنه لا يعرف غيره، ويبذله لأنه لا يجيد سواه، ويتمتع به لا لأنه يخشى عاقبة الصراحة بل لأنه فقد في نفسه معنى الصراحة والشجاعة على الجملة.

تالله إن المنافقين في زماننا هذا لفي حال بائسة!

ماذا كان يتمنى المنافق ثمرة لنفاقه؟ أموالا، وجاهة، شهرة؟!.. ما يستطيع أحدهم أن يضمن هذا لنفسه مهما بذل.. وإنما كلهم يجتهد ويسعى وينصب ويتعب لعل وعسى..

يتركون من لا تضيع عنده مثقال ذرة من عمل، وهو الذي يجزي الحسنة بعشر أمثالها، ولا يجزي السيئة إلا بمثلها، ثم إنه يغفرها ويصفح ويعفو ويتكرم.. يتركون ربهم وينصرفون إلى عدوه! مع أن الذي عند الله مضمون مأمون مصون غير ممنون، ومع أن الذي عند عدو الله غرور مظنون وعطاء ممنون!!

(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى