“أنا مسلم ومثلي الجنس”.. “ترند” يغزو المجتمعات
إعداد ياقوت دندشي
يبدو أن العالم أمام مرحلة جديدة من الترويج للشذوذ الجنسي، ودائما كما جرت العادة، تحت شعار “الحرية الشخصية وحرية الميول والحق بالاختلاف”.
لكن هذه المرة، الترويج، والعلني منه بشكل خاص، ينطلق مخترقاً المجتمعات والبلدان المسلمة تحت شعار “أنا مسلم ومثليّ الجنس”.
شعار أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه أخبث مما قد يتصوّره عقل، فالمفارقة أن المراقبين لم يشهدوا مثله بين أتباع الديانات الأخرى، لم يسبق أن ربط أحد بهذا الإصرار بين دينه والشذوذ الجنسي.
لم يسبق أن قرأ أحد شعارا يقول “أنا مسيحي ومثليّ الجنس”.
هذا الأمر يدفع الباحثين للبحث وراء ما وراء الـ”ترند” المستجد، وخلفياته، وأسبابه، ولماذا المسلمون دوناً عن غيرهم ابتُدع لهم هذا الشعار الخبيث، علماً أن الديانات الأخرى تحرّم الشذوذ أيضاً في نصوصها الدينية ومتوارثها الاجتماعي والقِيميّ، وتنادي بالعائلة الطبيعية المكوّنة من أب وأم وأولاد.
“أنا مسلم ومثليّ الجنس”، أول ما تضربه هذه العبارة هو مبدأ “وإذا بُليتُم بالمعاصي، فاستتروا”، الذي ينادي بعدم الجهر بالمعصية لما في ذلك من مضاعفة الإثم وإشاعة للفاحشة يمتد تأثيرها على الآخرين بدل أن يقتصر إثمها على مرتكب المعصية دون غيره.
وثاني مسألة تدقّ على وترها هذه العبارة هي دعوة إلتِفافية أو مباشرة ربما، لتشريع الشذوذ الجنسي وجعله مقبولاً وعادياً بين المسلمين، بمعنى آخر، يريدون ترسيخ فكرة أنه من العادي جداً أن يكون شخص مسلم ومحافظ على معتقده الديني، وفي الوقت نفسه شاذ جنسياً.
هذا الأمر من شأنه أن يفتح باب أمام اجتهاد ضعفاء النفوس للتغاضي عن كونه مخالفاً للشرع الإسلامي، ومن ثم من يدري، ربما يتم سماع “رجال دين” من هنا وهناك ينادون بغضّ الطرف عن انتشاره ثم يشرّعونه، خاصة إذا كانوا من أتباع السلاطين، ففي هذه الحالة، فتاواهم رهنٌ بمصالح سلاطينهم ليس إلا.
أما إذا تم النظر إلى زاوية أخرى في العبارة أعلاه، سيدرك الناظر أنها تهدف إلى بناء مجتمع مسلم لا ينبذ الشذوذ الجنسي كما هو الحال حتى الآن، فالمعروف أن هذه الحالات موجودة بين المسلمين، تماماً كما هي موجودة في كل الطوائف والأديان.
لكن الواضح في هذه الأيام، هو أن أكثر من يرفضها ويحاربها هم المسلمون، لدرجة باتوا رأس حربة في هذا الكفاح، في وجه أنظمة ودول ومنظمات وأثرياء العالم ممن يبذخون من مالهم وجهودهم ليس فقط لنشر الشذوذ الجنسي، إنما أيضاً للتشجيع عليه وعلى الجهر به.
في مقال بعنوان “التحذير من ظاهرة الشذوذ الجنسي”في موقع الألوكة الشرعي بتاريخ 8 كانون الثاني/يناير 2022، كتب الدكتور ضياء الدين عبدالله الصالح محذّراً “لا يخفى أن هناك هجمة عالمية منظمة من دعاة الفاحشة والرذيلة، تستهدف القيم الأخلاقية والإنسانية للمجتمعات عموماً، والمجتمع الإسلامي خصوصاً، وذلك بإطلاق شعار رائج إعلاميًّا بما يسمى (ترند)، تحت شعار (أنا مسلم ومثليّ الجنس)”.
وتابع المقال “تكمن خطورة هذه الظاهرة في تهديد المنظومة الأخلاقية والقِيَمِيّة، ومحاولة هدمها بما ينافي الأعراف والقيم الدينية والمجتمعية والإنسانية، ومبادئ العقل والمنطق والفطرة السليمة”.
هذا الترند يظهر بوضوح تام في حملات إعلامية تركز عليه، وتبحث عن أشخاص مسلمين مستعدون للمجاهرة بميولهم الشاذّة، والأهم أنهم يحظون باهتمام بالغ ومبالغ فيه من الجهات والمنظمات الدولية، حتى يظنّ المرء أنه لا توجد قضية ملحّة على هذا الكوكب سوى “معركة” تشريع الشذوذ الجنسي، كما يحبّون أن يطلقوا عليها.
قناة “دوتشه فيليه” الألمانية الناطقة بالعربية، مثلاً، تسلّط الضوء على كل ما يخالف المجتمعات، فيكاد المشاهد يظن أن كل المجتمع على شاكلة العينات التي يعرضونها، أو على الأقل نسبة كبيرة منه.
فها هي منذ سنوات تركز جهودها على المثليين جنسياً من العرب والمسلمين تحديداً، وتفرد لهم ساعات من فضائها العابر للقارات، وتتحدث تارةً عن “جمالية” الشاذين جنسياً، وطوراً عن مظلوميتهم في مجتمعاتهم وبلدانهم.
حتى إنها تأتي بأشخاص ينكرون تحريم الشذوذ بالشرع الإسلامي ويعطون تفاسير وقوالب اجتهادية ما هي إلا انعكاس لرغباتهم وأهوائهم، لأن القرآن كفّى ووفّى في مسألة إيضاح تحريم بل وتجريم الشذوذ الجنسي بما لا يدع مجالاً للشك!
قال الله تعالى: ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾ [الشعراء: 165-166].
وقوله تعالى: ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ منَ الْعَالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ﴾ [الأعراف:80].
وقال الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء:32].
وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف:33].
وبعد كلّ هذا، يأتي من يقول إنه لم يجد في القرآن آيةً تحرّم الشذوذ الجنسي، ويروّج لفكرة أن المسلم يحق له أن يكون مثلياً بنتيجة ذلك.
السؤال الذي يطرح نفسه هو، إذا كانت الميول شأن شخصي والاختلاف حق، فلماذا الترويج والتشجيع على الشذوذ الجنسي كما لو أنه الحالة الطبيعية، ورافضوها هم الشاذّون؟!
مخطط هدم المجتمع المسلم والعقيدة الإسلامية لا يخفى على أحد، يحاولون ضربه من الداخل، بعد أن عجزوا لقرون طويلة على ضربه من الخارج، يريدون تبديل التفاسير، بعد أن عجزوا عن تبديل الآيات أو التشكيك بها، مهما تكررت المحاولات.
المصدر: وكالة أنباء تركيا