أمة الإسلام: الهوية والخصائص
(الحلقة الأولى)
أمة الإسلام أمة وسط، كما وصفها القرآن بقوله: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس…( [البقرة 2/ 143].
إنها أمة عقيدة ورسالة، وليست أمة عِرْقية تنتمي إلى جنس أو عنصر معيّن، ولا أمة إقليمية تنتمي إلى وطن أو أقليم من الأرض، يجمعها في شرق أو غرب، ولا أمة لُغوية تنتمي إلى لغة معينة ولسان معين.
بل هي أمة عالمية، جمعت بين أبنائها – على اختلاف عروقهم وأوطانهم وألسنتهم وألوانهم – العقيدة الواحدة، والشريعة الواحدة، والقيم الواحدة، والقبلة الواحدة.
ورغم اختلاف ألسنة هذه الأمّة باختلاف قومياتها، إلاّ أنها تتميّز بلسان مشترك هو العربية، فهي لسان التفاهم بين المسلمين، وهي لغة العبادة والثقافة الإسلامية، وهي لسان الحضارة الإسلامية التي أبدعها آلاف من العباقرة أكثرهم من غير العرب.
في هذه الأمة: العربي والعجمي، والأبيض والأسود، والشرقي والغربي، والأفريقي والأوربي، والآسيوي والأمريكي والأسترالي، يجمعهم الإسلام على كلمة سواء، ويذيب بينهم كل الفوارق التي تفرق بين البشر: العنصرية واللونية واللغوية والإقليمية والطبقية ، ويعلن أن الجميع: أمة واحدة، تربط بينهم أخوة عميقة، أساسها: الإيمان برب واحد، وكتاب واحد، ورسول واحد، ومنهج واحد، يجمع شملها، ويوثق روابطها، كما قال تعالى: ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله …( [الأنعام 6/153].
والمسلم لا يرى أيّ حرج في أن يحبّ وطنه وقومه، ويعتزّ بهم، ما دام ذلك لا يتعارض مع حبّه لدينه واعتزازه به، ولا يتنافى مع وحدة الأمّة المسلمة ، فالإسلام ينفتح على كلّ الأطر الإنسانية، من قومية ووطنية وعرقية وغيرها، ويرى أنّ المشكلة لا توجد إلاّ عندما تحمل هذه الأطر مضموناً يخالف الإسلام، أو حين تقع في أحضان العصبية.
أسّس هذه الأمة رسول الله (، فكانت كما وصفها الله ( …خير أمة أخرجت للناس…( [آل عمران 3/110] إنها أمة لم تخرج لنفسها، ولكن أُخرجت للناس، لنفع الناس، وهداية الناس، وإسعاد الناس، وإنما كانت خيريتها لما وصفها الله به ( … تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله …( [آل عمران3/110].
فهي أمة ذات رسالة ربانية إنسانية أخلاقية عالمية، خلاصتها أمران: الأول: الإيمان بالله وحده، وهذا يتضمن ثلاثة عناصر أساسية: ألا تبغي غير الله ربا، ولا تتخذ غير الله ولياً ، ولا تبتغي غير الله حكماً ، وهي عناصر التوحيد الثلاثة التي تعتبر أساس العقيدة في جميع المذاهب الإسلامية.
الثاني: إنها تحمل دعوة الناس إلى الحق والخير والمُثُل العليا، التي عبّر عنها القرآن بـ (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) والمعروف: كلمة جامعة: تشمل كل معاني الحق في العقائد، والصدق في الأقوال، والصواب في الآراء، والخير في الأفعال، والرشد في التصرفات ، والمنكر على عكسه، يشمل: كل معاني الباطل في المعتقدات، والكذب في الأقوال، والخطل في الآراء، والشر في الأفعال، والغي في التصرفات.
والأّمة مطالبة بهذه الوظيفة، حتى تُقوم ما يعوج ، وتصلح ما يفسد من أمور الحياة، كما قال تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون( [آل عمران 3/104]
ولقد أصاب هذه الأمة في تاريخها محن وفتن وغارات وغزوات، من الشرق كغارات المغول، ومن الغرب، كغارات الفرنجة (الصليبيين)، كادت تهدد وجودها، ولكنها سُرْعان ما قيّض الله لها رجالا من أمثال: (عماد الدين، ونور الدين، وصلاح الدين، وقطز) أحيوها من موات، وجمعوها من شتات، فاستعادت حيويتها وقدرتها، وطردت الغزاة، وعادت للحياة، أو عادت لها الحياة.
واليوم تتعرض الأمة لغزوات أخرى، من نوع جديد، تريد أن تُغّيرها من الداخل، وبأيدي أبنائها، بتغيير هويتها، وتغيير عقيدتها، ورؤيتها للدين وللحياة، وللفرد والمجتمع، وللخلق والخالق، وللدنيا والآخرة، وللإنسان والعالم.
ولا تستطيع الأمة أن تقف ضد هذا الطاغوت الجديد إلا بأن تعتصم بحبل ربها، وتستمسك بعروتها الوثقى لا انفصام لها: عروة الإسلام. وتقول ما قال عمر ابن الخطاب: نحن كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العزة بغيره أذلنا الله!
وتعتمد مقولة إمام دار الهجرة مالك بن أنس: لا يصلح أخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. وما صلح أولها إلا بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام. وأن تجعل شعارها ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا…( [آل عمران 3/103). الميثاق الإسلامي
(المصدر: الاتحاد العالي لعلماء المسلمين)