إعداد سليمان عبد الله – برلين
تداولت السلطة القضائية في مدينة بون مؤخراً قضية لم يكن القضاة والمدعون ومحامو الدفاع قد خبروا مثلها في حياتهم المهنية، المتراوحة بين 20 و35 عاماً، وهي البت في قضية رجل ذهب من تلقاء نفسه إلى الشرطة ليعترف بارتكابه جرائم يعاقب مرتكبها عادة بالسجن لسنوات، “حُباً في الله”.
وكان الرجل الألماني- الروسي إيغور، وهو اسم مستعار استعملته الصحافة الألمانية حفاظاً على هويته، ذو الـ28 عاماً، قد قام بجريمتي سطو منذ قرابة 6 أعوام، تتراوح عقوبة الواحدة منهما عادة بالسجن بين 3 و5 سنوات، ولم تهتدِ الشرطة إلى دليل يقودها إلى الفاعل طيلة السنوات الماضية.
وحسب ما نشرته صحيفة إكسبريس الألمانية، الخميس 23 مارس/آذار 2017، فإن ايغور ذهب طوعاً، في شهر سبتمبر/أيلول 2016، إلى الشرطة، بسبب رغبته في التحرر من ماضيه وإراحة ضميره، بالإضافة إلى “حبه لله”، خصوصاً أنه اعتنق الإسلام منذ سنتين.
الشرطة لم تصدق
ولم يصدق عناصر الشرطة في المركز الواقع بولاية شمال الراين فستفاليا ما سمعوه، عندما قال لهم إيغور “أود أن أعترف بجريمتَيْ سطو، كنت قد ارتكبتهما منذ قرابة ٥ أعوام”.
وبات واضحاً لهم أن الرجل ليس مختلاً عقلياً، لأن حادثتي سطو كانتا قد وقعتا بالفعل في محل لبيع المشروبات في البلدة التي كان يتحدث عنها، وفرع لمتاجر “ألدي” ببلدة فستفاليا، شهر مايو/أيار 20101، وأبريل/نيسان2011، إلى جانب سرده لتفاصيل عن الجريمتين لا يمكن أن يعرفها سوى المنفذ.
وفكر رجال الشرطة لبرهة في القبض عليه، لكن بالنظر إلى توجهه بنفسه لهم ليقر بما فعل بعد مرور كل تلك الفترة، لم يجدوا داعياً لاعتقاله، فتركوه يذهب.
وبدا واضحاً أنه لم يكن من السهل على الرجل، الشاعر بالذنب، الإقرار بجرائمه خلال محاكمته.
الجريمة
وروى إيغور أنه كان حينذاك يشرب الكحول ويتعاطى المخدرات ومدمناً لألعاب المقامرة، مؤكداً أنه كان بحاجة للمال فقط، ولم يود إيذاء أحد، وأنه لو كانت الأمور ليست على ما يرام خلال تنفيذ السطو لكان فرَّ من المكان فوراً.
وكان إيغور يحمل خلال الجريمتين مسدس إنذار وسكيناً طول نصلها 15 سنتيمتراً، استطاع بالتهديد بها حينها الاستيلاء على 4800 يورو من محل للمشروبات يدعى “هيت”، عندما ترصَّد لعاملَيْن فيه وسرقهما فيما كانا يجلبان مدخول عملهما، ثم بتهديد محاسبة متجر “ألدي” والاستيلاء على 355 يورو منها.
ولم يخلِّف إيغور الذي كان حينها مقنعاً أية أثار للحمص النووي الصبغي في المكان، ولم تتوفر صور له ملتقطة بكاميرات المراقبة، وإنما بعض الأوصاف غير الواضحة على نحو “نحيل، يتحدث بلكنة بولونية أو روسية”، فلم تحقق الشرطة بشأنها.
وكان الشاب قد اعتنق الإسلام منذ عامين، وترك من ذلك الوقت تناول الكحول والمخدرات والمقامرة.
المحكمة
وقال في المحكمة إنه يريد أن يترك هذه الجرائم خلفه أيضاً، وعندما سأله القاضي فيما إذا كان إسلامه لعب دوراً في ذلك، قال “بالتأكيد بعض الشيء”.
ولم يكن تعامل المحكمة مع سارق ليس من أصحاب السوابق، لم يكن ليُقبض عليه لولا ندمه، متعهداً بإعادة المال لأصحابه حال عثوره على عمل، بالأمر الاعتيادي، لذا قالت إن الحقائق المتعلقة بالقضايا غير الاعتيادية تبرر فرض عقوبات مخففة جداً، بل وقد تستدعي ذلك.
وقررت هيئة المحكمة أخيراً بأن القضية تعتبر غير جسيمة، وقضت بالسجن مع وقف التنفيذ لمدة عامين، وأداء 200 ساعة من الخدمة الاجتماعية، أي أنه لن يصبح وراء القضبان، وقبل إيغور الحكم مباشرة داخل قاعة المحكمة.
(المصدر: هافينغتون بوست عربي)