مقالاتمقالات المنتدى

ألقاب مملكة في غير موضعها .. رسالة إلى كل طالب علم

ألقاب مملكة في غير موضعها .. رسالة إلى كل طالب علم

 

بقلم أ. د. بلخير طاهري الإدريسي الحسني المالكي الجزائري (خاص بالمنتدى)

 

إن حظوظ النفوس شديدة، و على طلبة العلم أشد، و عندما يرفع الله بفضله بعض أهل العلم بعلمهم، و يهيئ لهم مالم يتيسر لغيرهم، تنبري الأقلام و الألسنة في هتك أستار إخوانهم زورا ، وبهتانا، فكثيرا ما تتحرك شهوة النفس، و الله أعلم بالخلفيات، فتجدهم ثاروا و كتبوا حول بزار تقسيم الألقاب العلمية ، كقولهم : العلامة ، المسند ، الدكتور ، البحاثة….

وأرى أنه لا إشكال في إطلاق هذه الأوصاف بمن اتصف بها، بشرط أن تكون صادرة من أهلها في محلها.

ورأيت وجالست بعض هؤلاء الفضلاء المنتقدة حيث أنهم ليرون أصلا أنه هناك من يطلق عليه لفظ عالم سواء في بلدته أو في وطنه ، بل رأيته ينتقد حتى علماء في العالم الاسلامي شهد لهم العدو قبل الصديق .

ولكن للأسف إنها النفوس و طبائع البشر، وقد حكى الإمام بن عبد البر في كتابه جامع بيان العلم و فضله :” إن كلام العلماء بعضهم في بعض ، أشد من تناطح التيوس في زرابها “.

وقد تحدث العلامة المقاصدي المالكي أبي إسحاق الشاطبي في كتابه الإفادات و الإنشادات حول شروط العالم، نقلا عن غيره فقال : كثيراً ما كنت أسمع الأستاذ أبا علي الزواوي يقول: قال بعض العقلاء لا يسمى العالم بعلم ما عالما بذلك العلم على الإطلاق، حتى تتوفر فيه أربعة شروط:

أحدها : أن يكون قد أحاط علماً بأصول ذلك العلم على الكمال.

الثاني: أن تكون له قدرة على العبارة عن ذلك العلم.

الثالث: أن يكون عارفاً بما يلزم عنه.

الرابع : أن تكون له قدرة على دفع الإشكالات الواردة على ذلك العلم.

قلت: وهذه الشروط رأيتها منصوصة لأبي نصر محمد بن محمد الفارابي الفيلسوف في بعض كتبه”. انتهى

وفي الجملة أقول : كل من استطاع أن يعبر عن حقيقة علم، و تمكن من إيصاله إلى طالب العلم، إما بسطا في حل ألفاظه، أو إزالة لإشكاله، أو توضيحا لغامضه، فهو العالم حقا.

وقد رسم العلامة زروق في قواعده معالم العالم الحق و هذا بقوله :” المتكلم في فن من فنون العلم، إن لم يُلحق فرعه بأصله ويحقق أصله من فرعه، ويصل معقوله بمنقوله، وينسب منقوله لمعانيه، ويعرض ما فهم منه على ما علم من استنباط أهله، فسكوته عنه أولى من كلامه فيه، إذ خطأه أقرب من إصابته، وضلاله أسرع من هدايته، إلا أن يقتصر على مجرد النقل المحرر من الإيهام والإبهام. فرب حامل فقه غير فقيه فيسلم له نقله لا قوله. وبالله سبحانه التوفيق. انتهى

فاعلم أيها الحبيب أن العلم منح إلهية، و هيبات ربانية، فربما فتح لك في التأليف ولم يفتح لك في التدريس، و العكس،. ومنهم من فتح الله عليه فيهما وقليل ما هم!!!

و اعلم أن العلم يتجزأ فرب عالم في مسألة جاهل في مسائل ، و هذا ليس عيبا، والعلم رحم بين أهله.

ولازال العلماء يطلبون في العلم حتى و هم على فراش الموت، وكما قرر علماء الحديث رحمهم الله، أنه لا يسمى المحدث محدثا حتى يأخذ عن من فوقه و من دونه و من مثله . إلا أن شرط هذا المقام أن تكون صادقا مع نفسك غير مغالط لها كما قال سيدنا ابن عطاء الله السكندري في حكمه :” الناسُ يمدحُونكَ لِمَا يظُنونَ فِيكَ، فكن أنت ذامًّا لنفسك لما تعلمه منها”.

فهي نفسها الألقاب التي أطلقت : العلامة الجامع لأشتات العلوم ، و المسند و الجامع للإجازات ….

فلا تستغرب المهم أن يكون من تطلق عليه هذه الأوصاف يعرف حقيقة نفسه فقط …أما ما يقوله الناس عنك، ففيه جزاف و فيه تطفيف، فاللهم سلم واحفظ يا لطيف.

ورحم الله سيدنا مالك رحمه الله عندما كان يقول :” ليس العلم بكثرة الرواية و إنما هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء”.

و انصح من أطلقوا لأنفسهم العنان هذه الأيام لأن يكونوا أوصياء على العقول، و تحديد المستويات، أن يعتنوا بتكملة نقصهم العلمي، و يجتهدوا في تحسين علاقتهم مع الله، فإن الفتح من هاهنا.

و أما من يدعون أنهم دكاترة وهم لم يناقشوا بعد ، أو هم علماء و هم لم يستوا في فن بعد، أن الزمن جزء من العلاج. وكما قال الشاعر بديع الزمان الهمذاني:

ستعلم حين ينجلي الغبارُ … أفرسٌ تحتكَ أم حمار

والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل

فاللهم إجعلنا من الأوائل، واعفو عنا فانك تحب العفو.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى