مقالاتمقالات المنتدى

أكذوبة الإلحاد (14) براهين موسى ودلائله في الإنسان والكون على وجود الله سبحانه وتعالى

أكذوبة الإلحاد (14) براهين موسى ودلائله في الإنسان والكون على وجود الله سبحانه وتعالى

 

 

بقلم د. علي محمد الصلاّبي (خاص بالمنتدى)

دهش فرعون من قوة جواب موسى وظهور حجته، إذ سأله عن ربه سبحانه وتعالى لما جاء إليه داعياً، فقال له: ﴿قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ﴾، كما مر الكلام عليه مفصلاً في المقال السابق،  فالتفت فرعون إلى رجال حاشيته المحيطين به، مخاطباً لهم:

أولاً: قوله تعالى: ﴿قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ﴾ ]الشعراء:٢٥[

لاحظ فرعون بنباهته،بأن جواب موسى عليه السلام يهدد عرشه، ويلغي ربوبيته لقومه، فترك موسى ووجه كلامه للملأ: ﴿قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ﴾، فقد نجح موسى عليه السلام في استدراج فرعون، وفي تحويل الموضوع من حوار ثنائي إلى حوار عام مفتوح، فها هو فرعون يوجه كلامه للملأ من حوله وها هم الملأ يستمعون للحوار بين فرعون وبين موسى، وهم يعلمون أنهم مقصودون بذلك.

وقول فرعون لمن حوله: ألا تستمعون؟ من باب الاستغراب والاستهجان، يدعوهم إلى أن يستهجنوا ما يسمعون من موسى عليه السلام، لأنه يتكلم عن رب آخر غير فرعون، وهم يؤمنون أن فرعون وحده ربهم، فأهمل موسى عليه السلام فرعون واستغرابه ووجه كلامه إلى الملأ وقدّم لهم تعريفاً آخر على أن الله وحده هو الرب. (القصص القرآني، ٢/٤١٦)

ثانياً: قوله تعالى: ﴿قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ﴾ ]الشعراء:٢٦[

فنقل موضوع الربوبية من بُعدها الكوني الواسع إلى بعدها الإنساني، وبنى على كون الله وحده السماوات والأرض بينهما كون الله وحده رب الناس، على اختلاف زمان ومكان وجودهم، فرب الكون هو رب الناس، وصارح موسى الملأ حول فرعون بأن ربهم هو الله، وليس فرعون كما يدّعي، وإذا كان فرعون لا يدعي أنه رب آبائهم الأولين، فكيف يدّعي أنه ربهم هم؟ إن رب آبائهم الأولين هو ربهم.

ثالثاً: قوله تعالى: ﴿قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾ ]الشعراء:٢٧[.

وأحس فرعون بقوة وحكمة منطق موسى عليه السلام ولم يستطع أن يجازيه في نفس المنطق والأسلوب العلمي الموضوعي، لأنه لا يقدر على هذا المنطق، ولا يملك حجة يخاطب بها قومه ولهذا انتقل إلى أسلوب السبّ والشتم، فشتم موسى بأنه مجنون، ووجه كلامه للملأ: ﴿قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾ ]الشعراء:٢٧[.

موسى رسولهم مجنون، هل الكلام الذي قاله كلام مجنون؟ وهل الأدلة التي عرضها يمكن أن يعرضها مجنون؟ وهل موسى مجنون لأنه رفض الاعتراف بربوبية فرعون لقومه؟ هذا هو منطق فرعون المستكبر المتجبّر، إنه ينقل القضية من ميدانها الفكري الواسع، إلى ميدان شخصي ضيق، لقد ترك فرعون نقض أدلة موسى وتحول للكلام على شخصية وعقلية موسى.

وانتقال فرعون هذا دليل على هزيمته أمام موسى وعدم وقوف كلامه أمام قوة حجة موسى، وبما أنه عجز عن دفع حجة موسى الفكرية، فليقم بتشويه شخصية موسى، وما أقدم عليه فرعون أمام موسى هو نفس ما يقدم عليه كل حاكم طاغية مستبد، فعندما يعجز الطاغية عن نقض حجج أصحاب الحق، ولا يستطيع دفع الحجة بالحجة، فإنه يلجأ إلى سبّ وشتم واتهام أصحاب الحق.

ومن حكمة موسى في هذه المواجهة مع فرعون أمام الملأ أنه لم ينزل إلى مستوى فرعون الهابط ولم يرد على الاتهام باتهام مقابل، ولم يدفع عن نفسه تهمة الجنون فليست المعركة شخصية بينه وبين فرعون، وليس الموضوع عقل موسى أو جنونه، إنما الموضوع الربوبية؛ من ربهم الله أم من فرعون؟ ومن رب العالمين، الله أم فرعون؟ إن فرعون يريد أن يصرف سير المواجهة مع موسى عن هذا الخط الأصيل، إلى موضوع هامشي تافه، يقوم على الملاسنة والسباب والشتم بين شخصين، وموسى يدرك هذه اللعبة الفرعونية، فلم يستجيب له فيها وأبقى المسألة في إطارها الصحيح، ولهذا وجّه كلامه للملأ قائلاً: (القصص القرآني، ٢/٤١٨)

رابعاً: قال تعالى: ﴿قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ ]الشعراء:٢٨[.

مضى موسى عليه السلام في بيان الحجج والبراهين على ربوبية الله عزّ وجل، وصدح بكلمة الحق التي تزلزل الطغاة والمتجبرين.

  • ﴿قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾: وكلام موسى عليه السلام موجه للملأ يقول لهم: أيها القوم ليس ربكم هو فرعون، ولكنه رب مشرق الكون ومغربه، ورب ما بين المشرق والمغرب، لقد عرض موسى عليه السلام مسألة ربوبية الله رب العالمين في أبعاد ثلاثة، وفرعون لا يدّعي ربوبيته لأي بعد منها:

الأول: المجال الكوني الواسع، المتمثل في السماوات والأرض وما بينهما: ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾.

 الثاني: المجال الإنساني التاريخي المتمثل في الوجود الإنساني على الأرض: ﴿قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ﴾.

الثالث: المجال الأرضي الواسع، المتمثل في المشرق والمغرب على وجه الأرض: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾.

وبهذا ضيق الأمر على فرعون ولم يعد له حجة أو دليل على أنه رب لقومه، اللهم إلا منطق الطغيان والاستكبار. (القصص القرآني، ٢/٤١٨)

 إن هذا التوجه يهز القلوب البليدة هزاّ، ويوقظ العقول الغافية إيقاظاً، وموسى عليه السلام يثير مشاعرهم، ويدعوهم إلى التدبر والتفكير. (في ظلال القرآن، ٥/٢٥٩٣).

  • ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾: حيث لمس عقولهم لمسة، وخاطبهم بهذا الدليل الدال على وحدة الربوبية ودعاهم إلى إعمال عقولهم، والتفكير فيما أمامهم من أدلة وآيات.

وقوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ ردّ على اتهام فرعون له بأنه مجنون، وهو اتهام ضمني من موسى لفرعون وقومه في عقولهم، وكأنه يقول لهم من المجنون؟ أهو الذي يؤمن أن الله وحده هو رب العالمين، هو رب المشرق والمغرب وما بينهما أم ذلك الذي يؤمن أن ربّ مخلوق ضعيف مثله لا يملك السماوات والأرض وما بينهما ولا يملك المشرق والمغرب وما بينهما.

كأنه يقول لهم: إن كنتم تعتقدون أن فرعون ربٌ لكم فأنتم المجانين، ففكروا واعملوا عقولكم لتعرفوا الحقيقة. (القصص القرآني، ٢/٤١٩).

لم يصمد فرعون أمام منطق موسى الموضوعي، وأدلته المقنعة، ولم يستمر فرعون في التظاهر بالأناة وسعة الصدر، فقد قدّم نفسه لمن حوله على أنه حليم موضوعي واسع الصدر، يستمع الرأي الآخر المخالف ولا يضيق به أو قل قدّم نفسه أمامهم على أنه “ديمقراطي” بالمفهوم المعاصر. (القصص القرآني، ٢/٤١٩)

أحدث موسى عليه السلام حالة من الوعي في مجلس فرعون، والفراعنة لا يخشون شيئاً كما يخشون من يقظة الشعوب، وصحوة القلوب ولا يكرهون أحد كما يكرهون الداعين إلى الوعي واليقظة، ولا ينتقمون من أحد كما ينتقمون على من يهزون الضمائر الغافية ومن ثم ترى فرعون يهيج على موسى ويثور، عندما يمس بقوله هذا أوتار القلوب، فينهي الحوار معه بالتهديد الغليظ بالبطش الصريح، الذي يعتمد عليه الطغاة عندما يسقط في أيديهم وتخذلهم البراهين. (في ظلال القرآن، ٥/٢٥٩٣)

ملاحظة هامة: استفاد المقال مادته من كتاب: ” موسى عليه السلام كليم الله “، للدكتور علي محمد الصلابي، واستفاد أكثر مادته من كتاب: ” القصص القرآني” للشيخ صلاح الخالدي.

  1. القصص القرآني؛ عرض وقائع وتحليل أحداث، صلاح الخالدي، دمشق، دار القلم، ط4، 2016م.
  2. التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، عبد الحميد محمود طهماز، دمشق، دار القلم، ط2، 1435ه/ 2014م.
  3. زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة (ت: 1394ه)، القاهرة، دار الفكر العربي، 1987م.
  4. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي (ت، 1393ه)، جدة، السعودية، مجمع الفقه الإسلامي، دار علم الفوائد، (د. ت).
  5. موسى عليه السلام كليم الله، د. علي محمد الصلابي، دار ابن كثير، الطبعة الأولى، 2022م.
  6. في ظلال القرآن، سيد قطب.
  7. القصص القرآني؛ عرض وقائع وتحليل أحداث، صلاح الخالدي، دمشق، دار القلم، ط4، 2016م.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى