مقالاتمقالات المنتدى

أكذوبة الإلحاد (10) كيف فرّ فرعون من داعي الله ورسولِه؟

أكذوبة الإلحاد (10) كيف فرّ فرعون من داعي الله ورسولِه؟

 

 

بقلم د. علي محمد الصلاّبي (خاص بالمنتدى)

 

استجاب موسى عليه السلام للنداء الإلهي الذي أمر موسى عليه السلام بالذهاب إلى فرعون وملئه حاملاً إليهم رسالة الله عز وجلّ، كتكليف بأشرف مهمة وأعظم منّة، والتي أرسل الله تعالى جميعَ الأنبياء لأجلها؛ وهي الدعوة إلى الله تعالى. قال الله سبحانه وتعالى: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (11) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17)} [الشعراء: 10 – 17]

يتعجب فرعون، وهو يرى موسى يواجهه بهذه الدعوى الضخمة: ﴿إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ويطلب إليه ذلك الطلب الضخم: ﴿أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ فإن آخر عهده بموسى أنه كان ربيباً في قصره منذ أن التقطوا تابوته، وأنه هرب بعد قتله للقبطي الذي وجده يتعارك مع الإسرائيلي. وقيل: إن هذا القبطي كان في حاشية فرعون، فما أبعد المسافة بين آخر عهد فرعون بموسى إذن وهذه الدعوى الضخمة التي يواجهه بها بعد عشر سنين ومن ثم بدأ فرعون متهكماً مستهزئاً مستعجباً. (في ظلال القرآن، ٥/٢٥٩١)

قال تعالى: ﴿قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (١٩)﴾ ]الشعراء:١٨-١٩[.

لقد نظر فرعون إلى موسى عليه السلام نظرة احتقار وازدراء، فلم يتعامل معه باعتباره رسولاً معه الحق، وإنما نظر إليه باعتباره إسرائيلياً من بني إسرائيل، وقومه أذلاء مهانون عبيد للمصريين، فمن هو حتى يواجه فرعون هذه المواجهة، ويخاطبه بهذه المخاطبة، ويدعوه إلى أن يتبعه ويسير معه؟

لم يتعامل الطاغية فرعون مع الأمر باعتباره فكراً ودعوة، ولم يفكر فيه تفكيراً منطقياً موضوعياً، وإنما حوله إلى معركة شخصية بينه وبين موسى ونظر إلى شخصية موسى نظرة فرعونية، قائمة على التكبر والاستعلاء، فماذا يساوي موسى في ميزان فرعون الجاهلي؟

ثم تذكر فرعون ماضي موسى ونشأته في قصر فرعون فهو ربيب نعمته، فكيف الآن يزعم أنه نبي؟ ابتدأ الكلام باتهام موسى عليه السلام بكفر النعمة، أو كفره بألوهيته.

  • ﴿قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا﴾: الاستفهام إنكاري بمعنى النفي، والمعنى: ربيناك فينا، في وسطنا، مكرماً فينا عزيزاً، أي خالطناك بأنفسنا خلطاً وكأنك منّا (تفسير أبو زهرة، ١٠/٥٣٤٥)
  • فهل هذا جزاء التربية والكرامة التي لقيتها عندنا وأنت وليد؟ أن تأتي اليوم لتخالف ما نحن عليه من ديانة؟ ولتخرج على الملك الذي نشأت في بيته وتدعو إلى إله غيره؟ (في ظلال القرآن، ٥/٢٥٩١)

ولقد ذهب الكثير من العلماء في قوله: ﴿وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾: إنما أراد بالكفر الجحود ونكران الجميل، أي: كنت من الجاحدين الذين جحدوا نعمتنا وكفروها، فقد أحسنّا إليك لما ربيناك في قصرنا وأنت وليد صغير، ثم اهتممنا بك سنوات عديدة حتى صرت شاباً. (القصص القرآني، ٢/٤٠٦).

  • ﴿وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ﴾ أي: أقمت فينا مختلطاً بنا سنين، الظاهر أنه بقي فيهم حتى بلغ الرشد، وصار شاباً سوياً، يدبر أموره ويعرف غاياته وخصوصاً أن جزء من التربية كان مع أمه، كما قال تعالى: ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا﴾ ويقال إنه مكث في بيت فرعون إلى أن بلغ ثلاثين سنة، والراجح عندنا أنه مكث حتى صار رجلاً سوياً، بدليل ما آتاه الله من قوة عندما استغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه. (تفسير أبو زهرة، ١٠/٥٣٤٥)

وفي قوله: ﴿وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ﴾ وما بالك -وقد لبثت فينا من عمرك سنين- لم نتحدث بشيء عن هذه الدعوى التي تدعيها اليوم، ولم تخطرنا بمقدمات هذا الأمر العظيم؟

وذكره بحادث مقتل القبطي في تهويل وتجسيم:

  • ﴿وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ﴾: فعلتك الشنيعة التي لا يليق الحديث عنها بالألفاظ المفتوحة، ﴿وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾؛ أي الكافرين بألوهيته، وبأنه لم يكن ليدعي له كما يدعي الذي يعدونه إلهاً، ويقول لهم ليس لكم من إله غيري وقال بعض المفسرين -كما مرّ معنا- كفر النعمة ولا نحسب أن فرعون يرى من كفر نعمته قتل واحد من الرعايا ولو كان ذا صلة به كخادم أو نحوه، فموسى فيما أحسب كان أقرب إليه من كل الخدم، إذ امرأة فرعون قد اتخذته لها ولداً، لم ينكر نبي الله تعالى أنه فعلها كما وصف، وقد استجاب الله دعاءه فأزال حبس لسانه وانطلق يجيب. (في ظلال القرآن، ٥/٢٥٩١).

ملاحظة هامة: استفاد المقال مادته من كتاب: ” موسى عليه السلام كليم الله “، للدكتور علي محمد الصلابي، واعتمد في كثير من مادته على كتاب: ” في ظلال القرآن ” للأستاذ سيد قطب.

المراجع:

  1. في ظلال القرآن، سيد إبراهيم قطب، القاهرة، دار الشروق، ط32، 1423ه/ 2003م.
  2. زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة (ت: 1394ه)، القاهرة، دار الفكر العربي، 1987م.
  3. موسى عليه السلام كليم الله، د. علي محمد الصلابي، دار ابن كثير، الطبعة الأولى، 2022م.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى