مقالاتمقالات المنتدى

أعمال تعدل الحج والعمرة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أعمال تعدل الحج والعمرة

 

بقلم محفوظ بن الوالد (خاص بالمنتدى)

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
وبعد:
فإنه ما من مسلم إلا وقلبه معلق بالحج والعمرة إلى مكة المكرمة، وبيت الله الحرام، وزيارة المدينة المشرفة، والصلاة في مسجد خير الأنام؟
لقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم عن فضل الحج والعمرة بقوله:
(العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)
(رواه مسلم)
وقال صلى الله عليه وسلم:
(من حج لله، فلم يرفث، ولم يفسق؛ رجع كيوم ولدته أمه) (رواه البخاري)

ومع هذا الجزاء العظيم، وذلك الفضل العميم، فإن التعلق بالحج والعمرة، والشوق إلى زيارة مكة المكرمة، والكعبة المعظمة، وطيبة الطيبة، والروضة المشرفة، هو استجابة روحية غالبة، وتلبية وجدانية قاهرة لدعاء أبي الأنبياء عليه الصلاة والسلام: { رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} ( سورة إبراهيم/37)
لقد سمع الله نداءه، واستجاب دعاءه، وأمره بأن يؤذن في الناس بالحج، ليأتي الملبُّون من كل فج عميق { وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} ( الحج/27)

ومنذ ذلك التاريخ وقلوب المؤمنين في حب جارف، وشوق دائم، وحنين مستمر إلى الكعبة المشرفة، والبيت العتيق، يأتونه من كل فج وطريق، قريب وعميق (بعيد).
وكلما دخلت الأشهر الحرم، وحزم الملبُّون أمتعة الرحلة المباركة، وتحركت وفود الله إلى بيته، تجددت حرقة الشوق للمشتاقين، و استبد الحنين بالمحبين، فطفقوا يرددون بلسان الحال، والمقال:
يا راحلين إلى البيت العتيق لقد
سرتم جسوما وسرنا نحن أرواحا
إنا أقمنا على عذر، وعن قدر
ومن أقام على عذر فقد راحا..

إلى هؤلاء المحبين، والمشتاقين..
وإلى كل المؤمنين الصادقين الذين حبستهم الأعذار، وقعدت بهم الأقدار، فلم يكتب لهم الحج، ولم تتيسر لهم العمرة، إليكم بعض القربات والطاعات، والأعمال الصالحات، التي تفضل الله بهاعليكم ، فرتب عليها مثل ثواب الحج، وأجر العمرة، فجمعت بين اليسر، وعظمة الأجر ، فاحرصوا عليها، بارك الله فيكم.
وهذه الأعمال هي:

1- العزيمة الصادقة على الحج والعمرة:

من كانت له نية خالصة، وعزيمة صادقة على الحج، أو العمرة، أو أي عمل صالح، فلم يستطع بعد بذل الوسع، واستفراغ الجهد، كتب الله له أجر ذلك العمل، وأثابه الله على قدر نيته في عمله.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رجع من غزوة تبوك، فدنا من المدينة، فقال:
(إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا؛ إلا كانوا معكم) قالوا: يا رسول الله! وهم بالمدينة؟ قال: (وهم بالمدينة؛ حبسهم العذر)
(رواه البخاري، ورواه مسلم من حديث جابر.)
قال ابن حجر رحمه الله في فوائد الحديث: ” وفيه أن المرء يبلغ بنيته أجر العامل إذا منعه العذر عن العمل” (فتح الباري 6/47)
سبحانك ربي ما أكرمك، وأرحمك!!

2- صلاة الجماعة:

من أفضل الأعمال الصالحة التي يثيب الله عليها ثواب الحج، والعمرة، مع يسرها، وسهولتها، صلاة الجماعة.
روى أبو أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من مشى إلى صلاة مكتوبة في الجماعة، فهي كحجة، ومن مشى إلى صلاة تطوع فهي كعمرة نافلة).
(أخرجه أحمد، وأبو داود، وحسنه الألباني)
فإذا حافظ العبد على صلاة الجماعة خمس مرات في اليوم، كتب له أجر 1825 حجة في السنة!!
هل فكرنا يوما في هذه الغنائم الباردة، وقدرناها حق قدرها؟!

3- صلاة الصبح في جماعة وانتظار صلاة الإشراق:
من الأعمال الصالحة التي يكتب لصاحبها أجر الحج والعمرة، صلاة الصبح في جماعة، والجلوس لذكر الله بعد ذلك إلى شروق الشمس، وصلاة ركعتي الضحى.
عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من صلى الغداة في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تامة، تامة، تامة).
رواه الترمذي وحسنه، وحسنه الألباني رحمه الله.
وله شواهد كثيرة.
من حافظ على ذلك كل يوم، كتبت له حجات وعُمرُ تامات بعدد أيام السنة!!
أين نحن من هذا الخير الكثير، على هذا العمل اليسير؟

4- حضور مجالس العلم والذكر في المسجد :
من القربات التي يُجزى عليها صاحبها جزاء الحاج، حضورُ مجالس العلم في المساجد، تعلما، أو تعليما.
عن أبي أمامة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرا أو يعَلمه، كان له كأجر حاج، تاماًّ حجتُه). (أخرجه الطبراني، وحسنه السيوطي، والألباني)
مجلس علم واحد، قد لا يأخذ أكثر من دقائق معدودة، ينال به أجر حجة تامة!!
من يفرط في هذا؟!

5- الأذكار دبر الصلوات المكتوبات:
من الأعمال اليسيرة ذات الأجور الكثيرة، الأذكار دبر الصلوات المكتوبات.
ومن فضلها أن المحافظة عليها يدرك به صاحبها من سبقه بالحج، والعمرة، والجهاد، والصدقة، وغيرها من الأعمال.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء الفقراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ذهب أهل الدثور من الأموال (أصحاب الأموال الكثيرة) بالدرجات العلى، والنعيم المقيم: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال يحجون بها، ويعتمرون، ويجاهدون، ويتصدقون، قال: (ألا أحدثكم بما إن أخذتم به أدركتم من سبقكم، ولم يدرككم أحد بعدكم، وكنتم خيرا ممن أنتم بين ظَهرانَيه إلا من عمل مثله؟
تسبحون، وتحمدون، وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين) (متفق عليه)
كلمات مباركات قليلات، لا تأخذ أكثر من دقيقة، يترتب عليها كل هذا الأجر!!
سبق المفردون والله!!

تنبيه :
كون هذه الأعمل يُجزى عليها العبد جزاء الحج، لا يعني أنه تجزِئ عن الحج الواجب، فهنالك فرق بين الجزاء، والإجزاء، فالجزاء هو الثواب الذي يعطيه الله تعالى على العبادة، والإجزاء أن تسد العبادة مسد الأخرى، فهذه الأعمال ينال بها جزاء الحج، لكنه لا تجزئ عن الحج الواجب.

هذا ما يسر الله تعالى ذكرَه من الأعمال التي صح أنه تعدل الحج والعمرة، فاحرصوا عليها بارك الله فيكم، واستبقوا الخيرات، في هذه الأشهر الحرم المباركة، وفي سائر الأوقات.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم العلم النافع، والعمل الصالح، والتوفيق لما يحب ويرضى.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى