أَضْوَاءٌ عَلَى الْمَنْهَجِيَّةِ العِلْميَّةِ لَدَى مُنْتَقِدِي التُّراثِ الإِسلامِيِّ
بقلم الشيخ مروان الكردي
إِنَّ الكَلَامَ عَلَى التُّراثِ الإِسْلامِيِّ (فِقهًا، وَحَدِيْثًا، وَتَارِيْخًا) وَنَقْدِهِ، لَهُ تَارِيْخٌ مُذَيَّلٌ، بَدَأَ بِهِ بَعْضُ مَنِ انَـتَسَبَ إِلَى الأديانِ غَيْرِ السَّمَاوِيَّةِ، كَمَا يَتَجَلَّى فِي مُنَاظَرَاتِ أَئِمَّةِ السَّلَفِ لَهُم، ثُمَّ ظَهَرَ مِنْ قِبَلِ بَعْضِ الفِرَقِ وَالنِّحَلِ الإِسْلامِيَّةِ كَالْمُعتَزِلَةِ، وَظَهَرَ بَعْضُ الْمَلاحَدَةِ كَابْنِ الرَّاوَندِيِّ، وَأبِي العَلاءِ الْمَعَرِّيِّ الشَّاعِرِ([1]) وَغَيْرِهِمَا.
وَلَمْ يَتْرُكِ العُلَمَاءُ هذِهِ الآرَاءَ وَالِانْتِقَادَاتِ تَنْتَشِرُ بينَ النَّاسِ، بَلْ: رَدُّوا عَلَى أَصْحَابِهَا بِكُتُبٍ وَتَصَانِيفَ عِظَامٍ -وَبَعْضُ هذِهِ الكُتُبِ مَطْبُوعٌ مَوجُودٌ إِلَى الآنَ- وَطَالَبُوهُم بْالْمُنَاظَرَةِ عَلَنًا بينَ النَّاسِ، وَلكِنَّ كَثيرًا مِنْهُم هَرَبَ وَفَرَّ مِنْهَا فِرَارَ الجَبَانِ مِنَ الكِفَاحِ.
وَكَانُوا وَلا يَجْلِسُونَ معَ أَهْلِ العِلْمِ، وَيَكْتَفُونَ بِنَشْرِ الغَوْغَاءِ بينَ العَامَّةِ لِبَثِّ الزَّعْزَعَةِ الفِكْرِيَّةِ وَالشَّكِّ بَيْنَهُم([2]).
أمَّا فِي هذِهِ الآوِنَةِ الأَخيرَةِ فَقَدْ بَدَأَ نَقْدُ التُّراثِ مَعَ الحَملاتِ العَسْكَرِيَّةِ الصَّهيوصَلِيبيَّةِ ضِدَّ الأُمَّةِ الإِسلامِيَّةِ، فَكَمَا يُرْسِلُ الغَرْبُ جُنْدًا لِاحتِلالِ أَرَاضِي الْمُسلِمينَ وَيَصْرِفُونَ عَلَيْهِم، فَيُرْسِلُونَ الْمُسْتَشْرِقينَ تَتْرَى وَمُجْتَمِعينَ لِتَعَلُّمِ العَرَبيَّةِ وَدِرَاسَةِ تَاريخِ الْمُسلِمينَ وَتَتَبُّعِهِ وَالنَّيْلِ مِنْهُ والتَّشْكِيكِ فِيْهِ للسَّيْطَرَةِ عَلَى قُلُوبِ الْمُسلِمينَ.
لأنَّ التَّارِيخَ لَهُ دَورُهُ الْمِهِمُّ فِي بِنَاءِ الْمُستَقْبَلِ، وَإِنَّكَ إِذَا أَزَلْتَ تَاريخَ قَومٍ فَإِنَّكَ أَزَلْتَ وَجُودَهُم فِي الوَاقِعِ، فَلِذلِكَ جَعَلُوا الطَّعْنَ فِي التَّارِيخِ وَسَلْبِ الأَمَانَةِ مِنْهُ مَطِيَّهُمُ الأَدْنَى وَبُغْيَتَهُمُ العَلياءَ!
ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ رَأَوْا مِنَ الأَصْلَحِ سَلْبَ الأَمَانَةِ مِنَ الأَحَادِيْثِ النَّبَوِيَّةِ وَالفِقْهِ الإِسْلامِيِّ، وَفِي ذلِكَ بَذَلَ مُسْتَشْرِقُونَ كَثيرُونَ جُهُودًا فِي تَشْوِيْهِ صُورَةِ الأَصْحَابِ وَلا سِيَّمَا الرُّوَاةَ مِنْهُم وَعَلَى رَأْسِهِمُ الصَّحَابِيُّ الجَليلُ أَبو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، كَمَا نَرَى ذَلِكَ وَاضِحًا فِي كِتَابَاتِ الْمُسْتَشْرِقِ اليَهُودِيِّ الحَاقِدِ جُولد تسَيْهَر([3]) وَغَيْرِهِ، حَيْثُ جَعَلُوا الطَّعْنَ فِي الرُّوَاةِ ذَرِيْعَةً للوصُولِ إِلَى رَدِّ الأَحَادِيْثِ وَالطَّعْنِ فِيْهَا، وَلِذلِكَ يُحَاوِلُ جولد تسَيْهَر وَغيرُهُ الإِسَاءَةَ إِلَى الإِمَامِ الجَليلِ الزُّهْرِيِّ، كَمَا تَكَلَّمْنَا عَنْ ذلِكَ فِي الكِتَابِ الأَوَّلِ.
أَمَّا فِي العَصْرِ الحَاضِرِ، فَقَدْ ظَهَرَ بَعْضُ مَنْ يَتَكَلَّمُ بالعَرَبيَّةِ مُتأثِّرينَ بهذَا الْمَنْهَجِ الِاستِشْراقِيِّ الْمِعْوَجِ، وَتَضَلَّعُوا مِنْهُمُ الخِيَانَةَ مِنَ الأَمَانَةِ العِلْمِيَّةِ وَالبَتْرِ وَظَنُّوهَا مَنْهَجًا عِلْميًّا كَمَا يَدَّعُونَ، فَهؤلاءِ كُلُّهُم -إِلَّا اللهُمَّ- تَخَرَّجُوا مِنْ جَامِعَاتِهِم وَنَالُوا الشَّهَادَةَ الجَامِعِيَّةَ -شَهَادَةَ الزُّورِ- عِنْدَهُم فَلذَلِكَ قَالُوا بِقَوْلِهِم وَحَذَوا مَنهَجَهُم حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ وَالقُذَّةِ بالقُذَّةِ، وَكَانُوا لَهُم تَابِعِيْنَ أَتْبَعَ مِنَ الظِّلِّ!
وَسَيَأتِي بيَانُ كُلِّ ذلِكَ مُوَثَّقًا بِكُتُبِهِم بإِذنِ اللهِ تَعالَى، فَإِلَيْكَ بَعْضَ السَقَطَاتِ الْمَنهَجيَّةِ فِي كُتُبِهِم، فَنَبْدَأُ أَوَّلًا بِكُتُبِ الْمُهَنْدِسِ زَكَرِيَّا أوزونَ.
كُتُبُ الْمُهَنْدِسِ زَكَرِيَّا أوزونَ!
قَدْ تَكَلَّمْنَا عَنْ مَيْلِ الْمهَنْدِسِ عَنِ الِالتِزَامِ بالْمَنْهَجِيَّةِ العِلْمِيَّةِ كَثِيْرًا فِي هَذَا الكِتابِ، وَفِي جِنَايَةِ البُخَارِيِّ، وَأخْتَصِرُ الهَرْطَقَاتِ الْمَنْهَجِيَّةَ وَالطَّامَّاتِ العِلمِيَّةَ فِي كُلِّ مَا وَقَفْتُ عليهِ مِنَ تَوَالِيْفِهِ وَلا سِيَّمَا جِنَايَتَيْهِ فِي حَقِّ الإِمَامَيْنِ (الشَّافِعِيِّ وَالبُخَارِيِّ)، وَأَلْتَزِمُ الِاختِصَارِ فِيْ العَرْضِ وَأُقَسِّمُهُ عَلَى نِقَاطٍ، وَهِيَ:
1-اضْطِرارُ الْمُهَنْدِسِ إِلَى وَضْعِ آيَةٍ وَنِسْبَتِهَا إِلَى القُرآنِ الكَرِيْمِ، كَمَا أشَرْنَا إِلَى ذلِكَ فِي مَكَانِهِ مِنْ كِتَابِ الجِنَايَةِ عَلَى البُخَارِيِّ، وَهذَا وَحْدَهُ كَافٍ فِي القَبْضِ عَلَى تَوَالِيْفِهِ.
2-جَهْلُ الْمُهَنْدِسِ بِالقُرآنِ الكَرِيْمِ (الْمَصْدَرِ الأَوَّلِ للإِسْلامِ)، حَيْثُ نَقَلْنَا أَمْثِلَةً عَلَى ذلِكَ فِي هذَا الكِتابِ([4]) حَيْثُ وَقَعَ فِي أَخْطَاءٍ فَاضِحَةٍ فِي نَقْلِ الآياتِ القُرآنِيَّةِ، فَإِذا كَانَ الْمَرءُ يَجْهَلُ الْمَصدَرَ الأوَّلَ عَنِ الإِسلامِ فَكيفَ اسْتَسَاغَ أَنْ يَكْتُبَ عَنْهُ؟ وَالأَعْجَبُ أَنَّهُ يَدَّعِي الدِّفَاعَ عَنِ القُرآنِ الكَرِيْمِ وَيَجْهَلُ مَا فِيْهِ!
3-جَنَابُ الْمهَنْدِسِ مَصَادِرُهُ لا تُسَاعِدُهُ فِي هذِهِ الأُمورِ الَّتِي أَتَى بِهَا، لأنَّ مَصَادِرَهُ بِحَاجَةٍ إِلَى التَّوثِيْقِ وَهِيَ كُتُبُ الشِّعْرِ وَالأَدَبِ وَالفُكَاهَةِ، فَكَيْفَ بأَنْ يُوثَّقَ بِهَا؟ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذلِكَ مَرَّاتٍ وَلا سِيَّمَا فِي بِدَايَةِ الكِتَابِ الأَوَّلِ.
4-جَنَابُ الْمُهَنْدِسِ غَيْرُ أَمِيْنٍ فِي النَّقْلِ، وَقَدْ وَقَعَ لَهُ خِيَانَاتٌ كَثِيْرَةٌ، وَلِكِنَّ اثْنَتَيْنِ مِنْهُمَا تَكْفِيانِ بِرَفْضِ نِتَاجِهِ، وَهُمَا:
الأُوْلَى: الزِّيَادَةُ عَلَى النُّصُوصِ، وَالتَّقَوُّلُ عَلَى كُتُبِ التَّوارِيخِ وَالأَحَادِيْثِ، بمَا لَيْسَ فِيْهَا، كَما ذَكَرْنَا ذلِكَ مَرَّاتٍ، وَلا ِسيَّمَا فِي أَوائِلِ الكِتابِ الأَوَّلِ وَأَواخِرِهِ.
الثَّانِيَةُ: حَذْفُ النُّصُوصِ وَبَتْرُهَا، كَمَا فَعَلَ مَرَّاتٍ وَأَشَرْنَا إِلَيْهَا فِي مَكَانِهَا، كَالبَتْرِ لِكَلامِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِي تَعْرِيْفِ النَّاسِ، وَفِي عَدَمِ الوجُودِ للمَنَادِيْلِ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ، كَمَا أَشَرْنَا إِلَى ذلِكَ فِي أَواخِرِ الكِتَابِ الأَوَّلِ حَيثُ َأرادَ أَنْ يُصَوِّرَ هَمَجِيَّةَ الصَّحَابَةِ بِهَذا البَتْرِ، وَغَيرُ هَذَيْنِ الْمَوضِعَيْنِ كَثيرٌ أشَرْنَا إِلَيْهِ.
5-جَنَابُ الْمُهَنْدِسِ لا يَدْرِي اسمَ الكُتُبِ الَّتِي يَنْقُلُ مِنْهَا وَكَتَبَهَا فِي كُلِّ كِتَابَاتِهِ خَطَأً، كَمَا كَتَبَ: (صَفْوَةُ الصَّفْوَةِ)، بَدَلًا مِنْ: (صِفَةُ الصَّفْوَةِ)، وَكَذلِكَ كَتَبَ: (البَاحِثُ الحَثيثُ) بَدَلًا مِنْ: (البَاعِثُ الحَثيثُ)، فَإِذَا كَانَ الإِنْسَانُ لا يَعْرِفُ اسمَ الكِتابِ كَيْفُ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَلا يُظَنَّ بِهِ أَنَّهُ يَنْقُلُ عَنْ غَيْرِهِ دُونَ البَصِيْرَةِ؟!
6-إنَّ جَنَابَ الْمُهَنْدِسِ فِي كُلِّ كُتُبِهِ لا يَكْتُبُ أسْمَاءَ دُورِ النَّشْرِ وَلا يَذْكُرُ رَقَمَ الطَّبْعَةِ، وَلا سَنَةَ الطَّبْعِ للْمَصَادِرِ الَّتِ يَنْقُلُ مِنْهَا، فَهذِهِ يُعَدُّ تَعميَةً للقُرَّاءِ وَرَضَّةً مَنهَجِيَّةً، لأنَّ القَارِئَ لا يَهْتَدِي إِلَى النُّصُوصِ الَّتِي نَقَلَهَا فِي مَصَادِرِهَا، لأنَّهُ يُوجَدُ للكِتابِ الوَاحِدِ طَبَعَاتٌ كَثِيْرَةٌ، مِنْهَا فِي مُجَلَّدٍ لِعَدَمِ إِتيانِ الْمُحَقِّقِ بالحَواشِي وَالْمُقَدِّمَاتِ، وَمِنْهَا فِي مُجَلَّدَاتٍ كَثيرَةٍ يَصِلُ إِلَى العِشْرِينَ، وَهذَا مَعلُومٌ فِي عالَمِ النَّشْرِ.
وَيَكْتَفِي بِهِذِهِ الْمَقُولَةِ الضَّعِيْفَةِ الْمُنْهَزِمَةِ فِي أَواخِرِ كُتُبِهِ كُلِّهَا: “نَظَرًا لِشُهْرَةِ الْمَرَاجِعِ الْمُسْتَخْدَمَةِ فإِنَّنَا لَنْ نَذْكُرَ عَدَدَ مُجَلَّدَاتِهَا وَأَسْمَاءَ دُورِ نَشْرِهَا”.
7-وَالطَالَمَا الكُبْرَى إِتْيَانُ الْمُهَنْدِسِ بِذِكْرِ اسْمِ الكِتابِ وَحْدَهُ دونَ ذِكْرِ الجُزْءِ وَالصَّفْحَةِ، وَأَحيانًا يَكْتُبُ اسمَ الْمُؤَلِّفِ وَحْدَهُ دونَ الْمُبالاةِ بأَنَّ لَهذَا الْمُؤلِّفِ مِئَاتِ كُتُبٍ وَتَوالِيْفَ، كَمَا وَثَّقَ عَدَدَ الأَحَادِيثِ الْمَرويَّةِ بِقَولِهِ: (ابنِ الجَوزِيِّ) فقَط!، فِي هَامِشِ(20)، ص: (29)، مِنْ جِنَايَةِ البُخَارِيِّ.
8-إِنَّ الْمهَنْدِسَ فَهْمُهُ قَاصِرٌ عَنْ إِدراكِ مَغْزَى النُّصُوصِ الَّتِي يَعْتَرِضُ عَلَيْهَا، كَمَا أَشَرْنَا إِلَى ذلِكَ مَرَّاتٍ فِي الكِتابَيْنِ، أَوْ: يَفْهَمُ جَيِّدًا وَلكنَّهُ مُعانِدٌ مُكَابِرٌ، وَلَيْسَ الأَوَّلُ بِأَفْضَلَ مِنَ الثَّانِي.
كُتُبُ جَمَالٍ البَنَّا
وَمِنَ الَّذينَ رَوَّجَ لَهُم الإِعلامُ فِي هذِهِ القَضِيَّةِ -أَعْنِي: نَقْدَ التُّراثِ- هُوَ جَمَالٌ البَنَّا الشَّقِيْقُ الأَصْغَرُ لِحَسَنٍ البَنَّا r مؤَسِّسُ جَمَاعَةِ الإِخوانِ.
لَهذَا الرَّجلِ كُتُبٌ وَتَوالِيْفُ فِي نَقْدِ التُّراثِ وَمِنْ هُنَا نَكْتَفِي بِبَيانِ حَالِ: (تَجْرِيدُ البُخَارِيِّ وَمُسْلِم مِنْ الأَحَادِيثِ الَّتِي لا تُلْزِم)، وَ: (جِنَايَةُ قَبِيْلَةِ حَدَّثَنَا)، وَنُسَلِّطُ الضَّوْءَ عَلَيْهِمَا.
أمَّا التَّعريفُ العَامُّ بالكِتَابِ فَإنَّهُ لا يَخْرُجُ عَنْ إِطَارِ كِتابِ زَكَرِيَّا أوزونَ (جِنَايَةِ البُخَارِيِّ)([5]).
تَجْرِيدُ البُخَارِيِّ وَمُسْلِم مِنْ الأَحَادِيثِ الّتِي لا تُلْزِم.
أمَّا الَّذِي يُهِمُّنِي أَنْ أَتَكَلَّمَ عَنْهُ فِي كِتابِ السَّيدِ جَمَالٍ البَنَّا، فَيَنْدَرِجُ تَحْتَ نِقَاطٍ:
1-إنَّهُ حَاوَلَ بأنْ يُقلِّدَ الْمُستَشْرِقِينَ وَأبَا رِيَّةَ وَغيرَهُم فِي كونِ الأَحادِيْثِ وَتَدوينِهَا بَدَأ مِنْ (150هـ)([6])، وَهذا لَيْسَ سِوَى جَهْلٍ بالتَّارِيخِ، أَوْ: تدليسٍ عَلَى الُرَّاءِ، لأنَّ التَّدوينَ بَدَأَ فِي عَصْرِ النُّبُوَّةِ وَأتينَا بأدِلَّةٍ كَثيرَةٍ عَلَى ذلِكَ فِي الكِتابِ الأَوَّلِ.
2-إنَّ سُوءَ الفَهْمِ يُعَدُّ ظَاهِرَةً بارِزَةً لِجميعِ هؤلاءِ الَّذينَ غَامَرُوا فِي بَحْرِ التُّراثِ وَتَكَلَّمُوا عَنْهُ نَاقِدِينَ رَافِضِيْنَ لَهُ، وَكَانَ البَنَّا وَاحِدًا مِنْهُم، حيثُ يَعْتَرِضُ عَلَى عَدَدِ الأَحادِيْثِ الْمَرويَّةِ وَيَقولُ بأنَّ العَدَدَ زَادَ وَبَلَغَ فِي عَصْرِ الإِمَامِ أحمدَ الْمليونَ([7]). وَهذا مَا تَكَلَّمنا عَنهُ مَرَّاتٍ، وَقُلْنَا بأنَّ هذا العَدَدَ لَهُ اعتِبارٌ وَلكنَّ الْمُنتَكِصينَ عُمْيٌ عَنهُ، وَهُوَ كَونُ العَدَدِ باعتِبَارِ الطُّرُقِ فَيَصيرُ الحَديثُ الوَاحِدُ عِشرينَ وَأَكْثَرَ، وَتَقْسِيمِهِ عَلَى أبوابِ الفِقْهِ فَينْدَرِجُ الحديثُ الوَاحِدُ تَحْتَ أبْوابٍ فِقْهِيٍّ فَيَصيرُ خَمْسَةَ وَأكثَرَ، وَكَذلِكَ يَنْدَرِجُ فِي ذلِكَ قولُ الصَّحَابَةِ وَتَفْسِيرُهُم، وَينْدَرِجُ تَحْتَهُ الضَّعيفُ أَيْضًا، كَمَا تَكَلَّمْنَا عَنْهَا فِي الكِتابِ الأَوَّلِ عندَ الكَلامِ عَلَى مُسْنَدِ بَقِيِّ بْنِ مَخْلَدٍ r.
3-إِطْلاقُ الكَلامِ دُونَ ذِكْرِ الْمَصْدَرِ وَنَشْرِ الِاتِّهَامِ للْمُحَدِّثينَ وَهَذا مَا نَرَاهُ عِنْدَ كُلِّ وَاحدٍ منهُم، وَلَمْ يَخلُ كِتابُ البَنَّا مِنْهُ أيْضًا فِي أَماكِنَ، وَمِنْهَا مَا قالَ بأنَّ الْمُحَدِّثينَ كَانوا يَضَعُونَ الحديثَ لِتَبريرِ أَمُورٍ وَتشريعِهَا، حَيثُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا دليلٌ([8]).
فَلَمْ يُقِمِ البَنَّا دَليلًا عَلَى ذلِكَ وَلَمْ يُشِرْ إِلَى مَصْدَرٍ، فَلَهُ الْمَجَالُ وَالْمُهْلَةُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ أَنْ يَأتِيَ بدليلٍ وَاحِدٍ عَلَى كَلامِهِ.
وَهذَا مَا استَفَادَهُ مِنْ جُولد تسيهَر حيثُ اتَّهَمَ الزُّهْرِيَّ بِذلِكَ، وَتكَلَّمْنَا عَنُه، وَلمْ يَكُنْ أوزونُ وَلا أبُو رِيَّةَ نَجَيَا مِنْ هذِهِ العَارِيَةِ وَالدَّاهِيَةِ.
4-سِمَةٌ أُخرَى للبَنَّا وَغَيْرِهِ هُوَ النَّقْلُ العَشْوَاءُ دونَ التَّحقِيقِ وَإِعمالِ العَقْلِ وَالرُّجُوعِ إِلَى الْمَصْدَرِ، فَهُوَ قَدْ أودَعَ كِتابَهُ غَرَائبَ حَيْثُ نَقَلَ عَنْ بَعْضِ الأَئمَّةِ رَدَّهُم لِبَعْضِ الأَحادِيْثِ الَّتِي رَوَاهَا الشَّيخَانِ([9])، فَبَدَأَ بِأبِي حَنيفَةَ وَكُلُّ مَا نَقَلَهُ أَسْنَدَهُ إِلَى الشَّيْخِ مُحَمَّد زَاهِد الكَوْثَرِيِّ، فَلَوْ بَحَثَ قَلِيلًا وَقَرَأَ كِتَابَ الكَوْثَرِيِّ، مَا أتَى بهذَا الهَذَيانِ لأنَّ الكَوْثَرِيَّ يَرُدُّ عَلَى الخَطِيْبِ البَغْدَادِيِّ لِنِسْبَةِ هذِهِ الْمَقُولاتِ إِلَى أَبِي حَنِيْفَةَ، وَيُضَعِّفُ تِلْكَ الرِّواياتِ وَيَنْفِي صِحَّتَهَا([10]).
أَكْتَفِي بِهذا القَليلِ خوفًا مِنَ التَّطويلِ، ,َأنتَقِلُ إِلَى كِتابٍ آخَرَ لَهُ وَهُوَ(جِنَايَةُ قَبِيْلَةِ حَدَّثَنَا).
جِنَايَةُ قَبِيْلَةِ حَدَّثَنَا.
وَفِي هذا الكِتَابِ أيضًا جَاءَ مُقَلِّدًا بابْتِدَائِهِ بِالكَلامِ عَلَى بَابَيْنِ وَهُمَا: (تَحريمُ كِتَابَةِ الحديثِ) وَ(كرَاهَةُ الإِكْثَارِ مِنَ الرِّوَايَةِ) مِنْ صَفْحَةِ (11-34)، وَلَمْ يَزِدْ مَا نتَكَلَّمُ عليهِ وَفِي (الجِنَايَةِ عَلَى البُخَارِيِّ) كِفَايَةٌ إِنْ شاءَ اللهُ تَعالَى، أَمَّا السَّقَطَاتُ الْمَنْهَجِيَّةُ، فَهِيَ:
1-إِلَى نِهَايَةِ الفَصْلِ الَأوَّلِ لا يَذكُرُ مَصْدَرًا وَاحِدًا، وَيَكُتُبُ فِي النِّهَايَةِ: “كُلُّ الشَّواهِدِ السَّابِقَةِ مَوثوقَةٌ وَتَعُودُ إِلَى الْمَراجِعِ التَّالِيَةِ:..”([11]). ثُمَّ يُرَتِّبُ أسمَاءَ الْمَراجِعِ دونَ ذِكْرِ مَكَانِ الطَّبْعِ وَسَنَتِهِ لِلكُتُبِ الَّتِي استَخْدَمَهَا إِلَّا كِتابًا وَاحِدًا([12])، أليسَ هذا تَعميَةً عَلَى القُرَّاءِ وَإِخلالًا بالمنهجِيَّةِ العلميَّةِ؟! وَالأعجَبُ أنْ يكونَ بينَ الْمَصَادِرِ تَرَى: (مَكتَبَةَ السَّحَابِ السَّلفيَّةَ الأليكرتونيَّةَ) وَ(مَكتَبَةَ يعسوبِ الدِّينِ الأليكترونيَّةَ)، أهذِهِ هِي الْمنْهَجِيَّةُ وَالرَّصَانَةُ الَّتِي تتحَدَّثونَ عَنْهَا؟!
2-وَكَذلِكَ اعتَمَدَ عَلَى كِتَابِ: (مُشْكِلَةِ الحَديثِ لِيَحيى محمَّدٍ) مِنَ الْمُعَاصِرينَ، فَهذا الكِتابُ بِحَاجَةٍ إِلَى التَّوثيقِ فَكَيْفَ توثِّقُ بِهِ، وَيَغلِبُ عَلَى الظَّنِّ أنْ يَكونَ مَصْدَرُهُ الأَساسِيُّ هذا الكِتابَ لأنَّهُ لَمْ يَقُلْ شَيئًا إِلَّا ذُكِرَ فِي هذا الكِتابِ إِلَّا قليلًا، وَذكَرَ مَكَانَ الطَّبْعِ هذَا الكِتابِ وَحْدَهُ، وَأَشَارَ فِي الْمُقَدِّمَةِ إِلَى أَنَّهُ فِي مَادَةِ كِتابِ (الجِنَايَةِ) رَجَعَ كِتابَيْنِ لَهُ مَعَ هذا الكِتابِ (مُشْكِلَةِ الحَديثِ)([13])!. هَنِيْئًا لَكُم هذِهِ الْمَنهَجِيَّة!
3-وَفِي مُقَدِّمَةِ هذا الكِتابِ يُرَدِّدُ مَا قَالَهُ فِي الكِتابِ السَّابِقِ بأنَّ رِوَايَةَ الحديثِ لَمْ يَكُنْ لَهَا وُجودٌ فِي عَصْرِ النُّبوَّةِ وَلا فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ، دونَ إِقَامَةِ الدَّلِيْلِ([14]).
وَلَقَدْ كُنَّا نَاقَشْنَا هذِهِ الأُطروحَةَ مَرَّاتٍ وَأثْبَتْنَا خِلافَهَا بالدَّليلِ القَاطِعِ، راجِعْ إِلَى الكِتابِ الأَوَّلِ.
كُتُبِ الدُّكتُورِ عَليّ الوَرْدِيِّ: (وُعَّاظُ السَّلاطِيْنِ) وَ(مَهْزَلَةِ العَقْلِ البَشَرِيِّ).
وَمِمَّا لَهُ صِيْتٌ بينَ بَعْضِ مَا يُسمَّى بالْمُثَقَّفِيْنَ وَالشَّبَابِ، كُتُبُ الدُّكتُورِ العَلْمَانِيِّ عَلِيٍّ الوَرْدِيِّ العِراقِيِّ (البَاحِثِ الِاجتِمَاعِيِّ).
قَبْلَ الكَلامِ الَّذِي نَحنُ بِصَدَدِهِ، أَوَّدُّ أَنْ أُشيرَ إِلَى أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ مُتَمَكِّنًا فِي عِلْمِ الِاجتِمَاعِ وَالتَّحليلِ فِي ذلِكَ فِي الْمَيدانِ، وَلَيْتَهُ لَمْ يتَعَرَّضْ للقَضَايا التَّارِيخيَّةِ بِالنَّظْرَةِ الِاستِشراقِيَّةِ، ولكنَّهُ كَغَيرِهِ وَقَعَ فِي فَخِّهِم، عندَ مَا دَرَسَ فِي الولاياتِ الْمُلحِدَةِ الأَمريكيَّةِ، وَانتَهَجَ نَهْجَهُمُ العَدَائِيَّ ضِدَّ التَّاريخِ الإِسلامِيِّ وَفِي التَّحامُلِ عَلَيْهِ.
فَمِنْ هُنَا نُسَلِّطُ الضَّوْءَ عَلَى الكِتابَيْنِ لَهُ، وَهُمَا: (وُعَّاظُ السَّلاطِيْنِ) وَ(مَهْزَلَةِ العَقْلِ البَشَرِيِّ)، أَمَّا عَنِ السَّقَطَاتِ الْمَنهَجِيَّةِ فِي الأَوَّلِ فَأقُولُ:
إِنَّ البَاحِثَ لَمْ يَهْتَمَّ بالتَّحْقِيْقِ وَنَقْلِ الكَلامِ مِنَ الْمَصْدَرِ الْمَوْثُوقِ فِي كِتَابِهِ بَتَاتًا، وأَخَذَ عَنْ كُلِّ مَنْ ألَّفَ وَكَتَبَ، بِحَيْثُ تَرَاهُ يَعْزُو تَوَارِيْخَ السَّابِقينَ إِلَى كُتُبِ الْمُعَاصرينَ، كَمَا نَقَلْنَا سَابقًا أَنَّهُ نَقَلَ كَلامًا لِعُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ فِي الِازدِراءِ بعُمرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنْهُمَا، وَوَثَّقَ الكَلامَ بِكِتَابِ طَه حُسَيْنٍ: (الفِتْنَةِ الكُبْرَى)، مَعَ أَنَّ “َهُ حُسينٍ حَالُهُ لا تَسْمَحُ بالنَّقْلِ مِنْهُ لِحِقْدِ الكَثيرِ وَتَحَامُلِهِ البَالِغِ، وَعَدَمِ الِالتِفَاتِ بالنَّقْلِ الصَّحيحِ، وَبالتَّالِي فِي هذا الكِتابِ مِنَ الأَجْزَاءِ الثَّلاثَةِ، لا يَذْكُرُ مَصَادِرَ نُقُولاتِهِ، إِلَى آخرِ الكِتابِ، وَيقُولُ بأنَّهُ استَفَادَ مِنْ كِتَابِ كَذا وَكَذا، مَعَ أَنَّ تِلْكَ الكُتُبِ لَيْسَتْ تَاريخِيًّا، وَبَعْضُهَا للْمُعَاصِرينَ، فَكَيْفَ إِذا حَقَّقْنَا عنِ النُّقُولِ، فَإِنَّنَا نَرَى أنَّهَا مِنْ روَاياتِ الَّذينَ أُجْمِعَ عَلَى رَدِّ رِواياتِهِم لأنَّهُم وَضَّاعُونَ كذَّابونَ، كَأَبي مِخْنَفٍ لُوْطِ بنِ يَحيى، وَسَيْفِ بْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهَما، فَكَيْفَ سَاغَ للوَرْدِيِّ أَنْ يَستَدِلَّ بِمِثْلِ هذا الكِتابِ؟ وَالأَعْجَبُ أَنْ يَأتِيَ بَعْضُ النَّاسِ وَيَصِفَهُ بالْمُحَقِّقِ وَالْمُؤرِّخِ؟ واللهِ لَعَجيبٌ.
وَلَيْسَ طَه حُسَيْنٍ وَحْدَهُ، بلْ: يأَخُذُ نَصًّا فِي اتِّهَامِ سُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بِظُلْمٍ، وَيَسْتَنِدُ إِلَى كِتابِ: (التَّمَدُّنِ الإِسلامِيِّ للزَّيدانِ)([15])، مَعَ أنَّ هذا الكِتابَ مَلِيءٌ بالتُّرّهاتِ وَالخُزَعْبلاتِ وَكَوْنِهِ كِتابًا مُعَاصِرًا يَنْقُلُ كُلَّ شيءٍ دونَ التَّحقيقِ وَالغَرْبَلَةِ، فَكَيْفَ يُوثَّقُ بِهِ تَاريخُ أَكْثَرَ مِنْ ألفِ سَنَةٍ يَا سِيَادَةَ الدُّكتورِ الوَرْدِيِّ؟!
ثُمَّ يَتَكَلَّمُ عَنْ عُثمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَيَنَالُ منهُ عَازِيًا كَلامَهُ إِلَى (عَبْقَرِيَةِ الإِمَامِ عَبَّاس مَحمودٍ العَقَّادِ)([16]) وَهُوَ بَعيدٌ عَنْ .َمَنِ عُثمَانَ بأَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ سَنةٍ، ثُمَّ يَنْقُلُ كَلامًا آخَرَ أَخَذَهُ مِنْ كِتابِ الشِّعْرِ وَالأَدَبِ وَالفُكَاهَةِ وَهُوَ: (البَيَانُ وَالتَّبيينُ للجَاحِظِ)([17])! ثُمَّ يَنْقُلُ كلامًا آخَرَ لِسَيِّد قُطْبٍ فِي: (العَدَالَةِ الِاجتِمَاعِيَّةِ)([18]) فِي الطَّعْنِ فِي عُثْمَانَ([19]).
فَيَسْتَمِّرُ الوَرْدِيُّ بِهَذا الْمِنوالِ مِنْ بِدَايَةِ كِتابِهِ إِلَى آخِرِهِ فِي الطَّعْنِ وَالوَقيعَةِ وَالاِزدِراءِ، واعتَمَدَ إِلَى كُتُبِ الْمُعَاصِرينَ كَأمثالِ مَنْ ذَكَرْنَاهُم وَغَيرِهِم كـ(مُحمَّد عَبْدُه فِي شَرْحِ نَهْجِ البَلاغَةِ) وَ(أَحمدَ أمين فِي “فَجْرِ الِإسلامِ” وَ”ضُحَىَ الِإسلامِ” لَهُ) وَ(خَالِد محمَّد فِي الدِّينِ فِي خِدمَةِ الشَّعْبِ) وَغَيرهِمِ ..، فَلَوْ رَجَعْتَ إِلَى الَأصُولِ لَرَأيتَهَا باطِلَةً ليسَ لَهَا أصلٌ وَلا فَصْلٌ وَكَانَ مَنْشَئُهَا أَخْبارُ الوَضَّاعينَ وَالكَذَّابينَ، كمَا سَلَّطْنَا عَلَى بَعْضِهَا فِي الكِتابَيْنِ.
وَالأَعْجَبُ أَنَّهُ لَطَالَمَا يَنْقُلُ عَنِ الْمُسْتَشْرِقينَ فِي قَضَايا خَطِيْرَةٍ.
وَبالتَّالِي نَقَلَ مِنْ كُتُبِ الكَذَّابينَ، كَأبِي الفَرَجِ فِي: (مَقَاتِلِ الطَّالِبيينَ)([20])، وَنَقَلَ عَنِ الكُتُبِ الشِّعريَّةِ فِي اتِّهَامِ الخَليفَةِ العَبَّاسِي الأَمينِ، وَهوَ (العقدُ الفَريدُ لِابنِ عَبْدِ رَبِّهِ)([21])، وَيَرْوِي فِي اتِّهَامِ هَارُونَ الرَّشيدِ مِنْ كِتَابِ: (حَيَاةِ الحَيوانِ للدَّمِيرِي)([22])، فَهُو كِتَابٌ يَذكُرُ فِيهِ الْمؤلِّفُ أَنواعَ الطُّيورِ وَالبَهَائِمِ وَالدَّوابِ وَالحَشَرَاتِ، أَهذَا يَصلُحُ لِيُوَثَّقَ بِهِ يا دُكتورُ؟
أمَّا عَنْ عَدَمِ البَصِيْرَةِ بالعُلُومِ الشَّرعيَّةِ وَالتَّصنيفَاتِ فِيْهِ فَحَدِّثْ وَلا حَرَجَ، حيثُ تَرَاهُ يَذكُرُ كِتابَ (الإِتحَافَاتِ السّنيَّةِ للإِمَامِ المنَاوِيِّ) وَيَقولُ: “الإِتحافات السنية لزين الدين الحدادي”([23]). مَعَ أنَّ الإِمامَ لم يَكُنْ مَشهرًا بهذا الِاسمِ، فعليهِ أَنْ يَذكُرَ اللَّقَبَ الأَشْهَرَ، وَهُوَ كَمَا ذكَرْنَاهُ.
دَعْ هذا وَاجْعَلْهُ لَهُ هِبَةً، ولكنَّ العجيبَ أَنَّهُ اعتَرضَ بِذكْرِ حَديثٍ مَعَ كونِهِ مَردودًا وَمتروكًا، لأنَّ فِيْهِ (وَهْبَ بْنَ رَاشدٍ)، وَ(أَبا الْمِقدَامِ بنَ دَاودَ)، وَكِلاهُمَا مَترُوكَا الرِّوايَةِ مَرْدُودانِ([24])!، فَهذَا غَايَةُ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْمَسائِلِ التَّارِيخيَّةِ وَالشَّرعيَّةِ!
فَلَوْ تَكَلَّمْتُ عَنِ الكِتابِ وَسَقَطَاتِهِ لَاقْتَضَى صَفَحَاتٍ كَثيرَةٍ وَأَخافُ التَّطويلَ، مَعْذِرَةً.
أَمَّا كِتَابُهُ الثَّانِي(مَهْزَلَةُ العَقْلِ البَشَرِيِّ)، فليسَ أفْضَلَ مِنَ الأَوَّلِ، فَفِيْهِ مَا فِي الأَوَّلِ إِنْ لَمْ يَكُنْ أكْثَرَ مِنْ ذلِكَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي هذا الكِتابِ نَقْلَهُ عَنْ طَه حُسَيْنٍ فِي الِازدِراءِ بِعُثْمَانَ، وَفَنَّدْنَا تِلْكَ الْمَقَالَةَ، وَبَعْدَ قِرَاءَةِ مَا قُلْتُهُ عَنِ كِتَابِهِ الأَوَّلِ قَارِنْ بِهِ كِتَابَهُ الثَّانِيَ.
ثُمَّ يَأتِي مَنْ يُكَلِّمُكَ عَنِ الْمَنهَجِيَّةِ العِلْمِيَّةِ، فَإِذَا أَتَوْكَ فَقُلْ:[مِنَ الكَامِلِ]
وَعَيَانُ عَقْلٍ لَا حَدِيْثُ خُرَافَةٍ يُرْوْي وَلَيْسَ مُشَاهَدٌ كَاَلْمُخَبَرِ
بَعْضُ الكُتُبِ الأُخْرَى للْمُنْتَقِدِيْنَ!
الأَوَّلُ: قَتْلُ الإِسلامِ وَتَقْدِيْسُ الجُنَاةِ لِوضَّاح صَائِبٍ.
إنَّ هذا الكِتَابَ لَيْسَ لَهُ شَأنٌ عِلْمِيٌّ حتَّى يُتَكَلَّمَ عَنْهُ، فَلَوْلا أنْ تَدَاوَلَ بينَ بعضِ الشَّبَابِ مِنَ الَّذينَ لا حَظَّ لَهُم منَ البحثِ وَالتَّحقيقِ لَمْ نَتكَفَّلْ بِعَرْضِ مَا فِيْهِ وَالرَّدِّ عليهِ، ولكِنَّنِّي أُسلِّطُ الضَّوءَ عَلَى عُيبوبِهِ سَرِيْعًا، فِيمَا يَلِي([25]):
1-يَتَّهِمُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَأبا سُفْيَانَ فِي الخِيَانَةِ مِنَ الأُمَّةِ الإِسلاميَّةِ وَعدَمِ الإِيمَانِ بالجَنَّةِ وَلا بِالنَّارِ، وَمَصْدَرُ كَلامِهِ (الْمَسْعُودِيُّ الرَّافِضِيُّ الَّذِي لا يؤمِنُ بِخِلافَةِ أبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ)([26])، فَكَيْفَ يَرْدَعُ مِنَ البَاطِلِ وَإِلْصَاقِ التُّهَمِ؟ وَالأَعْجَبُ أَنَّهُ لَم يَذكُرِ الصَّفْحَةَ وَلا رَقَمَ الجُزْءِ!
وَقَدْ جَاءَ فِي كِتَابِ (مُنْتَهَى الْمَقَالِ فِي أَحوالِ الرِّجَالِ) للْمَازندَرَانِيِّ الشِّيعِيِّ، وَهُوَ مَوثوقٌ عندَهُم، عِنْدَ ذكْرِ الْمَسعُودِيِّ: “المسعوديُّ ، أبُو الحَسَنِ الهُذَلِيِّ، لهُ كتبٌ في الإِمَامَةِ وغيرِهَا، مِنْهَا كتابٌ في إثباتِ الوَصيَّةِ لِعَليِّ بْنِ أَبي طَالبٍ عَلَيْهِ السَّلامُ، وهُوَ صَاحِبُ “مُرُوجِ الذَّهَبِ” وَلَهُ…كِتَابُ الصَّفوَةِ فِي الِإمَامَةِ، كِتابُ الهِدايةِ إِلَى الولايَةِ، كتابُ الْمعانِي فِي الدَّرجَاتِ والإِمَامةِ فِي أصُولِ الدِّياناتِ، رسالَةُ إِثباتِ الوَصيَّةِ لِعَلِيِّ بنِ أبي طالبٍ عليهِ السَّلامُ…”([27]).
ثُمَّ يَقُولُ: “الْمسعُودِيُّ هذا منْ أجلَّةِ العلمَاءِ الإِماميَّةِ وَمِنْ قُدَمَاءِ الفُضلاءِ الإِثني عَشَريَّة، وَيَدلُّ عليهِ ملاحَظَةُ أسامِي كُتُبِهِ وَمُصَنَّفَاتِهِ…”([28]). ثُمَّ يُثْبِتُ ذلِكَ بأَقوالِ أئِمَّةِ مَذْهَبِهِم وَمُحَقِّقِيهم([29])!
2-يُكَذِّبُ عَلَى أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، وَيقولُ بَأنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ الخِلافَةَ أعْطَاهَا اللهُ إِيَّاهُ وَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَعزلَهُ عَنْهَا، وَمَصْدَرُ كَلامِهِ، كِتَابُ(الإِسلامِ والسِّيَاسَةِ) لِمُحَمَّدٍ العشمَاوِيِّ الْمُعَاصِرِ الْمُتَحَامِلِ عَلَى التُّراثِ الإِسلامِيِّ([30])، وَهُوَ مَا تَكَلَّمْنَا عَنْهُ سابِقًا فِي هَذا الكِتابِ عِنْدَ مَا استَدَلَّ بهِ أوزونُ ونَقَلَ عَنْهُ، وَبَيَّنَا أَنَّهُ يَنْقُلُ عنِ الكَذَّابينَ وَعَنْ كُتُبِ الأَدَبِ وَالفُكَاهةِ وَكُتُبِ الرَّوافِضِ فِي اتِّهَامِ الأَصْحَابِ وَلا سِيَّمَا كِتابَ الْمَسْعُودِيِّ وَاليَعْقُوبِيِّ، سُبْحَانَ اللهِ هُنَا تَجِدُ صِدْقَ الْمَقُولَةِ: (الطُّيورُ عَلَى أَشْكَالِهَا تَقَعُ)!
3-تَقْلِيبُ الحَقَائِقِ وَالتَّزويرُ فِيْهَا وَالخِيَانَةُ مِنَ الأَمَانَةِ العِلْمِيَّةِ عِندَ صاحِبِ الكِتابِ فِي مَوَاضِعَ كَثيرَةٍ وَأنَا أكْتَفِي بِمَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَأُنْهِي بهِ التَّعليقَاتِ.
هَلْ هُناكَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ لِمَاذَا قاتَلَ أُبو بَكْرٍ بَعْضَ القَبائِلِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ؟ لا أَتَصَوّرُ ذلِكَ لأنَّ الْمَصَادِرَ أَطْبَقَتْ عَلَى أَمْرَيْنِ: رِدَّتُهُم وَكُفرُهُم باللهِ وَالعَدَاءُ للمسلمينَ، وَمَنْعُ الزَّكَاةِ. لكنَّ صَاحِبَ هذَا الكِتابِ يُقَلِّبُ الزَّكَاةَ (شَعِيرَةً مِنْ شَعَائِرِ الإِسلامِ) إِلَى الصَّدَقَةِ (سُنَّةٍ مِنَ السُّنَنِ)! حَيْثُ يَقُولُ: “فاقتصر همّه على قتل مانعي الصدقة من العرب داخل الجزيرة العربية.”([31]).
وَهذا لِيُوهِمَ بأَنَّ أَميرَ الْمؤمنينَ أبا بَكْرٍ كَانَ يَقتُلُ النَّاسَ عَلَى الْمَندوبِ، فَكيفَ بالوَاجِبِ؟!
الثَّانِي: مَدَافِعُ الفُقَهَاءِ، التَّطَرُّفُ بينَ فُقَهَاءِ السَّلَفِ وَفُقَهَاءِ الخَلَفِ، لِصَالِحٍ الورْدَانِيِّ.
وَفِي هذا الكِتَابَ تَحَارِيفُ وَأبَاطِيلُ مَا اللهُ بِهِ عليمٌ وَلايُحْصَى كَثْرَةً، وَمِنْ هُنَا نُشِيرُ إِلَى شَيءٍ يَسيرٍ مِنْ ذلِكَ، فَأقُولُ: يَخُونُ هذا الرَّجُلُ عِنْدَ ذِكْرِ ابنِ عُمَرَ وَمَيْلُهُ إِلَى السُّلْطَةِ([32])، وَيَنْسَىَ مَواقِفَهُ الحَاسِمَةَ الجَازِمةَ فِي وُجُوهِ الظَّلَمَةِ، وَلَا نُطَوِّلُ فِي ذلِكَ، وَنَقُولُ: يَكْفِي لِابنِ عَمَرَ أنَّهُ مَدَحَ ابنَ الزُّبَيْرِ عَلَى الْمَلإِ جِهَارًا نَهَارًا، مَعَ أَنَّ السُّلْطَةَ قَتَلَتْهُ، كَمَا رَوَى ذلِكَ الإِمَامُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي نَوْفَلٍ، رَأَيْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى عَقَبَةِ الْمَدِينَةِ، قَالَ: فَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ تَمُرُّ عَلَيْهِ، وَالنَّاسُ حَتَّى مَرَّ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ، أَبَا خُبَيْبٍ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ، أَمَا وَاللهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، أَمَا وَاللهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، أَمَا وَاللهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا([33])، أَمَا وَاللهِ إِنْ كُنْتَ، مَا عَلِمْتُ، صَوَّامًا، قَوَّامًا، وَصُولًا لِلرَّحِمِ، أَمَا وَاللهِ لَأُمَّةٌ أَنْتَ أَشَرُّهَا لَأُمَّةٌ خَيْرٌ([34])..”([35]).
وَكَذلِكَ يَكْفِي أنَّهُ وَقَفَ فِي وَجْهِ الحَجَّاجِ وَوَبَّخَهُ، كَمَا رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ حِينَ أَصَابَهُ سِنَانُ الرُّمْحِ فِي أَخْمَصِ قَدَمِهِ، فَلَزِقَتْ قَدَمُهُ بِالرِّكَابِ، فَنَزَلْتُ، فَنَزَعْتُهَا وَذَلِكَ بِمِنًى، فَبَلَغَ الحَجَّاجَ فَجَعَلَ يَعُودُهُ، فَقَالَ الحَجَّاجُ: لَوْ نَعْلَمُ مَنْ أَصَابَكَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «أَنْتَ أَصَبْتَنِي» قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: «حَمَلْتَ السِّلاَحَ فِي يَوْمٍ لَمْ يَكُنْ يُحْمَلُ فِيهِ، وَأَدْخَلْتَ السِّلاَحَ الحَرَمَ وَلَمْ يَكُنِ السِّلاَحُ يُدْخَلُ الحَرَمَ»([36]).
اُنْظُرُوا إِلَى فِعْلِهِم وَجِنَاياتِهِم عَلَى العُلُومِ يَأخُذونَ نُصُوصًا ضَعِيفَةً وَمَوضُوعَةً، وَأُخْرَى صَحِيْحَةً وَلكِنَّهُم يُفَسِّرُونَهَا عَلَى أَهوائِهِم، وَيَتْرُكُونَ الصَّحيحَ الثَّابِتَ الْمُخَالِفَ لِمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ وَيُخفُونَهَا لأنَّهَا لا تُوَافِقُ أَهواءَهُم!
وَبِهذا الْمِنوَالِ يَسْتَمِرُّ صَاحِبُ الكِتابِ إِلَى نِهَايَةِ الكِتابِ، وَلعَلَّ اللهَ يَكْتُبُ لَنَا العَوْدَةَ إِلَى كِتابِهِ ضِمْنَ سِلْسِلَةٍ مُفَصَّلَةٍ فِي رَفْعِ السِّتْرِ عَنْ مَنَاهِجِهِم، وَلا سِيَّمَا صَاحِبَ هذا الكِتَابِ لأنَّهُ ارَتَكَبَ جَرَائِمَ وَجِنَايَاتٍ وَخِيانَاتٍ فِي حَقِّ فُقَهَاءِ الإِسْلامِ وَمُحَدِّثِيهِ.
الثَّالِثُ: مِنْ إِسْلامِ القُرآنِ إِلَى إِسْلامِ الحَدِيْثِ، لِجوْرج طرَابيشيّ.
هذا الكِتابُ مَنْشُورٌ مُتَداولٌ، يُرَوُّجُ لَهُ بَعْضُ البُسَطَاءِ الَّذينَ لَطَالَمَا تَراهُم مُعْجَبينَ فَورًا، وَيَتَلَوَّنُونَ بأنواعِ الأَلوَانِ وَيَتَشَكَّلُونَ بأَضْرابِ الأَشْكَالِ، وَلا يَدرونَ مَا فِي مِثْلِ هذِهِ الكُتُبِ مِنَ الِانحِرافَاتِ وَالتَّضليلِ وَالخِدَاعِ وَالْمَكْرِ وَالتَّلبيسِ.
فَبَعْضُ سَقَطَاتِ هَذا الكِتَابِ يَتَجَسَّدُ فِيْمَا يَلِي:
1-سُوءُ الفَهْمِ منَ النُّصُوصِ وَقِلَّةُ البَاعِ مِنَ العَرَبيَّةِ، بِحَدٍّ تَسْتَطِيْعُ أَنْ تُسَمِّيَهُ بأنَّهُ فَاقِدُ آلاتِ الفَهْمِ، حَيْثُ تَراهُ يَأتِي بِبَعْضِ الآياتِ وَيُفَسِّرُهَا تَفْسِيرًا لا تُساعِدُهُ فِيهَا الآياتُ الأُخْرَى وَالا العَقْلُ السَّليمُ وَلا التَّاريخُ، يَأتِي وَيقولُ بأنَّ الرَّسُولَ ﷺ كَانَ مَكْفُوفَ اليَدِ عَنِ التَّشريعِ وَكَانَ مُعَطَّلًا ذَاتِيًا([37]). هَذَا القَوْلُ فِي غَايَةِ الهَوَانِ وَقَدْ نَاقَشْنَاهُ فِي هَذا الكِتابِ وَالكِتابِ الأَوَّلِ، وَفَنَّدْنَاهُ بأدِلَّةِ الكِتابِ وَالْمَعقُولِ وَاللُّغَةِ.
2- يَعْتَمِدُ علَى بَعْضِ الْمَصَادِرِ الْمُزَيَّفَةِ كَـ(الشَّخْصِيَةِ الْمُحَمَّدِيَةِ الْمَنسُوبِ إِلَى الشَّاعِرِ العِراقِيِّ مُعْرُوفٍ الرّصَّافِيِّ)([38])، مَعَ أنَّ هذا الكِتابَ مُلَّفَقٌ عَلَى الرَّصَّافِيِّ وَتزويرٌ عليهِ، وَلَم يُسْمَعْ لَهُ صَوتٌ إِلَّا بَعْدَ سَنَواتٍ طِوالٍ مِنْ وَفَاتِهِ، وَكذلِكَ فِيْهِ كَثيرٌ مِنَ الِاتِّهَامَاتِ للرَّسُولِ الكَريمِ ﷺ وَصَحَابَتِهِ، وَالقُرآنِ الكَريمِ وَعُلَماءِ الإِسلامِ، وَالعِراقِيُّونَ جَمِيْعًا يَعْرِفُونَ زَيْفَ هذِهِ الأَشياءِ جَيِّدًا، لأنَّ الرّصَّافِيَّ مَعروفٌ مَنْهَجُهُ بَيْنَنَا، وَأشْعَارُهُ مَعلُومَةٌ، كُلُّ ذلِكَ يُخَالفُ مَا بَثَّهُ القَوْمُ! وَكذلِكَ هُناكَ أَدلَّةٌ أُخْرَى مِنَ الكِتابِ نَفْسهِ تُثْبِتُ زَيْفَ نِسْبَةِ الكِتَابِ إِلَيْهِ.
وَلَوْ فَرَضْنَا صِحَّةَ الكِتَابِ إِلَى المؤلِّفِ، فَلَيْسَ فِيْهِ مَا نخَافُ مِنْهُ، لأنَّ مَا فِيْهِ إِمَّا مَوضوعٌ وَإِمَّا فُهِمَ عَلى غيرِ مُرادِهِ، مَعَ وجُودِ قليلٍ مِنَ الحَقِّ مِنْ بابِ الإِنْصَافِ وَالعَدْلِ، وَلَعَلَّ اللهَ أنْ يُيَسِّرَ لَنَا وَنَتَكَلَّمَ عَنْهُ.
2-جَهْلُ الْمُؤلِّفِ بأسمَاءِ أًصْحَابِ الكُتثبِ الَّذِينَ يَنْقُلُ عنْهُم، كَمَا يَنْقُلُ عَنِ الإِمَامِ الْمُفَسِّرِ (أبِي حَيَّانَ الأَنْدَلُسِيِّ) صَاحِبِ (البَحْرِ الْمُحِيْطِ) وَيَكتُبُ: (ابن حيَّان)([39]) مَرَّاتٍ!
3-عَدَمُ استِخْدَامِ الْمَصَادِرِ الْمَوثوقَةِ، فَتَراهُ يُوَثِّقُ حُكمًا فِقْهِيًّا، بِكتَابِ الْمَغَازِيِّ للواقِدِيِّ([40]) الَّذِي لَمْ يُخَلِّ كَذِبًا إِلَّا وَأَدْرَجَهُ فِي كِتَابِهِ، وَتَحَدَّثْنَا عَنْهُ فِيمَا مَضَى.
4-عَدَمُ التَّوَرُّعِ عَنِ الكَذِبِ وَالِاتِّهَامِ دونَ دَليلٍ، حيثُ تَراهُ يُصوِّرُ أَنَّ بينَ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ عَدَاءً([41])، وَهذا مَا أرادَ أوزونُ وَغيرُ منَ الْمستشرِقينَ وَأَذيالِهِم يُرَدِّدونَهُ ليلَ نَهَارَ، وَقَدْ تَكَلَّمنَا فِي هَذا الكِتابِ وَالأُوَّلِ، عَنْ هذهِ الْمَسألَةِ وَأَدْحَضْنَا مَقَالَةَ القَائلينَ بِهَذَا العَدَاءِ الْمَوهُومِ.
وإِلَى آخِرِ الكِتَابِ يَحذُو حذْوَهُ الْمُبيَّنَ، وَلَوْ رُحْتَ مَعَهَ تَرَى عَجَائِبَ وَغرائِبَ، وَبعدَ ذلِكَ يأتِي وَيتَكَلَّمُ عَنِ الرَّصَانَةِ وَالْمَنهجيَّةِ، وَاللهِ عَارٌ يَلْحَقُهُم إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، إِنْ لَمْ يَعْتَرِفُوا بِخطَئِهِم وَلَمْ يَتُوبُوا عَنْ أَبَاطِيْلِهِم، مَعَ أَنَّنَا نَدعُوهُم للِاعتِرافِ بالخَطَإِ الْمَنْهَجِيِّ وَنَتَذَكَّرُ قولَ الشَّاعِرِ:[مِنَ البَسِيْطِ]
إذا شَكَوتَ لِمَنْ في أُذنِهِ صَمَمٌ رأَيتَ لا فَرقَ بينَ النُّطقِ والخَرَسِ
إِنَّ كِتَابَ جُبْرَانَ كِتَابٌ مَلِيْءٌ بالتَّحَامُلِ وَالسَّقَطَاتِ، وَلا يَخلُو مِمَّا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنَ السَّقَطَاتِ الْمَنْهَجِيَّةِ فِي الكُتُبِ السَّابِقَةِ
حَبِيْبِي القَارِئُ الكَرِيمُ! هذا مَا عِنْدَ هذِهِ الزُّمْرَةِ الظَّالِمَةِ –حَيْثُ يَظْلِمُونَ أَنْفُسَهُم بِتِلْكَ الهَرْطَقَاتِ وَالطَّامَّاتِ الْمَنْهَجِيَّةِ، حَثْيثُ تَرَاهُم لَيْسَ لَهُمْ قَدَمُ صِدْقٍ وَلا يَدُ أَمَانَةٍ وَلا لِسَانُ حَقٍّ وَلا عَيْنُ صَّوَابٍ وَلًا قَلْبُ وَعْيٍ، ثُمَّ يَأتُونَ وَيَتَكَلَّمُونَ كَأَنَّ الهِدَايَةَ مُلْكُ آبَائِهِم وَلَمْ يَعْرِفْ لَهَا مَسْلَكًا أَحَدٌ سِوَاهُم وَلَمْ يَسْلُكْ سَبِيْلَهَا غَيْرُهُم، وَيُلَقِّبُونَ أَنْفُسَهُم أَلْقَابًا كَبِيْرَةً، وَلَيْسَ لَنَا إِلَّا أَنْ نَقُولَ:[مِنَ الْمُتَقَارِبِ]
أُنَاسٌ أَتَوْنَا بِأَلْقَابِهِم خُرافَةُ مُضْطَجِعٍ يَحْلُمُ
وَلَقَدْ صَدَقَ قَوْلُ القَيْرَوَانِيُّ فِيْ أَمْثَالِهِم:[مِنَ البَسِيْطِ]
أَلْقابُ مَمْلَكَةٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا كَالْهِرِّ يَحْكِي انْتِفاخًا صَوْلَةَ الأَسَدِ
وَبِهذِهِ الأَبَاطِيْلِ وَالأَضَالِيْلِ يَعْتَرِضُوَنَ عَلَى الأَعْلامِ وَالعَوَالِي (أئِمَّةِ الإِسْلامِ)، فَلِذلِكَ أقُولُ:[مِنَ الوَافِرِ]
وَكُلُّ كَلامِ ذَمٍّ لِلْعَوَالِي حَدِيثُ خُرَافةٍ يَا أُمَّ عَمْرِو
فَالآنَ حُقَّ لَكَ أَنْ تَحكُمَ عَلَيْهِمْ حُكْمًا عَدْلًا دونَ قَسْوَةٍ وَلا ظُلْمٍ فِي حَقِّهِم.
_________________________________________________________________________________________
([1]) نِسْبَةُ بَعْضِ هذِهِ الكُفرِيَّاتِ إِلَى الْمَعَرّيِّ لَيسَ صَحِيْحًا، كمَا جَاءَ عَنْهُ بأَنَّهُ قَالَ حَسَدُونِي فَافْتَرَوا عَليَّ، وَالظَّاهِرُ أنَّهُ تَابَ فِي أَواخِرِ أَيَّامِهِ، وَإِنْ شَاءَ اللهُ هذا صَحِيْحٌ.
([2]) لا نُذَيِّلُ هذَا التَّارِيخَ كَمَا لا نُطَوِّلُ الكَلامَ فِي ذِكْرِ عَرْضِ الكُتُبِ الكَثيرَةِ مِنْهُم وَنَقْدِهَا، لأنَّ هُنَأ ليسَ مَحَلَّ التَّطويلِ، بَلْ: نُحَاوِلُ التَّبسِيطَ وَالإِيْجَازَ، وَنُرْجِئُ الأَمْرَ إِلَى كِتَابٍ مُستَقِلٍّ لِذِكْرِ هذَا التَّارِيْخِ، وَكَشْفِ العَوَارِي الْمَنْهَجِيَّةِ لَدَى هُؤلاءِ، إِنْ شاءَ اللهُ تَعَالَى!
([3]) وَقَلَّدَهُ بَعْضُ مَنِ انَتسَبَ إِلَى الإِسلامِ جَهْلًا، كَمَا بيَّنَّا ذلِكَ فِي الكِتابِ الأَوَّلِ وَسَلَّطْنَا الضَّوءَ عَلَى مَنْهَجِ زَكَرِيَّا أوزونَ فِي الطَّعْنِ فِي أَبِي هُرَيرَةَ وَعَائِشَةَ وَابِنِ عَبَّاسٍ، وَذَكَرْنَا بَعْضَ مَا نَقَلَهُ مَحمُودٌ أَبُو رِيَةَ عَنْ هذا الْمُسْتَشْرِقِ بِنَقْلٍ حَرْفِيٍّ!
([4]) أَعْنِي بالكِتَابِ (كِتَابَ الجِنَايَةِ عَلَى الشَّافِعِيِّ) لَعَلَّ اللهَ يُيَسِّرَ طَبْعَهُ وَهُوَ مُستَعِدٌّ للطَّبْعِ، فَهذِهِ النُّصُوصُ مُلْحَقَةٌ بِهَا، أَمَّا الكِتَابُ الأَوَّلُ فَنَقْصِدُ بِهَا (كِتَابَ الجِنَايَةِ عَلَى البُخَارِيِّ).
([5]) إِنْ لَمْ يَكُنْ تَعمِيمًا جَائِرًا أقُولُ: إِنَّ رَافِضِ التُّراثِ وَلا سِيَّمَا الأَحادِيثَ النَّبويَّةَ كُلُّهم فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ وَفِي سَاحَةٍ يَلْعَبُون، حَيْثُ تَرَى كُلَّهُم يَتَكَلَّمُ عَنِ النَّهِي عَنْ كِتَابَةِ الحَديثِ وَالكَلامِ عَنْ حديثِ أبِي شاهٍ، وَعَدَدِ الأَحادِيثِ وَالكَلامِ عَنْ أبِي هُرَريرَةَ، وَعَدَمِ قَبولِ أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ للحدِيْثِ، وَهذَا مُعْظَمُ مَا ذَكَرَهُ هذَا الرَّجُلُ كَتَمْهِيْدٍ لِكِتَابِهِ، وَنَحْنُ نَاقَشْنَا كُلَّ ذَلِكَ فِي الجِنَايَةِ عَلَى البُخَارِيِّ بِمَا يَقَعُ بهِ دَفْعُ الحَاجَةِ بإِذنِ اللهِ تَعالَى. ثُمَّ يأتِي بأَحادِيْثَ مِنَ الصَّحيحَيْنِ دُونَ الوقُوفِ عَلَيْهَا.
([6]) التَّجريدُ لِجمَالٍ البَنَّا، ص: (8)، ط:دعوة الإحياء الإسلامي، دون سنة النشر ورقم الطبعة.
([7]) التَّجريدُ لِجمَالٍ البَنَّا، ص: (9).
([8]) التَّجريدُ لِجمَالٍ البَنَّا، ص: (10).
([9]) التَّجريدُ لِجمَالٍ البَنَّا، ص: (16-17).
([10]) تَأنِيْبُ الخَطِيْبِ، ص: (153)، وَمَا بَعْدَهَا، طَبعَةُ جديدةٌ، تعليق: أحمد خيري، سنة النشر: 1410هـ، طبعة البَنَّا نفسِهِ! ويُنْظَرُ أيضًا كَلامَ اليَمَانِيِّ فِي ضَعْفِ هذَا الكَلامِ عَنْ أبي حنيفَةَ: (التَّنكِيلُ بِمَا فِي تَأنيبِ الكَوثَرِيِّ مِنَ الأَباطِيلِ للْمُعَلِّمي) (1/152) وَ(1/372)، و(2/575)، وَ(2/850). والقَوْلُ الَّذِي جَاءَ بِهِ البَنَّا أورَدَهُ الخطيبُ فِي: (تاريخِ بَغْدَادَ) (15/530) وَفِيْهِ: (أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْكُوفِيُّ، وَهُوَ ابنُ قعدةَ) مَتروكٌ، لا يُقْبَلُ مِنْهُ.
([11]) جِنَايَةُ قَبِيْلَةِ حَدَّثَنَا لِجمَالٍ البَنَّا، ص: (20)، دار الشُّروق، دونَ ذكرِ سنةِ الطبعِ وَرَقَمِهِ.
([12]) جِنَايَةُ قَبِيْلَةِ حَدَّثَنَا لِجمَالٍ البَنَّا، ص: (20-21).
([13]) جِنَايَةُ قَبِيْلَةِ حَدَّثَنَا لِجمَالٍ البَنَّا، ص: (9).
([14]) جِنَايَةُ قَبِيْلَةِ حَدَّثَنَا لِجمَالٍ البَنَّا، ص: (8).
([15]) وُعَّاظُ السَّلاطِينِ لعَلِيٍّ الوَرْدِيِّ، ص: (10)، ط: دار كوفان –لندن- ، سنة:1995م.
([16]) وُعَّاظُ السَّلاطِينِ لعَلِيٍّ الوَرْدِيِّ، ص: (23).
([17]) وَهُوَ تَرَاجَعَ عَنْهُ وَاعْتَرَفَ بِخَطَئِهِ كَمَا قَالَ أَخُوهُ محمَّد قُطْبٍ وَقَالَ بأنَّ أَخاهُ سيِّدًا مَنَعَ مِنْ طَبْعِ الكِتابِ فِي أوَاخِرِ أَيَّامِهِ، رَحمهُمَا اللهُ تَعالَى.
([18]) وُعَّاظُ السَّلاطِينِ لعَلِيٍّ الوَرْدِيِّ، ص: (23).
([19]) وُعَّاظُ السَّلاطِينِ لعَلِيٍّ الوَرْدِيِّ، ص: (25).
([20]) وُعَّاظُ السَّلاطِينِ لعَلِيٍّ الوَرْدِيِّ، ص: (43).
([21]) وُعَّاظُ السَّلاطِينِ لعَلِيٍّ الوَرْدِيِّ، ص: (42).
([22]) وُعَّاظُ السَّلاطِينِ لعَلِيٍّ الوَرْدِيِّ، ص: (51).
([23]) وُعَّاظُ السَّلاطِينِ لعَلِيٍّ الوَرْدِيِّ، ص: (62).
([24]) يُنْظَرُ: كِتابُ (الإِتحافَاتُ) ص: (79)، رَقم: (56).
([25]) يَقْصِدُ بالجُنَاةِ الصَّحَابَةَ وَعُلَمَاءَ الإِسلامِ جَمِيْعًا.
([26]) قَتْلُ الإِسلامِ وَتَقْدِيسُ الجُنَاةِ، ص: (18)، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت –لبنان-، ط:1/2011م.
([27]) مُنْتَهَى الْمَقَالِ للمازندَرَانِيِّ (4/390)، ط: مؤسسة أهل البيت لإحياء التراث، 1416ه.
([28]) مُنْتَهَى الْمَقَالِ للمازندَرَانِيِّ (4/391).
([29]) مُنْتَهَى الْمَقَالِ للمازندَرَانِيِّ (4/391)، وَمَا بَعْدَهَا.
([30]) قَتْلُ الإِسلامِ وَتَقْدِيسُ الجُنَاةِ، ص: (19)، يَنْقُلُ عَنْهُ أُكْذُوباتٍ إِلَى صَفْحَةِ (21) مِنْ كِتَابِهِ!
([31]) قَتْلُ الإِسلامِ وَتَقْدِيسُ الجُنَاةِ، ص: (64).
([32]) مَدَافِعُ الفُقَهَاءِ، ص: (11-13)، دار الرأي للنشر والطباعة والتوزيع، ط:1/1419هـ-1998م. يأتِي بِأَخْبارٍ مِنْهَا مَا تَحَامَلَ فِي تفسِيرِهَا، وَمِنْهَا مَا لَيسَ بِصحيحٍ.
([33]) لأنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الحَجَّاجَ سَفَّاكٌ وَيَقْتُلُهُ.
([34]) هَذا تَعْرِيْضٌ بالحَجَّاجِ وَأَتْباعِهِ لأنَّهُم كَانُوا يَصِفُونَ ابنَ الزُّبَيْرِ بالبَغْيِ، وَيُلْصِقونَ بِهِ الشَّرَّ. وَقَدْ أَشَارَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ إِلى ذلِكَ قائِلًا: “وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ لِابْنِ عُمَرَ لِقَوْلِهِ بِالْحَقِّ فِي الْمَلَأِ وَعَدَمِ اكْتِرَاثِهِ بِالْحَجَّاجِ، لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَبْلُغُهُ مَقَامُهُ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ وَثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ، فلمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ أَنْ يقُولَ الحَقَّ وَيَشْهَدَ لِابْنِ الزُّبَيْرِ بِمَا يَعْلَمُهُ فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ، وَبُطْلَانِ مَا أَشَاعَ عَنْهُ الْحَجَّاجُ مِنْ قَوْلِهِ: إِنَّهُ عَدُوٌّ.” شرحُ النَّوَوِيِّ عَلَى مُسْلِمٍ (16/98).
([35]) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (4/1971)، بِرَقَمِ: (2545).
([36]) رَوَاهُ البُخَارِيُّ (2/19)، بِرَقَمِ: (966).
([37]) مِنْ إِسلامِ القُرآنِ إِلَى إِسلامِ الحديثِ، ص: (11)، دار الساقي، بيروت، لندت، ط:1/2010م.
([38]) مِنْ إِسلامِ القُرآنِ إِلَى إِسلامِ الحديثِ، ص: (18).
([39]) مِنْ إِسلامِ القُرآنِ إِلَى إِسلامِ الحديثِ، ص: (21).
([40]) مِنْ إِسلامِ القُرآنِ إِلَى إِسلامِ الحديثِ، ص: (22).
([41]) مِنْ إِسلامِ القُرآنِ إِلَى إِسلامِ الحديثِ، ص: (27).
كتبه مَرْوَانُ الكُرْدِيُّ
كُرْدستَانُ- العِرَاق.