أصول حُكم الشُّعوب المسلمة ومقاييس تطبيق العدالة 2من 9
إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن
ندوة عن علاقة الإخوان بالماسونيَّة
يروي الدُّكتور بهاء الأمير عن دعوته، قبيل فاعليَّات معرض القاهرة الدُّولي للكتاب، للمشاركة في ندوة لمناقشة كتاب سرُّ المعبد، ألَّفه أحد المنشقِّين عن جماعة الإخوان المسلمين، يُدعى ثروت الخرباوي، ويتضمَّن اتِّهامًا للجماعة بالانتماء إلى تنظيم ماسوني. وجد الأمير من قراءته للكتاب أنَّ مؤلِّفه لا يفقه عن الماسونيَّة ما يخوِّله لتحليل تنظيم الجماعة وفق ما عرفه عنها، وكأنَّما أراد فقط أن يلقي تلك الجماعة بتُهمة انتشرت مؤخَّرًا، بهدف التنفيس عن غضبه تجاهها. وبرغم تقبُّل المؤلِّف لنقد الأمير برحابة صدر، فقد أثار دحضه الاتِّهامات الموجَّهة للنظام الحاكم حفيظة أحد المشاركين في النَّدوة، وهو الصحافي المصري المخضرم، حلمي النمنم، الَّذي يشغل منصب وزير الثَّقافة منذ سبتمبر من عام 2015م. يروي الأمير عن النمنم قوله، دون أن يشعر بأنَّ كلامه مسجَّل، “مصر علمانيَّة بالفطرة، ولا بدَّ من إراقة مزيد من الدَّماء لاستكمال علمنتها” (صـ22). رفض النمنم مصافحة الأمير بعد الندوة، وعاتب مَن دعاه لمناظرة مؤلِّف سرُّ المعبد، وبعدها رُقِّي النمنم بتعيينه مديرًا لدار الكُتب، ثم وزيرًا للثَّقافة.
صناعة الفوضى جزء من مخطَّط أكبر
كان مدبِّرو ثورة 25 يناير على درايَّة تامَّة بأنَّ ما سيحدث كان مجرَّد إعادة إنتاج النِّظام البائد بوجوه جديدة، وأساليب مختلفة في “القهر والبطش”، وأنَّ الفوضى المصاحبة لتغيُّر النِّظام كانت ستؤدِّي إلى تهيئة الأوضاع لإتمام المشروع اليهودي، على حدِّ وصفه (صـ24). كان نظام الإخوان عبارة عن مرحلة انتقاليَّة، تمنح الوضع الحالي الشَّرعيَّة في الحُكم، بعد ثبوت فشل النِّظام المُنتخب في تحقيق الإصلاح واستعادة الاستقرار في فترة حُكمه. وقع الإخوان ضحيَّة سذاجتهم، وجهلهم بحقيقة نوايا مَن سهَّل لهم الوصول إلى الحُكم، وهي القوَّة الخفيَّة، المتحكِّمة في المشهد السِّياسي العالمي من خلف السِّتار برجالٍ أعدَّتهم، وتواصل إعداد أجيال جديدة منهم. ويعتقد الأمير أنَّ هذه الجهة المفسدة هي رسمت مسار الثَّورة من أول يوم، وخطَّطت لوصول الإسلاميين للحُكم، ثم تسليط أعوانها لإفشالهم وإغلاق باب مشاركتهم في الحياة السِّياسيَّة بمبررات مفحمة، على رأسها الانتماء إلى نظام إرهابي، والتآمر مع جهات أجنبيَّة عدوَّة لمصر.
الدِّفاع عن الإخوان وانتقاد النَّاصريَّة
تعرَّض الدُّكتور بهاء الأمير إلى الانتقاد بسبب موقفه من الحقبة النَّاصريَّة، الَّتي تعرَّض فيها منتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين إلى أشد ألوان البطش، ولعلَّ أجدر بالإشارة في هذا السياق ما لاقاه الدُّكتور محمَّد بديع، المرشد الأعلى للجماعة في فترة حُكم محمَّد مرسي، الَّذي حُكم عليه بالسَّجن 15 عامًا بسبب قضيَّة سيِّد قُطب عام 1965م. الأجدر بالتذكير أنَّ بديع أُفرج عنه عام 1974م، وأُعيد إلى وظيفته في كليَّة الطب البيطري في جامعة أسيوط، ليترقَّى ويصل إلى درجة أستاذ، بل وكان من بين أفضل 100 عربي في الموسوعة العلميَّة العربيَّة الَّتي أصدرتها هيئة الاستعلامات المصريَّة 1999. أعيدت محاكمة بديع بدءً من عام 2013م بتُهم لا تختلف عمَّا حُوكم بسبب عام 1965م. ما يثني الأمير عن الدِّفاع عن جمال عبد الناصر، الَّذي أشيع عن انتمائه إلى جماعة الإخوان المسلمين قبل ثورة يوليو من عام 1952م، هو أنَّ حقبته كانت بدايَّة ما اعتبره الباحث إفساد البلاد، عن ذلك يقول (صـ27):
وعبد النَّاصر الَّذي تقدّسه ويتولَّه به البقر من مشرق بلاليص ستان إلى مغربها هو الرَّجل الَّذي أفسد مصر، وأطاح بالأزهر من نسيج مجتمعها، وأزرى بعلمائه، واعتقل شيخه في بيته، وكاد أن يلغي الأزهر نفسه، وألغى القضاء الشَّرعي وصادَر الأوقاف الشَّرعيَّة، وأطلق على مصر وفيها الملاحدة والفسَقة والزَّنادقة من صنف ولون، وانتهك حرمات النَّاس في بيوتها، ثمَّ هو الرَّجل الَّذي تسلَّم مصر وهي والسُّودان وسيناء وغزَّة، وتركَها بعد أم أضاعها منها، ومن أجل ذلك صنعوه.
في رأي الأمير، كانت الحقبة النَّاصريَّة المرحلة الثَّانية لإدخال مصر في المسار الَّذي أراده لها أعوان الشَّيطان، بعد مرحلة الحملة الفرنسيَّة على مصر والشَّام (1798-1801م). يعتبر الأمير عبد الناصر ثاني حاكم متغلِّب جيء به “من الخلف” لتنفيذ مخطط مرحلته، بعد محمَّد علي (صـ28). يتحكَّم في الخطاب الإعلامي الموجَّه إلى العامَّة محدودة الوعي، أناسٌ جرى إعدادهم بدقَّة لنشر وعي أراده المفسدون، وأولئك الَّذين تغنُّوا بمنجزات الرَّئيس الأسبق، هم امتداد الَّذين يردِّدون عنه نفس الشَّعارات إلى اليوم، وهم أنفسهم مَن عارضوا فكرة وصول الإسلاميين إلى الحُكم. بالطَّبع، لم يثر هؤلاء على تجاوزات عبد الناصر في حقِّ الإسلام من خلال “إذابـة العقائـد وتحريف الشَّرائع فـي أغلفـة تجديد الدِّين، وإطاحتـه بهيئة كبـار العلمـاء مـن الدُّستور، وعـن تحرشـه بـالأزهر وإطلاقه للفسقة ولمنحلِّين عليه في صحفه وشاشاته” (صـ31).
يستشهد الأمير في وجوب إنكار فعل عدم المتقيِّدين بسُنَّة النَّبي الكريم (ﷺ)، بحديث في صحيح مسلم (1854) عنه (ﷺ)، يقول “سَتَكُونُ أُمَراءُ فَتَعْرِفُونَ وتُنْكِرُونَ، فمَن عَرَفَ بَرِئَ، ومَن أنْكَرَ سَلِمَ، ولَكِنْ مَن رَضِيَ وتابَعَ قالوا: أفَلا نُقاتِلُهُمْ؟ قالَ: لا، ما صَلَّوْا”. ويوضح الإمام يحيى بن شرف النَّووي في شرحه للحديث أنَّ الإثم يقع على كلِّ مَن شِهد على منكر اقترفه ولي الأمر المستند إلى قوَّة باطشة دون أن ينكره عليه. لا يأثم المرء بالسُّكوت عن المنكر، طالما أنَّه أنكره في قلبه، ورفضه من داخله، وامتنع عن المشاركة في تعزيز ذلك المنكر. الآثم، في ضوء هذا الحديث عن المعصوم، هو مَن رضي بالمنكر، بل وبرره ودعَّمه وشارك في نشره. ويورد الأمير حديثًا آخر، ورد في المستدرك على الصَّحيحين، وقد صحَّحه التِّرمذي وابن حجر العسقلاني في روايات متطابقة في المعنى، وورد في سنن التِّرمذي (2259) يقول فيه النَّبي (ﷺ) “سيكون بعدي أمراءُ فمن دَخَل عليهم فصدَّقهم بكذبِهم وأعَانَهم على ظُلمهم فليس منِّي ولَستُ منه وليس بواردٍ عليَّ الحوضَ ومن لم يدخلْ عليهم ولم يعنْهم على ظلمِهم ولم يصدِّقْهم بكَذِبِهم فهو مني وأنا منه، وهو واردٌ عليَّ الحوضَ”. وللمطَّلع على حديث النَّبي الأكرم رد الفعل الَّذي يرتئيه مناسبًا، علمًا بأنَّ المشاركة في نشر الظُّلم طواعيَّة للظالم وتزيينًا لعمله تجلب لصاحبها من سخط الله ما يُحبط عمله في الدُّنيا ويُهلكه في الآخرة. وتلخِّص الفقرة التَّالية نظريَّة صناعة الحاكم المتغلِّب في زمن المُلك الجبري (صـ40):
من استراتيجيَّات الأبالسة عبر العصور وفي كلّ أمَّة يتوغَّلون في أنسجتها ويضعون أيديهم على مفاتيحها، فتْح الطَّريق للآتين من الخلْف، وإزالة العقبات من أمامهم، وصناعة أبطال منهم، لكي يكونوا وسائلهم في الإطاحة بالموازين وإذابة المعايير، وتحريف العقائد وتغيير الشَّرائع، وإخراج الأمَّة عن مسارها وإذهالها عن تاريخها، وتبديل أوليائها وأعدائها، وهم في ذلك يتمترسون بكتل العوام العمياء الَّتي تولهت فيهم بالبطولات الَّتي صُنعت لهم والهالات الَّتي أقيمت حولهم والأناشيد الَّتي يؤلّفونها فيها.
المصدر: رسالة بوست