مقالاتمقالات مختارة

أسلوب الإمام البخاريّ في الرّدّ على مَنْ يخالفهم الرأي

أسلوب الإمام البخاريّ في الرّدّ على مَنْ يخالفهم الرأي

بقلم نور الدين ابن العطار

من جميل الأخلاق التي تعلمتها من أحد شيوخنا ـ جزاه الله عني وعمن استفاد منه خيرا ـ وأسأل الله أن يوفّقني للتخلّق بها أنه وقد ألف أكثر من ثلاثين كتابا ثلثُها في الردود والنقاشات على أناس معينين من السابقين ومن المعاصرين ومع ذلك لا يذكر اسم المردود عليه البتّة ، بل يقول : « قال الباحث : كذا وكذا ، أقول : … » ويجيب ، أو يقول : « قال الشيخ : …. أقولُ : …. » ويذكر جوابه بهدوء وإنصاف . وكتبه سارت بها الرّكبان ، وبعضها يدرّس في مشارق الأرض ومغاربها ..

وسألته مرة : لم لا تذكر اسم المردود عليه رغم أنه أحيانا معروف ؟ ، فقال لي لعدة أسباب ولمّح إلى أن ذلك يجعل الأمر على ألسنة كل الناس : « فلان ردّ على فلان » ، وتصير المسألة كأنها فلان أو فلان ، والذي يهمنا نحن هو : الأفكار ، لا قائلوها . وطلاب العلم الذين يتعمقون في المسألة سيعرفون المردود عليه غالبا ، فما فائدة تعريفنا لغيرهم سوى حصول ذلك الضرر ؟ !

ثم رأيت أنّ هذا الخلق ذاته هو خلقٌ بخاريٌّ ، فالإمام البخاري رحمه الله في كتابه الصحيح ردّ على عدد من العلماء ومنهم أئمتنا الحنفية مثلا ، ولكنه حين يردّ يقول : « قال بعض الناس » ويذكر القول ثم يأتي بالأحاديث التي يراها حجة عليهم ، أو يذكر قبلها بعض الآثار من فتاوى الصحابة أو التابعين . وهذا من عفّة لسانه رضي الله عنه ..

وهنا تنبيهان مهمان :

الأول : بعض الناس يريد أن نسكت عن بيان الخطأ بحجة تأليف القلوب وما شابه ذلك ، وهذا باطل لم يستفد منه في العقود الأخيرة إلا أهل البدع ؛ فلا بد من رد البدع ، وتوضيح الحق .

الثاني : أن بعض الإخوة يقول : لا بد من ذكر بعضهم باسمه لأنّه رأس من رؤوس البدع ولكن ها هنا ملمحان مهم جدا :

أولهما : أن الإنسان قد يقصد الحق ، ولكن من كثرة الجدل الذي يدور مع أتباع ذلك الشيخ ألا يمكن أن يكون في نيّته دخَنٌ من ذلك ، ويكون ذلك من حظِّ النفس ؟ فبدَلَ من أن يكون قصده النصح وبيان الحق يصير القصد الانتقام من شيخ «أولئك» القوم بالذات .. وفَقْء أعينهم … وكفى بهذا مقصدا خبيثا يترفع عنه المؤمن الذي يُهِمُّه أمر نيّته .

وثانيهما : ما حجّتنا في هذا السلوك سلوك التشنيع على الناس بأسمائهم ونحن نعلم أن هذا سيهيّج أتباعهم ، وسيجعلهم ينفرون من الحقّ ؟ !

ما حجّتنا ونحن نعلم أن هذه الطريقة تحول الناس إلى «اتحاد × كرامة» ، أو على حد قولة أحبتنا المصريين : « أهلي وزمالك » ؟ ! . . .

أنريد العنب أم الناطور ؟ ! ليت الواحد يقعد مع نفسه ويفكر في ذلك ويتأمّل …

رضي الله عن شيوخنا أصحاب الفضل علينا وعن الإمام العظيم أبي عبد الله البخاري ووفقنا للسير على خطى حبيبنا ﷺ … الذي كان أسلوبه : « ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا » ، والحمد لله عدد خلقه أولا وآخرا .

(المصدر: رابطة العلماء السوريين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى