أسلمة العلمانية.. اسلوب علماني خبيث لتقرير العلمانية
مقالات- بقلم “مركز التأصيل للدراسات والبحوث”
للأسف الشديد استطاعت الفلسفات الوضعية ذات الأصول الإلحادية التمكن من بلداننا العربية، حتى صار لها أتباع ومريدون كُثُر، بل صار لها دعاة يبشرون بها ويلبسونها لبوس التحضر والتقدم والرقي، وفي المقابل يطعنون في كل ما يرتبط بالإسلام من أفكار وقيم ومُثُل، بل وأصول وثوابت.
من ناحية أخرى سعى فريق آخر- بدا أكثر مكراً وحرصاً- إلى إلباس هذه الفلسفات اللباس الشرعي، فرأينا- مثلاً- من ينسب الاشتراكية للإسلام، ورأينا منهم من يبرر كثيراً من الانحرافات العقلية والسلوكية بأمور من الشريعة، وهو عبث محض؛ إنه طعن في الشريعة بالشريعة.
وبظهور العلمانية ظهرت محطة جديدة من محطات الصراع الإسلامي مع الآخر، فكانت محطة الصراع (الإسلامي العلماني) هي المحطة الأقوى، فحدثت فيها عدة صدامات وصدمات كان من نتائجها اندحار العلمانية الثقافية في بلداننا، وإن ظلت العلمانية السياسية تسيطر وتهيمن وتحكم.
ومؤخراً سعى كثيرون من أصحاب التوجه العلماني إلى ولوج حالة الصراع (الإسلامي العلماني) من نافذة جديدة، وبأسلوب جديد، يسعون فيه إلى ادعاء التصافي مع الإسلام، من خلال إحداث حالة (إيهامية) من الإخاء بين الإسلام والعلمانية!! بدعوى أن العلمانية لا تعادي الإسلامي ولا ترفضه، وإنما الرفض- فقط- لفهوم المطبقين لهذا الإسلام.
وهي دعوى تكسوها التقية؛ خوفاً من ردات الفعل. فأية علمانية تلك التي تتوافق مع الإسلام وتقبله وتحترمه، وهي ترفض الإذعان لخالق هذا الكون ورب الإسلام والقرآن؟ وأي توافق هذا الذي يحترم فيه الكفر وينادي به، وتهاجم فيه الفضيلة والعفة وجميل الأخلاق… كيف يجتمع الضدان؟!.
بهذه الدعوى خرج علينا الكاتب المغربي “عبد الكريم القمش”، في كتابه الجديد “أنا مسلم علماني”، حيث يسرد الكاتب المغربي عبد الكريم القمش، انتقاله من الإيمان بأفكار دينية ترى في الإسلام حلًا للدولة، إلى أفكار علمانية تؤمن بأن الدين يجب أن يبقى في حدود التعبد.
فعن مضمون الكتاب يقول “القمش”: “هذا الكتاب هو سيرة ذاتية عقدية ترصد كيفية انتقالي من فكر يقدس الماضي وأيقوناته إلى فكر علماني ينزع القداسة عن الماضي والأفراد ويقتنع بكون الإسلام دين علماني بالأساس تعرض لعملية تزوير وتدليس وتحوير كبرى بعد وفاة الرسول”.
فالكاتب يهاجم الإسلام ويتهم أصحابه بالتزوير والتدليس والتحوير في ذات اللحظة التي يسعى فيها إلى إقناع الغير بعلمانيته الودودة التي تتصالح مع الإسلام- زعماً-!! والحقيقة فإن ما يدعو إليه “القمش” هو التزوير والتحوير ذاته، لا ما يفعله دعاة الإسلام المحذرين من العلمانية وشركها.
وليس كتاب “القمش” عن العلمانية بحالة خاصة في حياة الكاتب، بل للكاتب كتابات أخرى تطفح بمهاجمة الثوابت، كما أن الكاتب لا يرى حلولاً لحياة البشر إلا في كنف العلمانية، كما يرى أن الدين ككيان من الأفكار غير القابلة للتطبيق على أرض الواقع بحكم طبيعة البشر.
إن دعوى أسلمة العلمانية، أو علمنة الإسلام دعوى خبيثة، لا حقيقة لها عند التحقيق والتدقيق، بل عند من يمرر النظر على طبيعة الفكرة العلمانية، مقابل الوحي والشريعة التي تؤمن بالمقدس، وتعلي من شأن الغيبيات، وترى الإذعان للنص وفهمه على مراد سلف الأمة ثابتاً لا يمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال.