مقالاتمقالات مختارة

أسس ومنطلقات العلمانية العربية في نظرتها إلى الدين

أسس ومنطلقات العلمانية العربية في نظرتها إلى الدين

بقلم عبد العزيز كحيل

– لا تؤمن بوجود حقائق مطلقة فكل شيء متطوّر، وكل شيء في حياة البشر نسبي وخاصة الدين والأخلاق، ولابد بالتالي من إعادة النظر في كل شيء وممارسة الشك في كل قضية أيا كانت.

– إسقاط القداسة عن الدين وتدنيس المقدس لأن الدين هو سبب التخلف والفشل.

– إحياء وتعظيم الوثنيات القديمة كالفرعونية والبربرية والآشورية والفينيقية كهوية بدل الانتماء الإسلامي.

– استباحة المحرمات والتحرر من الضوابط الشرعية وإسقاط موازين الحلال والحرام والاصطفاف مع الغرب وفلسفته ورؤاه وأساليبه، وأخذ كل شيء عنه من التقنية إلى الثقافة، وإخضاع الدين لمقاييسه لأن الحضارة الغربية تمثل نهاية التاريخ.

– تأليه الإنسان ورفع الوصاية عنه ليحلّ محلّ الله والدعوة إلى تبني الإنسانية كمبدأ وغاية، وفي نفس السياق تأليه العقل والعالم المادي، فبينما في التصور الإسلامي “الله” هو المحور نصبح هنا أمام تأليه الإنساني وأنسنة الإلهي بحيث يغيب المقدس بتأويلات بعيدة وتُنزع القدسية عن الدين والأنبياء وتُنكر المعجزة الإلهية وتُضخم “المعجزات” الإنسانية، أي يحدث انتقال مركز الاهتمام من الله إلى الإنسان ومن السماء إلى الأرض.

– الدعوة إلى القطيعة مع ماضي الأمة ومفاهيمه وتراثه والانفصال عنه تماما.

– تشويه الإسلام لتنفير الناس منه بالافتراء على مضامينه وتاريخه وتضخيم أخطاء المسلمين قديما وحديثا وتحميلها للدين ذاته.

  • العلمانيون والقرآن:

ليس للعلمانيين في فضائنا الإسلامي تفاعل ديني، فهم في دراساتهم الأكاديمية وكتاباتهم الفكرية والصحفية ومداخلاتهم المختلفة يتمحور موقفهم من القرآن الكريم حول رفع القدسية عنه وحذف عبارات التعظيم وتقرير عدم أفضليته ورفض التسليم بأنه معجز وأن فيه كل شيء، ويتعاملون معه ثقافيا باستبعاد الآليات المعتمدة عند المسلمين وتفضيل تطبيق مقررات العلوم الإنسانية والفلسفة مع إطلاق سلطة العقل دون قيود مع تعميم الشك على كل مستويات القرآن، وهذا ما ينتهي إلى “نصرنة” الإسلام وإحداث قطيعة معرفية بين القرآن وبين القراءات التراثية التأسيسية والتجديدية، وهي قراءات انتقادية لا اعتقادية كما يُفترض في أي مسلم.

تتلخص علاقتهم بالقرآن في تسويته بكلام البشر ونزع قدسيته من النفوس، وقصر أحكامه على زمن النزول، واستغناء البشرية عنه لأنها بلغت الرشد العقلي، وتفسيره تفسيرا باطنيا أو تفريغ نصوصه من المعاني، وفي هذا المسعى يجاهرون بإبطال جميع علوم القرآن والاعتماد فقط على المناهج الغربية المستحدثة إلى جانب إنكار السنة النبوية سواء كمصدر للتلقي أو كشارح ومبين للقرآن.

  • العلمانيون والوحي:

لا يعدّون الوحي مرجعا من مراجع المعرفة لأن المعارف لا تأتي إلا من دراسة الطبيعة والتاريخ، لذلك ينكرون حجيته ويُلحقونه بالغيب الذي يزدرونه، فلا يؤمنون بالشريعة وثباتها فضلا عن تحكيمها، ويميّعون الفرائض والحرمات، ويستبعدون الأخلاق الإيمانية لصالح ما يسمى الأخلاق الإنسانية والطبيعية، ويرفضون أطروحاته حول الحدود والمرأة وغير المسلمين، وفي كل هذا يتحججون بروح النص ومغزاه ومقصده مستبعدين ظاهره الواضح المجمع عليه، بل يتهكمون من “عبادة النصوص”.

بناء على ما سبق فإن العلمانيين “المسلمين” يريدون – في أحسن الأحوال – عقيدة بلا شريعة ودعوة بلا دولة وسلاما بلا جهاد وعبادة بلا معاملة ودنيا بلا آخرة.

  • العلمانيون والتجديد:

يطالب العلمانيون بتجديد الإسلام، والمقصود منه هدم ممنهج للدين، هدم عقدي وروحي وسلوكي، هدم  ليس فيه نقد علمي ولا أمانة في النقل ولا فهم صحيح ولا حتى حياد في التناول والطرح، بل هو نشر للشكوك حول القطعيات والمسلّمات الدينية، وهذا تقليد واضح لنقد أرنست رينان للمسيحية بأسلوبه الفلسفي والتاريخي.

إن العلمانيين يستخدمون مصطلح التاريخانية لدراسة الدين دراسة نقض وهدم لإبطال عصمة الوحي والتشكيك في ثبوت القرآن وصولا إلى إزاحة العامل الديني من ساحة المجتمع المسلم نهائيا كما يؤكد أركون في جميع دراساته.

ونشير إلى أن هذا “التجديد” يتولاه أدباء وكتاب وفنانون وإعلاميون وسياسيون، أي كل من هب ودب… فلسنا أمام علماء أو مفكرين بل أمام محاربين الدَّاء لعقيدة الإسلام وشرائعه وتاريخه وحضارته.

والاجتهاد عندهم لا يعني البحث عن الحكم الشرعي ولكن تطويع النصوص الدينية المحكمة للفكر المعاصر والواقع المعاش، واستحضار نصوص الشرع للهروب منها، وإعطاء العقل بعدا تشريعيا والتمويه على كل هذا  بمقولة “إعطاء العقل أقصى درجات الفاعلية”، ينطبق عليهم قول الإمام الشاطبي:”من نظر إلى طرق أهل البدع في الاستدلال عرف أنها لا تنضبط لأنها سيالة لا تقف عند حد، وعلى كل وجه يصح لكل زائغ وكافر أن يستدل لزيغه وكفره حتى ينسب النِّحلة التي التزمها إلى الشريعة”.

هكذا هو الخطاب العلماني: منهجية انقلابية على الدين الإسلامي والحضارة الإسلامية لانبطاحه التام أمام الواقع الغربي فكرا وحضارة وممارسة فردية وجماعية، فيه التوظيف غير البريء لمسألة المقاصد والمصالح كبديل عن علم أصول الفقه وإعطاء المسألة بعدا بشريا بحتا، أي هو إنكار شمولية الإسلام وثبات الشريعة، وإحلال شريعة العقل محل شريعة الوحي. ويكفي إصرارهم على القطيعة التامة مع التراث المفسر للنص الشرعي والاستخفاف بالفكر التقليدي وحتى بتفسير الرسول صلى الله عليه وسلم للقرآن، وتبنيهم النسبية التامة للنص الشرعي ودلالاته،

نسبية تمتد إلى المعنى والفهم.

وهكذا تدور العلمانية بين كفر مكشوف وآخر مقنع.

(المصدر: صحيفة البصائر الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى