أسس زوال الكيان الصهيوني
بقلم د. عبدالله اليحيى
تتراوح نهاية الكيان الصهيوني بين أسس ثابتة لازمة واضحة، وأخرى خفية، تشير إلى هزيمة هذا الكيان، أو فشله، أو سقوطه، أو تشتته، أو ضموره التدريجي، وهي في مجموعها تتجاوز الزوال إلى الانهيار، وتتسلل في الأطراف والمحاور، والشاعر الصهيوني ناتان زاخ يؤكد: «لا يعتقد أن إسرائيل ستصمد طويلاً»، وأما مائير دغان، الرئيس السابق لجهاز الموساد، فقد قال في مقابلة مع صحيفة «جيروزلم بوست» في أبريل 2012م: «نحن على شفا هاوية، ولا أريد أن أبالغ وأقول كارثة، لكننا نواجه تكهنات سيئة لما سيحدث في المستقبل»، ومن الكتاب اليهود المتميزين الصادقين، الذين تحدثوا عن واقع الكيان بشفافية عالية، وعن خوفهم من نهايته؛ يعبر الباحث السياسي إبراهام بورغ عن هذه المشاعر، من خلال كتابه «لننتصر على هتلر»، وفيه يدعو إلى دولة مشتهاة نظيفة، تمتلك التوازن الروحي، والتحرر من صهيونية هرتزل، وهيمنة المحرقة النازية، والاستقلال عن اليهودية الوراثية، و«الانتقال بها من دولة ومجتمع الصدمة والرعب إلى مستقبل الثقة والتفاؤل»، إلا إنه – أثناء تطلعه – في قلق من أن «المحرقة حاضرة في حياتنا أكثر من الله»، تتحكم في قوة الكيان، وسياسته، وتفكيره، وتشكل هويته، وتسوغ سلوكياته ضد الآخرين، انطلاقاً من الاحتلال، والتهجير، والقمع، والإصرار على: «إما أن أنتصر وأنت ميت، أو أموت أنا»، متكئاً على إيمانه المطلق بقوته، وقوميته التي جعلته في حالة توتر وصدمة، واستحكمت في منهجيته، ورؤيته الإثنية الانتحارية (الأعداء والأضداد)، وكلها تحول دون توجهه نحو المستقبل، مؤكداً أن «تطورنا الطبيعي بصفتنا شعباً جديداً ومجتمعاً جديداً ودولة حديثة قد توقف». ويزيد الكاتب الطين بلة: «إن دولة إسرائيل لا تعرف كيف تبقى موجودة دون نزاع ومواجهات، فإسرائيل في عالم من الهدوء والسكينة، ودولة اليهود من دون ثورات حماسية وحزن وهستيريا متوترة لن تبقى».
ويؤكد ذلك: مكانة الجيش في الكيان، وعدم مبالاة الأغلبية اليهودية في فلسطين بالفلسطينيين والجيران، وتحريض التعليم والإعلام، وتغلغل اليمين الديني في شؤون الحياة، ولا مخرج – في نظر المؤلف – إلا «أن يصبح الشعب اليهودي، ودولته جزءاً عضوياً من البشرية في العالم أجمع، لا مخلوقاً وجودياً مستقلاً مميزاً ومنفصلاً، لا ينتمي إلى التاريخ»، ويتساءل أيضاً: «كيف يمكن مقارنة العالم بشأن المعتقدات القومية الداعية إلى الإبادة»، وخلاصة كتبه ومقالاته تهدف إلى الدعوة للعودة نحو الاعتدال والعقلانية لدى النخب الصهيونية في فلسطين، وفي الشارع العام، ولدى كل التوجهات: القومية، والدينية، والعلمانية. ومع ما في كلمات النخب الصهيونية من قلق على كيانهم، وإشارات واضحة على نهايتهم من خلال التفاصيل الداخلية، إلا إن بعضهم يعود إلى التاريخ؛ فيحذر: إن جيش هتلر وقوته وعنفه، أشد وأقسى من جيشهم، ومع ذلك فشل مشروعه، وفي قلق من تحرر فيتنام، والجزائر، وأفغانستان، ويتذكرون جيداً عمر بن الخطاب، وصلاح الدين، والتتار، والصليبيين، فيشعرون أنهم ضد حركة التاريخ، وأمام حتمية النهاية لكل الغزاة، والسنن الكونية لا تراعي أحداً، ولا تجامل حتى الصهاينة، وصدى مرارة المستقبل تظهر بين حين وآخر في وسائل إعلامهم، وهي تعبر عن رخاوة الوضع الصهيوني في فلسطين من خلال العناوين التالية:
• هل سينقذ نتنياهو الكيان الصهيوني؟
• من سينقذ الكيان الصهيوني من الكيان الصهيوني؟
• نتنياهو ليس الشخص الذي سينقذ الكيان.
• على أوباما تأييد مشروع أبو مازن لإنقاذ الكيان.
• الله سينقذ الكيان الصهيوني.
ومنها – ومن غيرها – تتضح أن نهاية الكيان الصهيوني تزداد يوماً بعد يوم، يؤكد ذلك: حركة المقاومة الفلسطينية، والملل الأمريكي من سلوكيات الكيان، ونهاية دوره الغربي، والهجرة اليهودية منه، وتراجع الهم العسكري فيه، وتآكل وجوده الشرعي، والتصادمات بين فئات مكوناته، ثم إن المفصل المهم والأمر الأول – في أسس زواله – يتجلى من خلال عنصرين مهمين:
أ – القوة العسكرية، التي لا تدوم لدولة، أو شعب، أو أمة، فلها صلاحية محدودة، وعمر افتراضي، ولن تواجه حتمية النهاية إلى الأبد، وإن أجلتها سنوات، ومن المؤكد أن سقوط الدول عِلم له ملامحه، وبداياته، وضوابطه التي لا تحابي أحداً، ولا مفر منها، وكل العلاجات مسكنات، يقول شلومو رايخ: «إسرائيل تركض من نصر إلى نصر حتى تصل إلى نهايتها المحتومة»، وحالته تعبر بوضوح وصدق عن «نظرية عقم الانتصار»، فمن مؤشرات ضعفه، وقرب زواله:
تدهور الأوضاع الأمنية.
تمكن اليمين الصهيوني، واتساع الأصولية اليهودية.
القلق والضغوط لدى المجتمعات اليهودية، والفلسطينية في فلسطين.
الضعف العربي وسلبية القوى الكبرى تنقل القضية من الحكومات إلى الشعوب.
تهميش المبادرة العربية وعدم وجود بديل.
تراجع الروح المعنوية لدى أفراد الجيش الصهيوني، وتفشي الانتحار، ورفض الأوامر.
عبثية مفاوضات السلام، وامتدادها إلى عدة عقود.
خطر السلام على الصهاينة وخطر الحرب، والبقاء بينهما مؤقت.
إصرار الكيان الصهيوني على تكسير العظام قبل إملاء الشروط.
تحول الصهاينة إلى عبء على الغرب.
ب – حقيقة المشروع الصهيوني الذي قام عليه الكيان، ومدى تماسكه، وواقعيته، وتآلفه مع من حوله، والتفاف أصحابه عليه، وإيمانهم به.
وهما مدخلان مهمان في استشراف مستقبل الكيان الصهيوني، وتلمّس نقاط القوة والضعف فيه، وحجم تصديه لعوامل التعرية والنحت من خلال تسليط الأضواء عليهما.
(المصدر: مجلة البيان)