أسباب تأخر المسلمين
بقلم فرج كنيدي
كان الامير شكيب (1869- 1946) على درجة عالية من اليقظة والمعرفة التامة بأحوال الأمة الاسلامية يعرف امراضها ويصف لها الدواء.
يرصد امير البيان والسنان الأمير ” شكيب أرسلان” رحمه الله اسباب تأخر المسلمين فيجعل اهم اسباب تأخرهم وأولها هو “” الجهل “” الذي يجعل فيهم من لا يميز بين الخمر والخل، فيتقبل السفسطة قضية مسلًّمة، ولا يعرف أن يرد عليها. أو يتناول القضايا الكبرى التي لو عُرضت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه لجمع لها كل علماء الصحابة ولم يقطع فيها بأمر إلا بعد مشورتهم وأخذ رأيهم.
ويقول: – ارسلان – ومن اعظم أسباب تأخر المسلمين العلم الناقص، الذي هو أشد من الجهل البسيط؛ لأن الجاهل إذا قيض الله له مرشداً عالماً أطاعه ولم يتفلسف عليه ، فأما صاحب العلم الناقص فهو لا يدري ، ولا يقتنع بأنه لا يدري ، وكما قيل: ابتلاؤكم بجاهل خير من ابتلائكم بشبه عالم.
وما أكثر الجهال الذين تصدروا في حياة الامة السياسية والثقافية والفكرية وتكلم من شاء فيما شاء!!!
ويضيف: ومن أعظم اسباب تأخر المسلمين فساد “الأخلاق” بفقد الفضائل التي حث عليها القرآن ، والعزائم التي حمل عليها سلف هذه الأمة، وبها أدركوا ما أدركوه من الفلاح.
والأخلاق في تكوين الأمم فوق المعارف. ولله در شوقي إذ قال:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ومن أكبر عوامل تقهقر المسلمين فساد أخلاق أمرائهم بنوع خاص ، وظن هؤلاء – إلا من رحم ربك – أن الأمة خُلقت لهم أن يفعلوا بها ما يشاؤون، فهي ملك لهم إما وراثة أو بالتغلب والقهر، وقد رسخ فيهم هذا الفكر حتى إذ حاول محاول أن يقيمهم على الجادة بطشوا به عبرة لغيره.
ويضيف قائلا: وجاء دور العلماء المتزلفون لأولئك المتقلبون في نعمائهم ، الضاربون بالملاعق في حلوائهم , وأفتوا لهم بجواز قتل ذلك الناصح بحجة أنه شق عصا الطاعة, وخرج عن الجماعة.
ولقد عهد الإسلام إلى العلماء بتقويم أود الأمراء- كلمة حق امام سلطان جائر-. وكانوا في الدول الإسلامية الراشدة الفاضلة بمثابة المجالس النيابية في هذا العصر، يوجهون على الأمة ويسددون خطوات الملك، ويرفعون أصواتهم عند طغيان الدولة، ويهيبون بالخليفة فمن بعده إلى الصواب.
وهكذا كانت تستقيم الأمور؛ لأن أكثر أولئك العلماء كانوا متحققين بالزهد، متحلين بالورع ، متخليين عن حظوظ الدنيا ، لا يهمهم أغضب الملك الظالم الجبار أم رضي ، فكان الخلائف والملوك يرهبونهم ويخشون مخالفتهم يعلمون من انقياد العامة لهم، واعتقاد الأمة إمامتهم.
إلا أنه بمرور الأيام خلف من بعد هؤلاء خلف أتخذوا العلم مهنة للعيش وجعلوا الدين مصيدة للدنيا ، فسوغوا للفاسقين من الأمراء أشنع موبقاتهم ، وأباحوا لهم – باسم الدين – خرق حدود الدين؛ هذا والعامة المساكين مخدوعون بعظمة عمائم هؤلاء العلماء وعلو مناصبهم يضنون فُتياهم صحيحة، وآراءهم موافقة للشريعة، والفساد بذلك يعظم ، ومصالح الأمة تذهب، والاسلام يتقهقر، والعدو يعلوا ويتنمر، وكل هذا إثمه في رقاب هؤلاء العلماء الذين اشتروا الحياة الدنيا وفرطوا في حقوق الامة وبرروا للاستبداد وقهر العباد.
ومن أعظم عوامل تقهقر المسلمين الركون والدعة والجبن والهلع، بعد أن كانوا أشهر الأمم في الشجاعة واحتقار الموت، يقوم واحدهم للعشرة وربما للمئة من غيرهم. فالآن أصبحوا – إلا بعض قبائل منهم – يهابون الموت الذي لا يجتمع خوفه مع الإسلام في قلب واحد!!!.
وبهذه الصورة المختصرة والمباشرة يشخص أرسلان أسباب تأخر المسلمين وتقدم غيرهم ويضع يده على موضع الداء منبها الامة جميعا وعلى راسها العلماء على خطورة هذه الاسباب وداعيا إلى معالجتها والاخذ بأسباب التخلص منها، والعودة إلى اصولها لاستعادة ماضيها المشرف، وللأخذ ايضا بأسباب النهضة، والتقدم الذي أحرزته غيرها من الأمم بل سبقتها فيه ، واستعمرتها، وسامتها ذل الاحتلال والاستعمار المباشر والغير مباشر.
ويحدد ارسلان المسؤول عن هذا التأخر في الحكام من خلال تجاوزهم وتعديهم على حقوق الامة، والعلماء الذين يبررون هذا التعدي باسم الدين.
المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين