أساليب الصهاينة في المفاوضات
بقلم مصطفى أبو السعود
(أظن أننا في حالة الحرب وفي حالة السلام معاً نحتاج لمعرفةٍ أكثر “بإسرائيل”، فليس هناك من يستطيع أن يحارب أو يسالم طرفاً لا يعرفه) هكذا قال “محمد حسنين هيكل” في تقديمه كتاب “الصهيونية والنازية، ونهاية التاريخ “للدكتور عبد الوهاب المسيري”.
ما قاله “هيكل” ليس اختراعاً بقدر ما هو انسجام مع ما قيل (من تعلم لغة قومٍ أمن مكرهم)، وأرى أن مصطلح اللغة لا يقتصر على معرفة مباني الكلمات، بل يتجاوزها لمعرفة مبانيها ومغازيها و ما تشكله من أفكار ومعتقدات.
يضيف هيكل في ذات المقدمة أنه (في وقت من الأوقات وُجدت محاولات لمعرفة “اسرائيل” تحت شعار “اعرف عدوك”، لكن هذه المعرفة كانت نوعاً من التعبئة المشحونة فات وقته، ولعل المحاولة منذ البداية كانت متخلفة من الأساس).
ما طرحه “هيكل” يدفعنا للتساؤل هل يتم التفاوض مع اليهود انطلاقا من معرفة مسبقة بأفكارهم وأساليبهم؟ إن كان الجواب “نعم” فتلك مصيبة وإن كان “لا” فالمصيبة أعظم.
التفاوض هو حوار تقوم فلسفته على أساس الوصول لحلول مقبولة تسهم في تحقيق مصلحة طرفين أو أكثر يربطهم موقف مشترك، وهذا عُرفٌ معمول به، وإن اختلف آليات ووسائل التفاوض وفقا لظروف الزمان والمكان، لكن التفاوض مع اليهود يأخذ جانباً آخر، فتاريخياً أثبتوا أنهم أهل جدال ومراوغة حتى أن القرآن الكريم ذكر فلسفتهم العقيمة في الحوار والجدال لمن يخالفهم، فقد جادلوا الله في قضايا كثيرة واهمها البقرة.
لو نظرنا لفلسفة الصهاينة في المفاوضات لوجدنا أنهم:
1_ يستخدمون المماطلة والتسويف، وهذا ما قاله رئيس وزراء اسرائيل الأسبق إسحاق شامير “سنفاوض الفلسطينيين 20 عاماً دون أن نتنازل لهم عن شيء”.
2_ يوهمون عدوهم بأنهم سيعطونه ما يريد بشرط أن يلتزم بالتنفيذ، وما أن يبدأ التنفيذ حتى ينكثوا عهودهم، وهذا ديدنهم أخبرنا عنه القرآن الكريم” كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم”.
3_استخدام ألفاظ دقيقة فيما يتعلق بمطالبهم، واستخدام ألفاظ فضفاضة فيما يتعلق بحقوق غيرهم، وخير دليل ما ورد في اتفاق اوسلو حيث أوقعوا المفاوض الفلسطيني في فخ عدم التمييز بين الانسحاب من الاراضي المحتلة عام 1967 والانسحاب من أراضي محتلة عام 1967 ، وبين نواصي ومواصي، والشواهد كثيرة.
4_ تجزئة القضايا، بحيث يكون التفاوض على مسألةٍ ما، فيطرحون مسألة اخرى قد تكون مهمة، لكنها ليست على جدول الأعمال، وهنا نستذكر قول “شمعون بيرس” أحد مؤسسي دولة الاحتلال “التفاوض بشأن الفقر أكثر أهمية من التفاوض بشأن السلام، لأنه إذا نجوت من الفقر، فقد تستطيع الوصول إلى السلام في أقرب وقت، لأن الفقر والبطالة من منابع الإرهاب والعنف أيضا.
5_ تأجيل التفاوض فيما يهم خصمهم، وتعجيل التفاوض على قضاياهم مثلما حدث في تأجيل التفاوض على مسائل مثل القدس والحدود واللاجئين إلى الحل النهائي، وعجلوا ما يهمهم مثل الأمن.
في حالة التهدئة بين المقاومة والاحتلال فلطالما ماطل الاحتلال في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، فهو يختلق الاعذار والمبررات لعدم تنفيذه، وفي أحسن الأحوال يخلق شروطاً جديدة لتنفيذ تفاهمات قديمة، فتارة يطالب بتوقيف مسيرة العودة وتارة بإيقاف الفعاليات الخشنة ، وكل يوم هو في حال جديدة، وفي أحسن الأحوال فإنه حين ينفذ يكون التنفيذ ببطء.
يبقى التأكيد على ضرورة فهم عقلية ونفسية اليهود حين نفاوضهم، قبل أن ندخل غمار التفاوض ، وعلى من يفاوضهم أن يبقي يديه على الزناد، لأن اليهود لا يحترمون إلا الأقوياء ،وهذا جاء في كتاب احد مؤسسي دولة الاحتلال ” شمعون بيرس ” في كتابه ” الشرق الأوسط الجديد” (نحن لا نخاف ممن يتكلم ، نعمل حساب لمن يفعل وينفذ).
(المصدر: موقع بصائر)