أسئلة معرفية صادمة لمن يهمهم أمر تحرير المسجد الأقصى المبارك؟
بقلم البروفيسور د. عبد الفتاح العويسي – أستاذ العلاقات الدولية بعدد من الجامعات العالمية، ومؤسس المشروع الحضاري المعرفي العالمي لبيت المقدس (خاص بالمنتدى)
فيما يلي خمسة أسئلة معرفية استراتيجية جوهرية وصادمة لمن يهمهم أمر تحرير المسجد الأقصى المبارك، ولمن يتصدرون المشهد السياسي والعسكري في فلسطين بحركاتهم ومؤسساتهم، وللقوى الحية في أمتنا المسلمة بحركاتها ومؤسساتها، بحاجة ماسة وعاجلة إلى التأمل بها بعمق، لعلها تدفع إلى مراجعة حقيقية وجادة.
السؤال الأول: لمن يهمهم أمر تحرير المسجد الأقصى المبارك؟!
بعد مرور أكثر من 100 سنة على احتلال الأرض المقدسة المباركة (بيت المقدس) من قبل المستعمر البريطاني في 1917، هل يعقل أن أمتنا المسلمة وقواها الحية وحركاتها ومؤسساتها، لا يوجد لديها خطة استراتيجة للتحرير القادم للمسجد الأقصى المبارك؟!
فمع الأسف الشديد، كل ما تقوم به تلك القوى الحية ولاسيما السياسية والعسكرية والإغاثية منها، هو تطفأة الحرائق التي يشعلها العدو، وتدور في فلك ردود الفعل!!!
السؤال الثاني لمن يتصدرون المشهد السياسي والعسكري في فلسطين بحركاتهم ومؤسساتهم؟!
بعد مرور أكثر من 100 سنة على العمل السياسي والعسكري لأهل فلسطين، سواء من قواه الوطنية أو الإسلامية، منذ الإحتلال الاستعماري البريطاني لبيت المقدس ومسجده الأقصى المبارك في 1917 ومرورا بقيام الدولة العازل/الكيان الصهيوني في 1948، الذي أصبح قوة إقليمية بعد مسرحية 1967، والتضحيات الكبيرة والضخمة التي قدمها أهل فلسطين نتيحة لعملهم السياسي والعسكري، لماذا لم يتمكن/”فشل” من يتصدرون المشهد السياسي والعسكري من أهل فلسطين من خلال عملهم السياسي والعسكري حتى الآن من تحرير الأرض المقدسة المباركة ومسجدها الأقصى المبارك؟!
مع أن الأمة المسلمة – كما تقول قواها الحية وحركاتها ومؤسساتها، كما سمعتها خلال تطوافي وإقامتي لعدة أشهر متتالية في عدد من البلاد المسلمة (غير العربية) هذا العام (2022) – “لم تقصر في تقديم الدعم المالي والإغاثي لأهل فلسطين عندما كان يطلب منها أن تجود بأموالها، وتخرج في مظاهرات عارمة في عواصمها للتنديد بما يتعرض له أهل فلسطين من ظلم وعدوان وإعتداءات، وتشارك في المؤتمرات الاحتفالية الموسمية التي تقيمها المؤسسات والمكاتب والائتلافات الفلسطينية التي أنشأت في الخارج لنصرة القدس والاقصى”.
وتتسأل هذه القوى الحية في الأمة المسلمة: لماذا لم يتمكن/”فشل” من يتصدرون المشهد السياسي والعسكري من أهل فلسطين من خلال عملهم السياسي والعسكري حتى الآن من تحرير الأرض المقدسة المباركة ومسجدها الأقصى المبارك؟!
السؤال الثالث: سؤال للقوى الحية في أمتنا المسلمة بحركاتها ومؤسساتها؟!
بعد مرور أكثر من 100 سنة على بداية تنفيذ المشروع الصليبي الاستعماري الغربي في المشرق الإسلامي (بشقيه: الدولة العازل/الكيان الصهيوني، وأنظمة الاستبداد والاستعباد والفساد والتبعية في المنطقةالعربية) باحتلال المستعمر البريطاني بداية لمصر في 1882 ثم إحتلاله لبيت المقدس ومسجده الأقصى المبارك في 1917، لماذا تركت الأمة المسلمة – بقواها الحية وحركاتها ومؤسساتها – تحرير المسجد الأقصى المبارك لمن يتصدرون المشهد السياسي والعسكري من أهل فلسطين (ربما بحجة فقهية، تقول أن هذا واجبهم ومسؤوليتهم، وأنهم الأولى للقيام بهذه المهمة!، أو ربما هروبا من المسؤولية الكبرى)، وإكتفت الأمة المسلمة بتقديم الدعم المالي والإغاثي عندما كان يطلب منها أن تجود بأموالها، وبتنظيم المظاهرات في عواصمهم والمشاركة في فعاليات إحتفالية مؤسمية فلسطينية
كيف تركت الأمة المسلمة هذه المهمة الكبرى لمن يتصدرون المشهد السياسي والعسكري من أهل فلسطين؟! الذين – مع الأسف الشديد – لم يتمكنوا/”فشلوا” في المائة سنة الماضية (منذ 1917) من التحرير حتى الآن. بل كيف تترك الأمة المسلمة هذه المهمة المقدسة، وهى تقول: أن قضية الأرض المقدسة المباركة (بيت المقدس) ومسجدها الأقصى المبارك ليست قضية أهل فلسطين أو العرب لوحدهم، بل قضية كل مسلم، لأنها قضية إسلامية عقائدية.
السؤال الرابع: ماهي مشكلتنا العويصة التي نعاني منها؟
مشكلتنا العويصة التي تعاني منها تنقسم إلي قسمين:
القسم الاول يتمثل في أن أمتنا المسلمة – بقواها الحية وحركاتها ومؤسساتها – تركت مهمة التحرير والإعداد للتحرير وقيادته لأهل فلسطين، واكتفت بمهمة جمع التبرعات وإرسالها إلى القوى السياسية والعسكرية من أهل فلسطين الذين يتصدرون المشهد السياسي والعسكري، وتنظيم المظاهرات في عواصمهم والمشاركة في فعاليات فلسطينية إحتفالية. وظنوا/أقنعوا أنفسهم أنهم بهذا قد ساهموا بل حرروا فعليا المسجد الأقصى المبارك.
لا شك أن حصر دور الأمة المسلمة فقط بجمع التبرعات وتقديم الدعم المالي والإغاثي، وتنظيم المظاهرات، دون المساهمة الفعلية في الإعداد للتحرير – بجميع مستوياته – وقيادته، هو بدون أدنى شك هروبا من المسؤولية والمهمة الكبرى، بل كارثة وطامة كبرى، ويخالف حركة التاريخ التي تعلمناها من التحرير الأول الذي قطف ثمرته الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والتحرير الثاني الذي قطف ثمرته الناصر صلاح الدين الأيوبي رضى الله عنه.
أما الشق الثاني لمشكلتنا العويصة التي نعاني منها، فهي أن من يتصدرون المشهد السياسي حاليا من السياسيين والعسكريين الفلسطينيين – سواء من الوطنيين أو الاسلاميين – يعتقدون إعتقادا جازما، أنهم بما لديهم من مؤهلات (الدال نقطة: د.) وتجارب وعلاقات وشبكات تواصل، ليسوا بحاجة إلى العلم النافع والمعرفة النافعة، لأنهم بالإضافة إلى كونهم من السياسيين والعسكريين، فهم أيضا من العلماء. بل الأدهى أن كلاهما: الاتجاه الوطني والاتجاه الإسلامي يستدعون علماء الشريعة – الذين يتبعون تنظيماتهم – لتبرير قراراتهم وإضفاء شرعية على ممارساتهم السياسية الميكافلية، ب “”تبريرات دينية” أو “تخريجات شرعية” أو “حيل فقهية” أو “فتاوى شرعية”.
مشكلتهم العويصة، أنهم أسسوا المكاتب السياسية والأجهزة/الكتائب العسكرية، وغيرها من المكاتب والأجهزة والهيئات، ولكنهم – مع الأسف الشديد – لم يؤسسوا الجهاز المعرفي. بل كل ما فعلوه أنهم أنشاؤا مراكز ثقافية ديكورية تخدم قراراتهم السياسية والعسكرية. وبالتالي لم ينتجوا، ولا يوجد لديهم خطه استراتيجية لتحرير المسجد الأقصى المبارك. بل – مع الأسف الشديد – تغافلوا/تناسوا أن البعد العلمي والمعرفي يمثل الأساس الذي يجب أن تبني عليه جميع القرارات والممارسات. فكل عمل لا ينبني على أساس معرفي، مصيره الحتمي الفشل. فالعمل السياسي والعسكري بدون بناء معرفي ممنهج، ومنظومة معرفية متكاملة، كارثة بل طامة كبرى.
السؤال الخامس: لماذا نخالف منهجية من حرروا المسجد الأقصى المبارك سابقا، ولا نسير على خطاهم؟
الاحتلال الحالى للمسجد الأقصى المبارك، ليس هو أول احتلال. وبالتالي عندما ندرس الخطط الاستراتيجية التي وضعت، والمنهجية التي اعتمدتها قيادة الأمة المسلمة للتحرير من جميع الاحتلالات السابقة، سنجد أننا – مع الأسف الشديد – لا يوجد لدينا أولا خطة استراتيجية للتحرير القادم، كما أوضحت في التوصيف الدقيق. بل الكارثة والطامة الكبرى، أننا نخالف منهجية من حرروا المسجد الأقصى المبارك سابقا، ولا نسير على خطاهم.
فالأمة المسلمة – بقواها الحية وحركاتها ومؤسساتها، ومن يتصدرون المشهد السياسي والعسكري في فلسطين من الإسلاميبن بحركاتهم ومؤسساتهم، ومن يهمهم أمر تحرير المسجد الأقصى المبارك – لم يفطنوا إلى منهجية منسية، “منهحية التخصص والتكامل” التي إعتمدها جميع القادة من المحررين السابقين، والحاجة الماسة والضرورية لتكامل العمل السياسي والعسكري، بل تحالفه مع المعرفة، كما فطن لها – على سبيل المثال، زمن الاحتلال الفرنجي/الصليبي – علماء الأمة المسلمة بداية ثم عماد الدين زنكي وإبنه نور الدين زنكي وتلميذه صلاح الدين الأيوبي، حيث أثمرت جهودهما في نهاية المطاف إلى تحرير المسجد الأقصى المبارك. وكما فطن إلى تلك العلاقة الاستراتيجية بين “السلطة والمعرفة” المستعمر الصليبي الذي نجح في إستعمارنا في المائة سنة الماضية ولا زال، من خلال تحالفه مع المعرفة.
فإذا كنا نعمل بحق، وهمنا هو تحرير المسجد الأقصى المبارك، علينا أن نعيد التأمل في المنهجية التالية التي قالها الناصر صلاح الدين الأيوبي لجنودة في المسجد الأقصى المبارك يوم تحريره: “لا تظنوا أني فتحت البلاد بسيوفكم، بل فتحتها بقلم القاضي الفاضل”. بلغة زماننا، قال الناصر صلاح الدين الأيوبي للجهاز العسكري – وقد أنجز المهمة بنجاح كبير: لا تظنوا أني حررت المسجد الأقصى بقوتكم العسكرية وبما تملكون من أسلحة وعتاد، بل حررت المسجد الأقصى بالعلم والمعرفة التي كان يمثلها سلطان العلماء في ذلك الزمان، الرجل الثاني في الدولة: عبد الرحيم البيساني.
زبدة الزبدة في هذا المجال، بدون هذا التحالف – في زماننا الحالي – بين “السلطة الراشدة” ممثلة بمن يتصدرون المشهد السياسي والعسكري، و”المعرفة” ممثلة بعلماء الأمة (ولا أقصد علماء الشريعة فقط)، بل علماء الأمة في جميع التخصصات، ولاسيما علماء العلوم الإجتماعية؛ الذين فرغوا أنفسهم لعقود طويلة من الزمن في البحث والتمحيص عن الأرض المقدسة المباركة (بيت المقدس)، وقدموا/يقدمون للأمة خلاصة بحوثهم من “العلم النافع” الذي يحرك المياه الراكدة نحو التفكير الاستراتيجي، الذي يقود إلى التخطيط الاستراتيحي.
بدون هذا، سنبقى ندور في دائرة ردة الفعل، ونتخبط في القرارات والممارسات الميكافلية، التي سيكون لها تأثير عميق وسلبي لدى أبناء وبنات أمتنا المكلومة والمنكوبة، ولن ننتج خطة استراتيجية للتحرير القادم للمسجد الأقصى المبارك – كالخطط الاستراتيجية التي وضعت زمن الاحتلالات السابقة – والتي كانت مبنية على ثلاثة أركان محورية ومركزية: الإعداد المعرفي، والإعداد السياسي والإعداد العسكري، وقاعدتها الأساسية الإعداد المعرفي، والتكامل بين المعرفة والعمل السياسي والعسكري وغير متنافر معها.
هذه أسئلة معرفية استراتيجية جوهرية، قد لا تعجب بعض من يتصدرون المشهد السياسي والعسكري الحالي، ولكن لو كنت مكانهم لتأملت بها بعمق، ودفعتني إلى مراجعة حقيقية وجادة، فهي أسئلة مهمة تبحث عن إجابات ممن يهمهم الأمر، ويعملون للتحرير القادم للمسجد الأقصى المبارك.
وأذكر بأن المعرفة لا تقود إلى التغيير والتحرير والعمران كما قد يفهم خطأ، بل – كما نقول منذ عقود – المعرفة تقود التغيير والتحرير والعمران.