أسئلة النهضة والخروج من المأزق الراهن (1-3)
بقلم د. محمد عياش الكبيسي
في ندوة مختصرة خلال الأسبوع الماضي لخّص المفكّر القطري المعروف الدكتور جاسم سلطان أسئلة الشباب حول إشكالات النهضة، ومحاولات الخروج من المأزق الراهن بالأسئلة الثلاثة الآتية:
1 – متى تكون المفاهيم الدينيّة عائقاً عن النهوض؟
2 – من أين يبدأ الإصلاح؟ من القمّة نزولاً نحو القاعدة؟ أم من القاعدة صعوداً نحو القمّة؟
3- ما جدوى العمل إذا كنّا محكومين بالقوى العالمية والدولية والتي لا تريد لنا النهوض؟
وعلى صحيفة «العرب» أحببت أن أساهم في صياغة الجواب، وبحسب تسلسل الأسئلة:
بداية نعم، المفاهيم الدينية ممكن أن تكون جزءاً من الحل وسبباً للنهوض، وممكن أن تكون جزءاً من المشكلة وسبباً في الهبوط، ذلك لأن المفاهيم الدينية لا تعبّر عن الدين نفسه، وإنما هي تصوّرات المتديّنين عن الدين بحسب وعيهم وثقافتهم، وأذكر بهذا الصدد مقالة قديمة -لا يحضرني اسم كاتبها- كان يعلّق فيها على احتفال الإسلاميين ببوادر سقوط الاتحاد السوفيتي ودور «الجهاد الأفغاني» في ذلك، ومما أذكره أنه قال: هل غياب القطب المنافس لأميركا من مصلحتنا نحن المسلمين؟ ألا يمكن أن يتفرّغ الأميركيون بعد ذلك لنا وحدنا؟ ثمّ نبّه إلى نقطة أخرى بقوله: هل بحثتم في الأسباب الداخلية التي أدّت إلى تدهور التجربة السوفيتية، والتي يمكن أن يكون على رأسها؛ المركزية الشديدة التي دمّرت الطاقات، وقتلت الإبداع، وقضت على روح التنافس الإيجابي، وأضعفت المشاركة الفعلية في صناعة الحل، وكل ذلك عندنا، فهذه هي ثقافتنا الدينية وطريقتنا في العمل «البيعة» و «السمع والطاعة» بلا مراجعة ولا تقويم، والتي لا تسمح للأفراد -في كثير من الأحيان- حتى بالسؤال، فيظن «الأخ» أنه يسير خلف قيادة عالمة بكل شيء، وقادرة على كل شيء، ليكتشف فيما بعد -وبأول اختبار- أن كثيراً من الناس العاديين كانوا أوعى من قادته!
لقد كان ذلك المقال مبكراً في نقد الظاهرة، وموجهاً بشكل خاص ومباشر إلى الجماعات الإسلامية الحركية، لكننا اليوم في الحقيقة نعاني من مفاهيم دينية شائعة ومؤثّرة لكنها مغلوطة وعلى كل المستويات، وهي تمثّل عقبة أو عقبات في طريق النهوض، بداية من طريقة التفكير في تصوّر المشكلة وقراءة الواقع والإمكانيّات المتاحة، وصولاً إلى خلط المفاهيم الدينية، واضطراب التفسيرات الغيبية، والتي تجعل الإنسان كأنه يعيش في متاهة لا يحكمها عقل ولا يضبطها قياس، فالله -مثلاً- لم ينصر المسلمين في معركة أحد، بسبب ذنب «اجتهاديّ» ارتكبه الرماة، أو بسبب تقصير الصحابة في سنّة السواك -وهذا خطاب متكرر- لكننا نرى أن الله ينصر الحجّاج مع شدّة ظلمه، ويفتح على يديه ما لم يفتحه على يد أحد غيره.
شيخ يكتب بحثاً «علميّاً» عن «العين» ليثبت بالأدلة الدينيّة أن أكثر من 50 % من المسلمين يموتون بسبب العين، وعليه فربما لا يحتاج السوريون إلا إلى رقية شرعية من هذا الشيخ.
وآخر يقول: الحمد لله الذي سخّر الكفّار لأنواع الصناعات لنستعين بها ولنتفرّغ لعبادته!
وجماعة تنتكس في الانتخابات البرلمانية، فيكتب موجهها التربوي: هذا هو التمحيص الربّاني «وقليل من عبادي الشكور».
لا شك أن الدين بهذه المفاهيم سيكون عائقا وليس حلّاً.
(المصدر: صحيفة العرب الالكترونية)