تقارير وإضاءاتمقالاتمقالات المنتدى

أزمة الأزهر مع الإنقلابيين

أزمة الأزهر مع الإنقلابيين

تقرير خاص بمنتدى العلماء

تشهد الأزمة بين مؤسسة الأزهر والنظام تطورات مثيرة، خاصة بعد البيان الذي أصدرته هيئة كبار العلماء في الأزهر، والذي هاجم المطالبين بتعديل مناهج الأزهر، فما هي أبعاد هذا الصراع؟ وما هي كواليسه وحقائقه التي تخفى على كثير من المتابعين لهذا الشأن؟

للوصول إلى مقاربة معقولة في أمر ما، يجب الانطلاق من مقدمات و وقائع واضحة تخص ذلك الأمر للوصول إلى جوانب من الحقيقة وليس إلى مظاهر مزيفة خادعة.

وبالرجوع قليلاً إلى الوراء نستطيع أن نستخلص شكل العلاقة بين السيسي ومؤسسة الأزهر وهيئة كبار العلماء فيه -وهي أعلى مرجعية دينية تابعة للأزهر- من خلال النظر والتأمل في الأحداث التالية:

  • طائر الانقلاب العسكري طار بجناحين، أولهما السيسي وأعوانه في المؤسسة العسكرية الذين أمعنوا في التنكيل والبطش بمن عارضهم -وسيفعلون ذلك لاحقاً بمن ساندهم أيضاً- وثانيهما هو مؤسسة الأزهر برؤوسه المعممة التي سايرت رأسها الكبير، وقد صفّرت وصفقت باقي المؤسسات كالقضاء والإعلام لهذا الطير كي يطير بارتفاع أعلى صاعداً على جثث الأبرياء من المسلمين.
  • رأس الأزهر “أحمد الطيب” شرعن الإنقلاب بطريقة ماكرة فوصف الانقلاب بأنه “أخف الضررين” وذلك عشية إعلان السيسي للانقلاب على الرئيس الشرعي الدكتور محمد مرسي.
  • أحمد الطيب قام بتشكيل هيئة كبار العلماء بتكليف من المجلس العسكري، حيث أن آخر قرار صدر عن المجلس العسكري قبل تسلم الدكتور مرسي الحكم بساعات قليلة، كان قرار تشكيل هيئة كبار العلماء.
  • هيئة كبار العلماء تتألف من “علماء العسكر” ابتداءً بأحمد الطيب عضو لجنة أمانة السياسات سابقاً في عهد مبارك، وأحد مشرعني الانقلاب، وأحمد عمر هاشم رجل كل الأنظمة العسكرية، وعلي جمعة المعروف بحثه للعسكر على القتل بعبارته المشهورة “اضرب في المليان”، وغيرهم، وليس فيها من  الشخصيات التي لها مصداقية لدى المسلمين إلا ثلاث علماء هم:  الدكتور يوسف القرضاوي الذي استقال فيما بعد، والدكتور محمد عمارة، والدكتور حسن الشافعي، لكنها غير مؤثرة عند التصويت لقلة عددها، وهؤلاء الثلاثة هم الذين أعلنوا موقفهم الرافض للانقلاب صراحة.
  • السكوت المتعمد، أمام ما يراه شيوخ الأزهر من جرائم العسكر بحق المسلمين في مصر.

بهذه الأمور وغيرها يتضح  أن شكل العلاقة بين المؤسسة العسكرية والأزهر هي علاقة الطاغية بعلماء البلاط، علاقة تبادل منافع، وفي الوقت نفسه علاقة عاجز بمستبد، ولم تأخذ أي منحى آخر حتى حصول الأزمة الراهنة بين العسكر والأزهر.

ويمكن التساؤل هنا هل يعقل أن لجنة أو هيئة تشكلت بأمر من المجلس العسكري وهي أداة من أدواته، أن تكون يوماً ضده؟ أو تكون هي حامي حمى الإسلام بوجه الانقلابيين الذين يريدون طمس معالم الدين وهوية مصر الإسلامية شيئاً فشيئا؟؟!!

لعل من الأسباب ان ذلك نتاج العقلية العسكرية،ومحاولات السيسي استرضاء الغرب وارسال رسالة له بأنه هو القادر على تغيير ما يسميه التفكير التقليدي في الإسلام، واستنبات اسلام جديد يرضي القوى المؤثرة في الغرب ويرضي الكيان الصهيوني، وهذا ما دفع السيسي لتكرار هجومه على الإسلام مرة من الأزهر نفسه وبحضور علمائه، ومرات أخرى في مناسبات مختلفة، ثم في هذه المرة بعد تفجيرات الكنائس -والتي تحوم شكوك حول الجهة المنفذة والمستفيدة- تكلم السيسي كلاماً يدين فيه الأزهر مباشرة ويتهم مناهجه وعلومه.

عند هذا الحد لم يكن أمام العمائم التي تطوعت في الانقلاب إلا أن تصدر بياناً، يدافع عن الأزهر كمؤسسة ولكنه بالقدر ذاته يدافع عن العلماء الكبار فيه، وخاصة شيخ الأزهر الذي لا شك أنه يتحسس صدور عزله من مشيخة الأزهر في أي لحظة شاء فيها العسكر ذلك، وهو يدرك وكذلك من معه من الشيوخ أنه لايوجد لهم رصيد عند الشعب المصري ولا عند العالم الإسلامي بعد أن أراقوا كل أرصدتهم في خزانة المجلس العسكري الذي عينهم والذي يقدر على إزالتهم في أية لحظة.

وهنا تتجلى عدة حقائق فيما يتعلق بعلاقة العلماء بالحكام، من أهمها أن العالم الذي يقبل الإملاء أولاً لا يمكنه أن يتوقف وسط السطر، و أن ارتهان المؤسسات العلمائية بكرسي السلطة سيجعلها في مرتبة الخادم الذي يجب عليه -مع المحافظة على الأبهة الخارجية- أن يقدم فروض الخدمة كاملة غير منقوصة.

و في الحديث عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “من بدا جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى أبواب السلاطين افتتن، وما ازداد أحد من السلطان قرباً إلا ازداد من الله بعداً” [1].

[1] أخرجه أحمد والبيهقي بسند صحيح، وذكره الألباني في (الأحاديث الصحيحة). ج / 3 ، ص: 276 ، برقم: 1272.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى