أدوات تساعدك لتفكيك خطاب الجامية
بقلم محمد جلال القصاص
بعد أن شب الشيخ الدكتور سفر الحوالي واشتد جمَّع العلماء والدعاء في مؤتمر شهير افتتح به مركزًا بحثيًا لترجمة كتاب (الجواب الصحيح على من بدَّل دين المسيح) لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، وبعد أن أثمرت الصحوة في الخليج إصلاحيون يسألون السلطة: من أين اكتسبته؟، وفيما تنفقه؟، ويطالبون ببعض حقوقهم. بعد أن أصبح المشهد في طريقه لاصطفافٍ نصحًا للداخل وصدًا للعولمة الغربية وخاصة في بعدها الثقافي والمندسين في ثنايا البعد الثقافي من المنصرين؛ عندها كان الحل في توطين الجامية في ربوع الحالة الإسلامية.
وحين كثر ظلم السلطة في الجزائر، وتوالت الانتفاضات في الشوارع دفعًا للظلم وبحثًا عن القوت، وتقدم الإسلاميون الصفوف دفاعًا عن المظلومين وحلًا لمشاكلهم بما أنزل الله على رسوله، صلى الله عليه وسلم، ووقع الصدام مع السلطة واتجهت جل الحركات الإسلامية للصدام المسلح مع السلطة ظهر الفكر الجامي في مسارين متضادين: المسار الأول: في صفوف الحالة الإسلامية المقاتلة، تحديدًا في شخص (جمال زيتوني) وخليفته (عنتر الزوابري) وهما نقطة الانحراف الرئيسية في التجربة الجزائرية؛ والمسار الثاني: في يد الدولة كبديل للمقاتلين على المنابر.. بين الأهالي يحدثونهم بوجوب طاعة ولي الأمر مها فعل.
وحين تستعرض نقاشات الجامية في المنتديات ترى بوضوح حالة من العجب والكبر والقسوة وسوء الخلق على القريب قبل البعيد. وحالة من التشظي المستمر. والسؤال: ما هو الخيط الناظم؟!، ما هو مفتاح هذه الشخصية؟! الحالة الجامية تقرأ الدين من منظور: بدعي وسني فقط. فأي قول- أو فعلٍ- عندها إما سنة وإما بدعة، وكل واحدٍ منهم يحكم بموجب فهمه هو للدين. ورد المبتدع عندها مقدم على كل شيء.. رد المبتدع عندها أفضل من كل العبادات!
ولذا كانت بدايتهم من (التصفية) قبل (التحلية)؛ راحوا يصفُّون المناهج الشرعية من شوائب البدعة؛ وتاهوا ولم يرجعوا. حاولوا إخراج شيء منضبط لا خلاف عليه ولذا انقسموا بعدد أفرادهم، وينقسمون باستمرار. ولذا كانت معاركهم كلها مع الداخل.. داخلهم هم.. ثم داخل الحالة الإسلامية. فالجامية نار مضطرمة تأكل بعضها قبل من يقربها.
تصلح مؤقتًا. حال الأزمة فقط. لإرباك المعارضين للسلطة وإشغالهم؛ أو لاختراق الفكر المعارض ومن ثم تحريفه. فالمتأمل في الحالة الجزائرية -مثلًا- يجد أنها انحرفت بشخصين (جمال زيتوني، وعنتر الزوابري)، وكلاهما حديث السن (عشريني) لم يتلق علمًا على يد علماء. وكلاهما يؤمن بما تؤمن به الجامية من ثنائية السنة والبدعة ووجوب رد المبتدع وإن بقتاله. وكلاهما يؤمن بأنه يمثل الدين الصحيح!؛ ولذا اتجها إلى الحسم مع الداخل، فكانت واحدة من أسوأ ما سطر على صفحات التاريخ: قتل للنساء والأطفال والعزل من الرجال وإخوان الصف فقط لأنهم مبتدعة!
ولا أستبعد فكرة الاختراق، وخاصة من الأعوان المقربين (المستشارين وما أشبه)، ولكن الاختراق لا يعمل إلا من خلال فكرة.. وهي هذه: تبديع المخالف وإن في مسألة فرعية ثم محاولة الحسم معه. هي هذه الجامية.. مطية كل مخرب. وخطاب الجامية عن (تأليه الحاكم)، أو ما يفهم منه أنه خليفة الله في أرضه لا يستمر طويلًا.. لا يجد من يصغي له، فالناس خلف مصالحهم، يحبون من يقضي حاجتهم وإن كان كافرًا. الجدال النظري لا يصغي إليه عشر معشار من يسمعه. الكتلة الكبيرة من الناس تتحرك خلف مصالحها فقط. ولن تمكث طويلًا حتى تضم هؤلاء بجوار السلطة وتصغي من جديد لمن يعارض الجامية والسلطة!
وإن كنت في شكٍ من قولي فتأمل حال كثيرٍ من الدعاء من أصحاب الجماهير العريضة حين لم يتبنوا خطاب المعارضة للسلطة الظالمة.. حين لم يصطفوا مع الجمهور، كيف رحلوا؟! الجمهور له عقل خاص.. له أهداف خاصة به، تتمحور حول مأكله ومشربه ومسكنه، ويسكن للإسلاميين لما يراه فيهم من صدق في إعانته على قضاء حوائجه، وحين يتباطآ الإسلاميون في قضاء حوائج الجماهير ينقلبون عليهم أيضًا!
وأفضل الطرق لتفكيك الخطاب الجامي هي: طرح الأسئلة عليه؛ فهم من جنس الخوارج والفلاسفة. يدعون العلم، ويفتون بما في رؤوسهم، ثم يتعصبون، فينقسمون ويتناحرون فيما بينهم حسب المتاح من أدوات، إن سبًا وشتمًا كما في الحالات الجامية المستأنسة، أو قتالًا بالسلاح كما في الحالات المسلحة في جبال الساحل الجزائري.
(المصدر: مدونات الجزيرة)