مقالاتمقالات مختارة

أخطر صور الموالاة الكفرية في هذا العصر

بقلم البروفيسور الأمين الحاج محمد (رئيس رابطة علماء المسلمين)

من نواقض الإسلام الخطيرة، ومبطلاته الكبيرة، موالاة الكفار من اليهود، والنصارى، والهندوس، والبوذيين، والشيوعيين، ومن شابههم.

فموالاة الكافرين محادَّة لرب العالمين، وخروج عن شرعة سيد المرسلين، وخذلان لإخوة العقيدة والدين.

لم يبتل الإسلام في عصر من عصوره بأشد ولا أخطر من معاداة المسلم لأخيه المسلم، وموالاة الكافر ومشايعته ومصانعته، والتعاون والتنسيق معه، بل والوقوف معه في خندق واحد لضرب الإسلام وإذلال أتباعه، وانتهاك كرامتهم، وغزو ديارهم.

لقد تجلت خطورة موالاة أعداء الدين بصورة ليس لها شبيه ولا مثيل في الحرب الصليبية التي تقودها أمريكا وربائبها من الكفار، وعملاؤها من المنتسبين إلى الإسلام، تحت مظلة الاتحاد اليهودي الكنسي، بضغط من اللوبي الصهيوني، وبغرض القضاء على الإسلام وهيمنة أمريكا على كل العالم، حيث سار الجميع في فلكها، وأصبح هدفهم خطب ودها من حكام المسلمين وغيرهم، سوى ثلة وطائفة لا تزال ظاهرة على الحق، مدافعة عنه، لا يضرها كيد الكائدين، ولا مخالفة المخالفين، ولا خذلان المخذلين إلى أن تقوم الساعة كما أخبر الصادق الأمين.

لقد حذر الله ورسوله والسلف الصالح من موالاة الكافرين ومظاهرتهم، سيما على المسلمين، وبين الشارع الحكيم أن في ذلك ردة وخروج عن الدين، مهما كان الدافع لذلك، وإليك طرفاً من ذلك:

1- قوله تعالى: {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ} [آل عمران:28].

2- وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} [سورة آل عمران:118].

قال القرطبي رحمه الله في تفسيرها:

أكد الله تعالى الزجر عن الركون إلى الكفار، وقال: نهى الله عز وجل المؤمنين بهذه الآية أن يتخذوا الكفار واليهود وأهل الأهواء دخلاء وولجاء، يفاوضونهم في الآراء، ويسندون إليهم أمورهم، ويقال: كل من كان على خلاف مذهبك – العقدي – ودينك فلا ينبغي لك أن تحادثه.(1)

3- وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [سورة المائدة:51].

4- وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ} [سورة الممتحنة:1].

5- وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تستضيئوا بنار المشركين ولا تنقشوا في خواتيمكم غريباً»، فسَّره الحسن رحمه الله بقوله: “أراد عليه السلام لا تستشيروا المشركين في شيء من أموركم ولا تنقشوا في خواتيمكم محمداً”.

6- لقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن استظهار المسلمين بالكافرين فكيف باستظهار المسلمين بالكافرين على المسلمين؟!

فقد قال لمشرك أراد أن يخرج معه في غزاة: «لا نستعين بمشرك»، وقال لعبادة بن الصامت وكان له حلف من اليهود في أول الإسلام يوم الأحزاب، عندما قال عبادة: يا نبي الله إن معي خمسمائة رجل من اليهود، وقد رأيتُ أن يخرجوا معي فأستظهر بهم على العدو؛ فأنزل قوله تعالى: ” {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة آل عمران:28].

7- وقال عمر رضي الله عنه: “لا تستعملوا أهل الكتاب فإنهم يستحلون الرِّشا، واستعينوا على أموركم ورعيتكم بالذين يخشون الله تعالى”.

وقيل لعمر إن ها هنا رجلاً من نصارى الحيرة لا أحد أكتب منه، ولا أخط بقلم، أفلا يكتب عندك؟ فقال: لا آخذ بطانة من دون المؤمنين.

وعندما استكتب أبو موسى الأشعري ذمياً كتب إليه عمر يعنفه، وقال عمر له: لا تدنهم وقد أقصاهم الله، ولا تكرمهم وقد أهانهم الله، ولا تأمنهم وقد خونهم الله.

قلت: إذا كان هذا في اتخاذ كاتب، فكيف باتخاذ الكفار مستشارين وأمناء وأصدقاء وحلفاء؟!!

قال القرطبي رحمه الله بعد أن أورد تلك الآثار عن عمر رضي الله عنه: “وقد انقلبت الأحوال في هذه الأزمان باتخاذ أهل الكتاب كتبة وأمناء، وتسودوا بذلك عند الجهلة الأغبياء من الولاة والأمراء”.(2)

لقد ضعفت عقيدة الولاء والبراء عند كثير من المسلمين في هذا العصر، بل وانعدمت بالكلية عند البعض الآخر، وذلك لجهلهم بعقيدة التوحيد، حيث أضحى جل المسلمين لا يميز بين ولاء وبراء، بل قد يتبرأ ممن تتحتم عليه موالاتهم، ويوالي من تجب عليه معاداتهم، واستحدثت كثير من صور الموالاة الكفرية التي يتسابق إليها البعض مسابقة، لنيل شيء من حطام الدنيا الفاني، وهو لا يدري أنه باع آخرته بدنياه، بل بدنيا غيره.

وقد أصبح الإنسان يعجب والله من صنيع هؤلاء أكثر من عجب الأول القائل:

عجبتُ لمبتاع الضلالة بالهدى *** وللمشتري دنياه بالدين أعجب

وأعجب من هذين من باع دينه *** بدنيا سواه فهو من ذين أعجب

فهل تصدق أن يتجسس من يدعي الإسلام، ويسلم المسلم للكافر ليقتله وليمثل به مقابل دولارين، أوأن يبيع بلداً مسلماً كاملاً ويسلمه للكفار مقابل أن يبقى في كرسي الحكم مدة لا يدري أتطول أم تقصر؟ وهب أنها طالت، فما النتيجة يا ترى؟ ألم يعلم هؤلاء أن الملك بيد الله عز وجل ليس بيد أحد سواه؟ وأن الله يمهل ولا يهمل.

فموالاة الكفار والتجسس والعمالة لهم ومظاهرتهم قبيحة من كل من انتسب إلى الإسلام، سيما إذا صدرت ومارسها من ينتسب إلى العلم.

أخطر صور الموالاة الكفرية في هذا العصر:

صور الموالاة الكفرية كثيرة جداً، ولكن سنشير في هذه العجالة إلى أكثرها ضرراً وأعظمها خطراً، نصحاً لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، لجهل بعض من يمارسها بخطورتها، لعل الله ينفع بذلك، فالذكرى تنفع المؤمنين، وتعذر الناصحين، وترفع غضب رب العالمين.

من ذلكم ما يأتي:

القتال معهم، سيما ضد المسلمين.

التجسس ضد المسلمين لصالح الكافرين.

الدخول معهم في أحلاف، سيما ضد طائفة من المسلمين.

4- السماح لهم بإنشاء قواعد عسكرية في ديار الإسلام.

5- تولي الحكم نيابة عنهم في البلاد التي اغتصبوها من المسلمين، كما هو الحال في أفغانستان، والعراق، والشيشان، وغيرها من البلدان.

6- العمل على تنفيذ مخططاتهم.

7- عقد المؤتمرات والندوات لتهيئة الجو للتعايش السلمي معهم في ديار الإسلام.

8- العمل وتولي المناصب القيادية في المنظمات الدولية التي يهيمن عليها الكفار برئاسة أمريكا، حيث لا يلي ذلك إلا من وثق به الكفار واطمأنوا له.

9- فتح الأجواء والطرق البرية والمياه الإقليمية لطائرات العدو وسفنهم لغزو ديار الإسلام.

10- الخضوع والاستكانة والتنازل لهم مقابل البقاء في الحكم أطول مدة ممكنة.

والله أسأل أن ينفعنا بالذكرى، وأن ييسرنا لليسرى، وأن يرينا وجميع إخواننا المسلمين الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأن يؤلف بين قلوب المسلمين ويهديهم سبل السلام، وأن يردنا إليه رداً جميلاً، وأن ينتقم من أعداء الملة والدين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه الطاهرين الطيبين، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

________________________________________

(1) الجامع لأحكام القرآن ج4 178-179.

(2) الجامع لأحكام القرآن ج4 – 179.

(المصدر: رابطة علماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى