بقلم د. وصفي عاشور أبو زيد
أخذ العبرة والعظة من القرآن من الأمور المهمَّة التي تبيِّن قيمةَ القرآن الكريم وأهميَّته للفرد والمجتمع والأمَّة؛ حيث إن القرآن الكريم مليء بالمواعظ النَّافعة، والعِبَر الساطعة، التي يستطيع الإنسان من خلالها أن يتعلَّم من أخطاء غيره، ويدرك السُّنَن التي بها ينتصر النَّاس وينهزِمون، ويعلم الأسباب التي بها يَنجو النَّاس، والأخطاء التي بها يهلكون…، وهكذا.
ويمكننا أن نقِف على هذا كله عَبر القصص القرآنيَّة التي يقصُّها علينا القرآن الكريم؛ سواء قصص الأشخاص والأقوام، أو قصص الأنبياء والمرسلين مع أقوامهم، ويمكننا من خلال كلِّ قصة أن نَستخرج منها منهاجَ حياة إن أحسنَّا الفهم وأتقنَّا التدبُّر.
ففي قصَّة يوسف مثلًا كما يقول الأستاذ سيد قطب: “وفي قصة يوسف ألوان من الشدائد؛ في الجُبِّ، وفي بيت العزيز، وفي السجن، وألوان من الاستيئاس من نصرة الناس، ثمَّ كانت العاقِبة خيرًا للذين اتَّقَوا كما هو وَعْد الله الصادق الذي لا يَخيب، وقصَّة يوسف نموذج من قصص المرسلين؛ فيها عِبرة لِمن يَعقل، وفيها تصديق ما جاءت به الكتب المنزَّلة من قبل، على غير صِلَة بين محمد وهذه الكتب، فما كان يمكن أن يكون ما جاء به حديثًا مفترى؛ فالأكاذيب لا يصدِّق بعضها بعضًا، ولا تحقِّق هداية، ولا يستروح فيها القلب المؤمن الرَّوْح والرحمة؛ ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [يوسف: 111]”[1].
وهكذا في باقي القصص القرآني للأنبياء والمرسلين، كل نبي يأتي برسالته، ثمَّ يتبعه قوم ويؤمنون به، ويعارضه آخرون فيكفرون به، فيُهلِك اللهُ الكافرين ويهزمهم، وينجِّي المؤمنين وينصرهم؛ ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: 47].
وبيَّن الله تعالى مقصد قَصِّ القصص على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [هود: 120].
يقول ابن عاشور: “وتثبيتُ فؤاد الرَّسول صلى الله عليه وسلم زيادةُ يقينِه ومعلوماتِه بما وعده الله؛ لأنَّ كل ما يعاد ذِكره من قصص الأنبياء وأحوال أممهم معهم يزيده تذكُّرًا وعِلمًا بأن حاله جارٍ على سنن الأنبياء، وازداد تذكُّرًا بأن عاقبته النَّصر على أعدائه، وتجدُّدُ تسليةٍ على ما يلقاه من قومه من التكذيب، وذلك يزيده صبرًا، والصَّبر: تثبيت الفؤاد، وأنَّ تماثل أحوال الأمم تلقاءَ دعوة أنبيائها مع اختلاف العصور يَزيده علمًا بأنَّ مراتب العقول البشرية متفاوتة، وأنَّ قَبول الهدى هو منتهى ارتقاء العقل، فيعلم أنَّ الاختلاف شِنْشِنَة قديمة في البشر، وأنَّ المُصارَعة بين الحقِّ والباطل شأن قديم، وهي من النواميس التي جُبِلَ عليها النظام البشري، فلا يحزنه مخالفةُ قومه عليه، ويَزيده علمًا بسموِّ أتباعه الذين قَبِلوا هُداه، واعتصموا من دينه بعُرَاه، فجاءه في مثل قصَّة موسى عليه السلام واختلافِ أهل الكتاب فيه بيانُ الحق، وموعظةٌ وذِكرى للمؤمنين؛ فلا يقعوا فيما وقع فيه أهلُ الكتاب”[2].
فالمُطالِع للقرآن الكريم والمتأمِّل في آياته، يَجِد من المناهج الثابتة، والمواعِظ البالغة، والقصص النَّافعة، والمشاهد المؤثِّرة – ما فيه أعظم عِبرة، وأبلغ عِظة.
—————————————–
[1] في ظلال القرآن (4/ 2047)، دار الشروق، القاهرة.
[2] التحرير والتنوير (11/ 352).