إعداد د. زياد الشامي – موقع المسلم
للمساجد في الإسلام وفي حياة المسلمين مكانة ومنزلة متميزة , فهي ليست فحسب دورا لعبادة الله وإقامة الصلوات وإظهار الخضوع والاستسلام لأوامر الله سبحانه , بل هي أيضا مكان التقاء المسلمين واجتماعهم وتقوية روابط الأخوة والتكافل فيما بينهم , والمدرسة التي ينهلون فيها كافة أنواع العلوم الدينية والدنيوية , والموضع الذي يتربى فيه صغارهم وكبارهم على أخلاق الإسلام وآدابه , وهو أيضا منطلق الجيوش ومحل استقبال الوفود ومقر الحكم والقضاء…….
يزداد إقبال المسلمين على بيوت الله في شهر رمضان , فتزدان المساجد بضيوف الرحمن في ليالي هذا الشهر الكريم وأيامه , فتتضاعف صفوف المقبلين على صلاة الغداة , وتكتظ المساجد وتزدحم في صلاة القيام , وترى الكثير من المسلمين في جنباته يتلون آيات القرآن أطراف النهار .
لا شك أن أحوال مساجد المسلمين حول العالم ليست على ما يرام , كما أن دورها قد تضاءل وتناقص عما ينبغي أن يكون عليه في دين الله الإسلام وعما كان عليه في عهد النبوة والسلف الصالح……
أما في الدول العربية والإسلامية فقد حافظت المساجد على دورها كدور للعبادة وأداء الصلوات وإقامة شعائر الإسلام وخصوصا في شهر الصيام , إلا أنها قد تأثرت في بعض الدول بحملة التشويه المتعمد من قبل أعداء الإسلام الذي أدى بدوره إلى تحجيم دورها وتقنين كثير من مهامها وربما إلغاؤها بشكل أو بآخر في كثير من الأحيان .
يبقى الاستثناء من ذلك ما تتعرض له مساجد المسلمين دون توقف حتى في رمضان في كل من العراق وسورية واليمن على يد النصيرية ومليشيا إيران الصفوية , حيث الهدم والتدمير للمساجد ماديا ومعنويا يجري على قدم وساق في رمضان وفي غيره من أشهر السنوات العجاف التي ما زالت مستمرة في تلك الدول حتى الآن .
أما أحوال المساجد حول العالم في شهر رمضان – وخصوصا في تلك الدول المعادية لدين الله الإسلام – فلا يمكن وصفها إلا بكونها مؤسفة وظالمة , فالمساجد باتت هدفا مباشرا للعنصريين والمتطرفين وأصحاب الأضغان والحقد على هذا الدين من غير المسلمين في تلك الدول دون أي مبرر أو سبب .
ففي قلب عواصم الدول الأوروبية التي تزعم أنها رائدة الحريات وحامية حقوق الإنسان وعلى رأسها حرية المعتقد والدين ….تزداد أعداد الجرائم والانتهاكات بحق المساجد ودور عبادة المسلمين على وجه التحديد وخصوصا في شهر رمضان .
ففي النمسا تسببت الاعتداءات العنصرية ضد مساجد المسلمين خلال شهر رمضان في إثارة المخاوف لدى الجالية المسلمة من موجة عداء ضدهم وضد مساجدهم بدأوا يشعرون بها في حياتهم اليومية , حيث أقدم مجهولون على كتابة عبارات “كراهية” على جدران مسجدين في العاصمة فيينا، ومركز الجماعة الإسلامية في النمسا (منظمة أهلية)، أعقبها رمي رأس خنزير على أحد المساجد بعد صلاة التراويح في مدينة “تيرول” .
وفي مدينة ميونيخ الألمانية يعاني المسلمون هناك من أزمة كبيرة في شهر رمضان، إذ إن المساجد المخصصة للعبادة والصلاة قليلة في المدينة , وقد أكد أحد أبناء الجالية المسلمة في ألمانيا ويدعى “إركان إينان” أن الأزمة زادت مع غلق عدد من المساجد في الآونة الأخيرة ، مع غياب معايير الأمان والسلامة التي تتخذها المدينة لمواجهة الحرائق وما إلى ذلك.
وفي ميانمار ذكرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية أن المسلمين في بلدة تاكيتا بمدينة “رانغون” يواجهون صعوبات في شهر رمضان المبارك بسبب قلة أماكن الصلاة , مشيرة أن هذه الصعوبات هي جزء من الضغط الذي يواجهه المجتمع المسلم في ميانمار، مع ازدياد أعداد المسلمين وقلة أماكن الصلاة .
وكانت سلطات ميانمار قد أغلقت مدرستين للمسلمين كانوا يؤدون الصلاة فيها برمضان في “يانغون” كبرى مدن ميانمار وعاصمتها السابقة أواخر أبريل الماضي , كما منعت سلطات ميانمار المواطنين المسلمين أيضا من أداء العبادة في ستة مدارس أخرى، دون تقديم أي مبرر حسبما قال “تين شو” الذي يدير إحدى المدرستين الذي أضاف : “طلبنا منهم (السلطات) أن يسمحوا لنا بأداء العبادة في تلك المدارس خلال شهر رمضان، إلا أنهم لم يستجيبوا لطلبنا”… مؤكدا أن المسلمين يؤدون صلواتهم في بيوتهم ومحلاتهم منذ منعهم من أداء الصلاة بتلك المدارس.
وإذا أضفنا إلى ما سبق ما تتعرض له المساجد في السويد من حرائق متعمدة ومقصودة منذ فترة ليست بالقصيرة وحتى الآن , وما تعانيه مساجد المسلمين الإيغور من اضطهاد في تركستان الشرقية في الصين وخصوصا في شهر الصيام ……فإن الصورة العامة لأحوال مساجد المسلمين حول العالم في شهر رمضان تؤكد وجود عنصرية مقيتة تجاه دور عبادة المسلمين وأماكنهم المقدسة في دول ما زالت ترفع شعار الحريات وحماية حقوق الإنسان عاليا , بينما واقع حال المسلمين فيها يؤكد أنهم لا يأمنون على أنفسهم ولا على مساجدهم من اعتداء السلطات تارة والعنصريين والمتطرفين تارة أخرى .