مقالاتمقالات مختارة

أحمد الشريف السنوسي.. العالم الجليل والمناضل الكبير الذي سما عن كل غاية

أحمد الشريف السنوسي.. العالم الجليل والمناضل الكبير الذي سما عن كل غاية

بقلم د. علي الصلابي

العالم الجليل والقائد العظيم والمجاهد القدير، أحد كبار المجاهدين الليبيين، جاهد وشارك وقاد معارك الجهاد في سبيل الله والنضال ضد الغزاة؛ الفرنسيين في تشاد، والإنجليز في مصر، والإيطاليين في ليبية، وأسهم في نشر الدعوة الإسلامية وتعاليم الدين الإسلامي في أنحاء من أفريقيا، هو صاحب كتاب (السراج الوهاج في رحلة السيد المهدي من الجغبوب إلى التاج)، إنه السيد أحمد الشريف بن محمد الشريف بن محمد بن علي السنوسي الخطابي الإدريسي.

أولاً: ولادته وتربيته وأساتذته:

يتفق معظم المؤرخين على أن أحمد الشريف السنوسي ولد بواحة الجغبوب ليلة الأربعاء بتاريخ (27 شوال عام 1290 هـ/ الموافق لـ 1873 م)، وانكبَّ منذ طفولته على القراءة والتحصيل وحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة.

تربَّى رحمه الله في حجر والده العلامة محمد الشريف، وحينما ترعرع وبلغ السادسة من عمره دخل تحت كنف عمه المهدي السنوسي، فاهتمَّ بتربيته وتهذيبه، وأشرف عمه على تعليمه وتحفيظه القرآن الكريم، ولما أتم حفظ القرآن الكريم قال له عمه: “أنت ما أخذت من القرآن إلا عني”، ومن أشهر العلماء الذين تعلم وأخذ العلم عليهم: محمد الشريف السنوسي، ومحمد المهدي السنوسي، وأحمد الريفي، ومحمد مصطفى المدني التلمساني، وعمران بن بركة وهو جده من جهة الأم، قال فيه شكيب أرسلان: “رأيت في الرجل حبراً جليلاً، وسيداً غطريفاً، وأستاذاً كبيراً، من أنبل من وقع نظري عليهم مدة حياتي، جلالة قدر، وسراوة حال، ورجاحة عقل، وسجاحة خلق، وكرم مهزة، وسرعة فهم، وسداد رأي، وقوة حافظة، مع الوقار الذي لا تغض من جانبه الوداعة، والورع الشديد في غير رياء ولا سمعة”.

ارتحل أحمد الشريف مع عمه من الجغبوب إلى الكَفْرة عام (1312 هـ)، وأسندت إليه مسؤوليات جسام منذ البلوغ، وكان يشرف على رعاية القافلة المتجهة إلى الكفرة والتي تتكون من (2600) شخص، وكان ينفذ أوامر عمه بدقة وعلى خير ما يرام، فلم يعرف الركون إلى الراحة.

وفي سنة (1317 ه) ارتحل مع عمه محمد المهدي إلى منطقة قرو بالسودان الأوسط، في مهمة دعوة الناس وتعليمهم الدين الإسلامي، وألف أحمد الشريف كتاباً أسماه (السراج الوهاج في رحلة السيد المهدي من الجغبوب إلى التاج) الذي دوّن فيه الرحلات الدعوية التي رافق فيها عمه السيد محمد المهدي السنوسي.

وشارك مع عمه وأتباعه في مجموعة معارك بالسودان وتشاد ضد الفرنسيين في مناطق مختلفة، مثل (واداي، كلك، علالي، وان، جنقة الكبرى، جنقة الصغرى، تبستي، بركو، قرو… إلى آخره)، واستمر الصراع السنوسي الفرنسي إلى ما بعد وفاة محمد المهدي.

قيادته الحركة السنوسية:

عندما شعر محمد المهدي السنوسي بدنو أجله، عهد إلى ابن أخيه بالقيادة؛ لما توسم فيه من القدرة على الاضطلاع بأعباء الحركة، والوصاية على الخليفة الشرعي (إدريس)؛ حيث تزعّم السيد أحمد الشريف الحركة السنوسية في عام 1902م، خلفاً لعمه السيد محمد المهدي السنوسي والد محمد إدريس السنوسي الذي كان قد بلغ الثالثة عشرة من عمره آنذاك، ويبدو أن صفات السيد أحمد الشريف الشخصية والقيادية والخبرة المكتسبة وشجاعته التي برزت خلال قيادته لمعارك الجهاد ضد الفرنسيين في مناطق “قرو” و”ودان” السودانية قد أهلته لتولي الزعامة، حيث تمرس أحمد الشريف في إدارة الشؤون السياسية والاقتصادية للزاويا في وقت مبكر من رحلته العمرية، ومع ذلك لم يعيق عامل السن بدايات السيد الناجحة قيادياً فقد كان يجيد المناورات السياسية وقوياً بقيادته المتوازنة وحازماً باتخاذ قراراته.

وكان إسناد الزعامة إلى أحمد الشريف قد صادف قبولاً وارتياحاً من جانب جميع الإخوان الذين اجتمعوا بالكفرة يوم (12 ربيع الأول من عام 1220 هـ/ الموافق ليوم 19 يونيو 1902 م)، حيث جرى الاحتفال بانتخاب أحمد الشريف.

استمر أحمد الشريف على نهج زعماء الحركة السنوسية، فواصل الجهاد ضد الاستعمار الفرنسي، ونشر الدعوة الإسلامية بكل حكمة في إفريقيا، واتخذ من الكفرة عاصمة للحركة السنوسية، وأناب عنه محمد السني لإدارة أمور الجهاد، وشرع أحمد الشريف في تشكيل جبهة إسلامية ضد الغزو الفرنسي الزاحف من جنوب تشاد إلى شرقها وشمالها، فقام بالاتصال بسلطان واداي (داود مرة) سنة 1903م، وأقنعه بسحب اعتراف واداي بالحماية الفرنسية على كانم، وباقومي، واستجاب السلطان داود لذلك وسحب اعترافه بالحماية الفرنسية، واتصل بالسلطان علي دينار (سلطان دارفور) ؛ الذي أعلن توحيد جهود المسلمين ضد الغزو الصليبي الأوروبي.

إنّ الحركة السنوسية في بداية أمرها لم تكن لها سلطة الحكام الذين يدبرون الشؤون العامة، كالعزل، والتولية، وإقامة الحدود، وجباية الأموال، وتنفيذ الأحكام، بل كان بداية أمرها الاهتمام بالدعوة إلى الله، وإرشاد العباد إلى العمل بما يأمر به دينهم الحنيف ويسعون لإصلاح ذات البين، ويتبادلون النصح للحاكم والمحكوم، ويرشدونهم إلى تعاليم كتاب الله، وتعاليم سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويحرضونهم على بناء المساجد لإقامة الشعائر الإسلامية فيها، ويقومون هم وأتباعهم بعمارة هذه المساجد بتعليم كتاب الله، والصلوات فيها، ويبذلون الجهد لفضِّ المنازعات ما بين القبائل والمتخاصمين، ويعلمونهم كيفية إخراج زكاة أموالهم، وكيفية عقد أنكحتهم، ويحرِّضونهم على نبذ العادات المخالفة للشرع، وبدأ جهادهم المنظم فقاوموا الاستعمار غيرة على الدين الإسلامي الذي نشرته الحركة ودعاتها في مجاهل إفريقية.

استمر السيد أحمد الشريف في إمارة الحركة السنوسيّة من 1902 إلى 1916م، حيث تنازل عنها في ذلك العام لابن عمّه محمد إدريس السنوسي، وقبل حوالي عامين من مغادرته لليبيا مرغماً على ظهر غواصة ألمانيّة بعثتها له تركيا في أغسطس 1918م لتنقله من البريقة بليبيا ليصل لاحقاً إلى النمسا ثمّ إلى الآستانة بتركيا. وهذا ما جعل بعض أفراد العائلة السنوسية غير مقتنعين بولاية محمد إدريس.

كانت الفترة من 1924 إلى 1933م تمثل جانباً مهماً في حياة السيد أحمد الشريف السنوسي في المنفى حيث أقام في الحجاز مستفيداً من العلاقة الخاصة التي كانت تربطه مع عبد العزيز آل سعود، وبدا محركاً وقائداً للمقاومة والجهاد في الداخل الليبي، حيث أخذ يحرض العثمانيين على إعطاء القضية الليبية الأهمية القصوى، وقد نجح بالفعل في اقناع عزت باشا، رئيس الوزراء آنذاك في أكتوبر 1918م، بأن يسمح له بالسفر خفية إلى طرابلس بعد تزويده بالمعدات والسلاح والأموال، إلا أن اتفاق هدنة الحرب العالمية الأولى حال دون إنجاح المهمة، ومع ذلك فقد انتقل السيد أحمد الشريف ورفاقه من استانبول إلى بروسه، استعدادا للعودة إلى البرقة، إذا ما اخفقت جهود السلام. وحتى بعد أن اضطر لمغادرة البلاد، استمر في متابعة حركة الجهاد، والعمل على تأمين ما يستطيع من احتياجات المجاهدين.

وفاته: 

انسحب السيد أحمد الشريف تاركاً قيادة الحركة السنوسية للشيخ محمد إدريس السنوسي بعد أن استنفذ كامل طاقته القيادية ولم يختزلها يوماً في نفسه دون أن يقدمها للإسلام والمسلمين. يقول الطاهر الزاوي عنه: «فالسيد أحمد الشريف صقله العلم، وهذبته العبادة، فعفت نفسه، وكبرت همته، وأخلص عمله لله فتولى الله توفيقه، وأطلق ألسنة الناس بمدحه والثناء عليه». وأخيراً استقر المقام بالسيد أحمد الشريف بأرض الحجاز “السعودية” وعن عمر يناهز 60 عاماً، اختتم صحيفة أعماله حيث توفي في المدينة المنورة بتاريخ 10/3/1933م، ودفن جثمانه في مقبرة البقيع.

 ——————————————————————————————————————-

مراجع البحث:

1. علي محمد محمد الصلابيّ، الثمار الزكية للحركة السنوسية في ليبيا، مكتبة الصحابة الشارقة، مكتبة التابعين القاهرة، 2005م، ص 259 -262.

2. سعيد عبد الرحمن، العلاقات الليبية التشادية، مركز دراسة جهاد الليبيين ضد الغزو الإيطالي، 1983، ص 86.

3. الطاهر أحمد الزاوي، أعلام ليبية، دار المدار الإسلامي، ليبيا، ط3، 2003، ص 51.

4. الطاهر أحمد الزاوي، جهاد الأبطال في طرابلس الغرب، دار الفتح للطباعة، بيروت، ط3، 1962م، ص187.

5. عبد القادر بن علي، الفوائد الجلية في تاريخ العائلة السنوسية، مطبعة دار الجزائر العربية، دمشق، 1956م، 2/ 8 -12، 22.

6. لوثروب ستودارد، حاضر العالم الإسلامي، المحقق: شكيب أرسلان -عجاج نويهض، دار الفكر، ط3، 1971، 2/156.

7. محمد عزة بن عبد الهادي دروزة، نشأة الحركة العربية الحديثة، المكتبة العصرية، بيروت، ط1، 1949م، ص 77.

8. محمد فؤاد شكري، السنوسية دين ودولة، دار الفكر، 1948، ص 98.

9. مصطفى علي هويدي، الحركة الوطنية في شرق ليبيا خلال الحرب العالمية الأولى، مركز دراسة جهاد الليبيين ضد الغزو الإيطالي، 1988، ص. ص 22 -23.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى