بقلم د. علي القره داغي
الامين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
الإسلام دين الرحمة حقاً وصدقاً، الرحمة في تشريعاته وأحكامه، والرحمة في التعامل والتعاقد والتقاضي، والتبادل.
ومن رحمة الله تعالى بعباده أن ربط بين معظم أركان الإسلام وبين إدخال السرور في قلوب المستضعفين والفقراء والمساكين، فالزكاة- وهي الركن الثالث- شرعت للتخفيف من الفقر والبطالة، أو القضاء عليه والمساهمة في إعادة التوزيع العادل.
وشرع الله تعالى في الحج الهدْي، والفدية والكفارات والأضاحي حتى تكون عوناً للفقراء على قضاء حوائجهم والخروج من دائرة الفقر إلى دائرة حد الكفاف، أو حد الكفاية.
وهذا أكبر دليل على العناية القصوى بالفقراء حيث يستثمر العبادات لإدخال السرور في قلوبهم، ورفع حاجتهم، ومشاركتهم فرحة الأعياد مع الأغنياء والموسرين ليتحقق الجسد الواحد بالتعاون والتكافل.
وقد فرض الله تعالى زكاة الفطر على جميع المسلمين أغنيائهم وفقرائهم، صغيرهم وكبيرهم ما داموا قادرين على إخراجها، وذلك لحديث ابن عمر قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر: صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على كل حرّ، أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة» رواه البخاري مع فتح الباري (3/367) ومسلم (2/677) وأصحاب السنن، وهذا محل إجماع.
وورد بيان حكمتها في حديث ابن عباس الذي رواه أبو داود بإسناد حسن في سننه الحديث 1609 والدارقطني في سننه (2/327) والحاكم في المستدرك، وقال الحافظ المنذري إسناده صحيح أو حسن، وصححه ابن الملقن في شرح البخاري (10/636) حيث قال ابن عباس: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طُهرة للصائم من اللغو والرفث، وطُعمة للمساكين، مَنْ أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومَنْ أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات».
إذن في ضوء هذا الحديث الثابت بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم أن الحكمة من زكاة الفطر أمران، هما:
الأمر الأول: أنها تطهير وتزكية للصائم من الكلام اللغو، والرفث أي الكلام الذي يخرج عن حدّه، وروى النووي في المجموع عن وكيع بن الجرّاح قال: زكاة الفطر لشهر رمضان كسجدتي السهو للصلاة، تجبر نقصان الصوم كما يجبر السجود نقصان الصلاة.
وقد بيّن الله تعالى الحكمة من جميع أنواع الزكاة بأنها تطهير وتزكية فقال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [التوبة: 103] أي تطهير نفس المزكى من الجشع والطمع، ولنفس المُعْطى له من الحقد والحسد وكراهية الأغنياء، كما أنه تنمية شاملة.
الأمر الثاني: سدّ لحاجة الفقراء في ذلك اليوم الذي يفرح فيه المسلمون، ويتوسع فيه الأغنياء، فبذلك يشاركهم الفقراء حيث يعطي لهم من الأموال ما يغنيهم.
وبالإضافة إلى هاتين الحكمتين فإن هناك حكمتين أخريين، هما:
أ- إغناء الفقراء عن السؤال في يوم العيد، حيث ورد فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم» رواه البيهقي في السنن الكبرى (4/175) وفي سنده أبو معشر نجيح المدني، وقد تكلم فيه، ولذلك ضعفوه، ولكن قال الحافظ ابن حجر في الدراية (1/274) بعد أن قال: إسناده ضعيف، قال: أصله في الصحيحين عن ابن عمر.
ب- أداء شكر الله تعالى على نعمة الصحة، والحياة، وبلوغ رمضان كله.
كيف تؤدى زكاة الفطر؟
يؤديها الشخص القادر على الأداء عن نفسه، وعن زوجته وأولاده الصغار، أما أولاده الكبار فإن كانوا أغنياء فوجب عليهم أن يدفعوها، وإن كانوا فقراء فيدفع عنهم على الراجح من أقوال أهل العلم، لحديث ابن عمر: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن الصغير والكبير، والحرّ، والعبد ممن تمونون» أي تنفقون عليهم، وهذا الحديث بهذا اللفظ ضعفه الكثيرون، ولكن الألباني في إرواء الغليل (839) حسنه بلفظ: ( أدّوا صدقة الفطر عما تُموّنون).
مقدار الزكاة
حدد الرسول صلى الله عليم وسلم صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير كما في حديث ابن عمر في الصحيحين، وفي حديث أبي سعيد الخدري قال: كنا نخرج صدقة الفطر صاعاً من طعام، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من زبيب رواه البخاري 1056، وفي حديث آخر للبخاري أيضاً 1058 بلفظ: كنا نخرج في زمان النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام… إلخ وفي رواية ثالثة 1510 بلفظ «كنا نخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعاً من طعام والأقط والتمر»، وقال أبو سعيد: وكان طعامنا الشعير، والزبيب.
وقد اتفق الفقهاء على أن المتصدق في زكاة الفطر لا يكفيه نصف صاع من هذه الأصناف الأربعة المذكورة في حديث أبي سعيد الخدري، وكذلك ذهب جمهورهم (المالكية والشافعية والحنابلة) إلى أنه لا يكفي أيضاً نصف صاع من القمح ونحوه، ولكن الحنفية أجازوا دفع نصف صاع من القمح، وذلك لما قال أبو سعيد الخدري: «إن معاوية قدم حاجاً أو معتمراً، فكلم الناس على المنبر، وكان فيما كلم به الناس أن قال: إني أرى أن مدّين من سمراء الشام (يعني القمح) تعدل صاعاً من تمر، فأخذ الناس بذلك، أما أنا فلا أزال أخرجه أبداً ما عشت كما كنت أخرجه» رواه البخاري مع الفتح (3/372) ومسلم (2/678) الحديث 985.
*المصدر : الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين