أبواب الجهاد في الفكر الإسلامي
بقلم د. أبو اليسر رشيد كهوس / وجدة، المغرب
معنى الجهاد:
الجهاد هو: «أن يكون كل فرد من أفراد الأمة المسلمة في بذل جهد مستمر صباح مساء ليحيى الإسلام وتقوى شوكة المسلمين، وتنتشر الدعوة الإسلامية في العالمين، وينالوا رضا الله يوم الوقوف بين يدي خالق الخلائق أجمعين بتزكيتهم لنفوسهم واهتمامهم بمصير أمتهم».
فكل الجهود التي يبذلها الفرد المسلم والجماعة المسلمة لخدمة المجتمع سواء من جانبه التربوي أم الاقتصادي أم الاجتماعي أم الثقافي أم السياسي أم العلمي أم العمراني… جهادٌ مشروعٌ؛ كصيانة دين المسلم، أو نفسه أو عرضه، أو ماله، أو عقله…
أو السعي لتوحيد الصف المسلم واسترجاع ما سلب واغتصب من هذه الأمة من حقوق مشروعة من شورى وعدل..، أو السعي لرفع الظلم عن الشعوب التي ترزح تحت استبداد الظلمة… وتوفير العمل والإنتاج وازدهار الاقتصاد، وتحقيق الأمن والتكافل الاجتماعي ..في أوقات السلم والحرب…كل هذا جهاد.
من أبواب الجهاد:
كما سبق أن قلت: إن الجهاد لا ينحصر في نوع واحد فقط، بل تتعدد أنواعه ؛ أجمل أهمها في:
1- جهاد النفس: إن المقصود بجهاد النفس في ذات الله يعني حملها على الإقبال على الله صلى الله عليه وسلم وهجرها ما طُبعت عليه من الغفلة والبعد عن جادة الصواب. فجهاد النفس هو جهاد الهوى، وجهاد ما في بواطننا من خبائث وأدران، وتطهيرها لكي تسلم من الآفات والشبهات والشهوات، حتى تكون أهلاً للفيض الإلهي، والمدد الرباني.
2- الجهاد بالمال : فالجهاد بالمال فيما يتعلق بالفرد هو تطهير الإنسان المؤمن من عاهة الشُّح، وهو الخطوة الأولى في طريق الفوز والفلاح. قال الباري جل جلاله: ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾(1).
أما فيما يتعلق بالأمة فهو توفير المال اللازم لكل أبواب الجهاد وأنواعه.
3- جهاد التعليم: الجهاد التعليمي هو إخراج الأمة من دياجير ظلام الجهل إلى نور العلم، وتعليمها دينها وشرع ربها، وحقوقها المشروعة، كما علمها سيد الوجود صلى الله عليه وسلم الذي بُعث معلماً، وكما علمها أصحابه من بعده رضوان الله عليهم جميعًا.
4- جهاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: معناه ومضمونه الذود عن الشريعة الغراء، والسهر على إقامة حدود الله تعالى، وتثبيت أركان الدين في نفوس الناس، والمراقبة الشديدة على تطبيق الشريعة.
5- جهاد الكلمة والحجة : أو الجهاد البياني وأعني به بذل الجهد باللسان وبالقلم ضد كل انحراف، وضد كل من يناوي الإسلام من المخربين فكرياً ومن الممسوخين عقائديًا؛ أصحاب الفلسفات الكافرة والجدليات الملحدة.
6- جهاد التعبئة والبناء: إن المقصود بجهاد التعبئة والبناء هو تعبئة الأمة وتعليمها ما أمر الله تعالى به؛ بأن تكون منها جماعة مجاهدة واجبها الأول إنكار المنكر الأول وهو الحكم بغير ما أنزل الله، وتبذل المساعي والجهود في إقامة دين الله في الأرض، وتطبيق كتابه المنزل على نبيه وصفوة خلقه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وبناء مجتمع العمران الأخوي المسلم،.
فجهاد البناء إذن، هو نقض معاقل الكفر وهدم صروح الباطل، لبناء جيل مؤمن وعقلية مؤمنة ونمط حياة ومقوماتها.
7- الجهاد السياسي: هو بذل الجهد لتكون دعائم الدولة على أسس من مبادئ الإسلام، وقواعده العامة الشاملة، وباختصار أن تكون الحاكمية فيها لله سبحانه وتعالى وحده.
8- جهاد الكفر والفقر: وأقصد بجهاد الكفر والفقر؛ محاربة الكفر الذي انتشر في مجتمعاتنا انتشار النار في الهشيم، فمعركة الحق ضد الباطل يفصل فيها طرد دعاة الكفر، كل الكفر؛ كفر الرأسمالية التي ديدنها الابتزاز، وكفر الإيديولوجية التي تخفي وراء الشعارات البراقة وجهها الحقيقي، وفداحة كفرها وكفر الطبقية، طبقية حكام الجبر الجاثمين على صدر الأمة، المستأثرين بالسلطان والمال واللذة، والعباد والبلاد، ومتاع الحياة الدنيا.
بمحاربة كفر الطبقية والرأسمالية والإيديولوجية يتم القضاء على الفقر أخي الكفر.
9- الجهاد الاقتصادي: وهو بذل الجهد لتحقيق القوة الاقتصادية ، وإنعاش الاقتصاد، وتحقيق الكفاية المادية للأمة الإسلامية.
10- جهاد التَّوحيد: هو بذل الجهد لتوحيد الأمة الإسلامية، إذ الأصل فيها التوحد لا التفرق والتشرذم، قال الله جل جلاله: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾(2). فعلى هذا، فوحدة دار الإسلام ضرورة ملحة وواجب شرعي وأمل عزيز.و وحدة الأمة المسلمة ووحدة قيادتها هما شرطا القوة ومصدر العزة لمواجهات التحديات المعاصرة والمخططات الجاهلية.
11-الجهاد القتالي: أقصد بالجهاد القتالي بذل الجهد عن طريق المدافعة أو القتال في حماية دار الإسلام ودعوة الإسلام، ودين الله U، وإزالة الحواجز والعقبات من طريق الدعوة الإسلامية حتى تبلغ كلمتها إلى العالم، وردع المعتدين ومنعهم من الأذى والفساد.
وشمولية معاني الجهاد يجعل ترجمته إلى اللغات الأخرى أمراً صعبًا وضاراً؛ حيث تفرغه تلك الترجمة من مضمونه ومعناه السامي، وتشوه معناه كما حدث لترجمته إلى اللغة الانجليزية التي أطلقت عليه اسم الحرب المقدسة (Holy War) حيث عممت بابًا واحدًا من أبوابه الكثيرة أو نوعاً واحدًا من أنواعه المختلفة، وسدت باقي أبواب الجهاد وطمست بقية الأنواع.
مسك الختام:
إذًا فلا يقلل من مكانة الجهاد وشأنه إساءة بعض الناس توظيفه، أو ابتذاله للمصطلح باعتبار أن القيم لا ينقضها من أساء فهمها، ولا يهدم صرحها من أراد انتهاكها، وإلا لما بقيت قيمة على وجه الأرض.
أهداف القتال في الشريعة الإسلامية:
1- حماية الدعوة وتأمين انتشارها: لقوله تبارك وتعالى:﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾(3).
فالإسلام «لا يعرف حرب العدوان، ولا يزاولها لبسط السلطان، وإنما هو يعتبرها تأمينًا لدعوته، وإباحةً لحرية الاعتقاد، ويتخذ منها حصنًا يقيه اعتداء المعتدين، ويرد كيد الكائدين الغاشمين، ليبلغ للناس كلمة التوحيد التي جاء بها الرسول، الذي بعثه الله ليعيد ما تناساه الناس من التوحيد الذي جاء به الرسل السابقون، ويهدم الوثنية عند المشركين، فكل من يمنعه من تبليغ دعوته، ويحول بينه وبين نصح الناس، يجب قتاله، ليفسح الطريق أمام الدعوة»(4).
فالغرض الأصيل من القتال هو حماية الدعوة، «لذلك فإن الإسلام لا يَقْهر. ولا يُجبر امرأ على دين يرفضه. وعلى هذا فالحرية مكفولة في أحكام ودستور الإسلام. ولو صح قول بعضهم أن الإسلام سلَّ سيفًا وفرض نفسه جبرًا لما وجدنا شيئًا اسمه «الجزية» أو «ذميون» فالجزية لغير المسلمين الذي لم يرضوا دخول الإسلام. ولم يجبرهم الإسلام على اعتناقه، إنهم في حرية تامة، عقائدهم ومعابدهم محترمة يطبقون أحكام دينهم فيما بينهم»(5).
2- حماية دار الإسلام: من أهداف الجهاد القتالي الدفاع لرد اعتداء المعتدين على أرض المسلمين، يقول الله جل جلاله: ﴿وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرا﴾ (6)، أي «هذا حث مـن الله لعبــاده المؤمنين وتهييج لهم على القتال في سبيــله، وأن ذلك قد تعين عليهم، وتوجه اللوم العظيم عليهم بتركه، فقال: ﴿وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ والحال أن المستضعفين من الرجال والنساء والولـدان الذين لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً ومع هذا فقد نالهم أعظم الظلم من أعدائهم، فهم يدعون الله أن يخرجهم من هذه القرية الظالم أهلها لأنفسهم بالكفر والشرك، وللمؤمنين بالأذى والصد عن سبيل الله، ومنعهم من الدعوة لدينهم والهجرة.
ويدعون الله أن يجعل لهم وليًّا ونصيرًا يستنقذهم من هذه القرية الظالم أهلها، فصار جهادكم على هذا الوجه من باب القتال والذب عن عيلاتكم وأولادكم ومحارمكم، لا من باب الجهاد الذي هو الطمع في الكفار، فإنه وإن كان فيه فضل عظيم ويلام المتخلف عنه أعظم اللوم، فالجهاد الذي فيه استنقاذ المستضعفين منكم أعظم أجرًا وأكبر فائدةً، بحيث يكون من باب دفع الأعداء»(7).
3- المحافظة على العهود والمواثيق: فيجب الحفاظ عليها والالتزام بها وعدم التلاعب بها أو نقضها…فالعهود التي أُبرِمَت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم سواء كانت مع قريش أم اليهود… نقضها أصحابها ونكثوها، فلذلك قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقاتل يهود قريظة وقريشًا لما نقضوا عهودهم…
وفي قتال من نكث عهده يقول الحق سبحانه وتعالى: ﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ* أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَأُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (8)، أي «يقول تعالى بعدما ذكر أن المعاهدين من المشركين إن استقاموا على عهدهم فاستقيموا لهم على الوفاء: ﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ﴾ أي: نقضوها وحلوها، فقاتلوكم أو أعانوا على قتالكم، أو نقصوكم، ﴿وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ﴾ أي: عابوه، وسخروا منه.
ويدخل في هذا جميع أنواع الطعن الموجهة إلى الدين، أو إلى القرآن، ﴿فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ﴾ أي: القادة فيه، الرؤساء الطاعنين في دين الرحمن، الناصرين لدين الشيطان، وخصهم بالذكر لعظم جنايتهم، ولأن غيرهم تبع لهم، وليدل على أن من طعن في الدين وتصدّى للرد عليه، فإنه من أئمة الكفر.
﴿إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ﴾ أي: لا عهود ولا مواثيق يلازمون على الوفاء بها، بل لا يزالون خائنين، ناكثين للعهد، لا يوثق منهم.
﴿لَعَلَّهُمْ﴾ في قتالكم إياهم ﴿يَنْتَهُونَ﴾ عن الطعن في دينكم، وربما دخلوا فيه،ثم حثّ على قتالهم، وهيج المؤمنين بذكر الأوصاف، التي صدرت من هؤلاء الأعداء، والتي هم موصوفون بها، المقتضية لقتالهم»(9).
6- درء الفتنة ومنع البغي في الداخل والخارج: كالردة والحرابة والبغي، كذلك إذا بغت فئة وخالفت جماعة المسلمين وأرادت الفساد في الأرض وجب قتالها حتى ترجع إلى أمر الله تعالى.
ففي الفتنة: «والفتنة أنواع، منها: ما يمارسه الكفار من تعذيب المستضعفين من المؤمنين وتضييق الخناق عليهم ليرتدوا عن دينهم؛ قال تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً﴾(10).
ومنها: الأوضاع والأنظمة الكفرية وما ينتج عنها من فساد في شتى مجالات الحياة؛ فإن هذه من شأنها أن تفتن المسلم عن دينه، وبهذا فسر بعض السلف قوله تعالى:﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾(11)»(12).
ففي الحرابة: يقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (13).
وفي بغي فئة على فئة يقول عز اسمه: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (14).
وفي الردة: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ﴾(15).
وقد أثيرت مجموعة من الشبهات حول الردة، بكونها تمنع الإنسان من الحرية الثقافية واختيار الدين الذي يريد… لكن الأمر ليس كما يرى هؤلاء المغربون، إن عقوبة الردة الهدف منها هو حماية انحلال الأمة -التي يريد لها الله تعالى أن تبقى موحدةً. ويريد لها أعداء الدين أن تنحل وتتمزق وتتشتت-، والمحافظة على وحدتها وتماسكها؛ لأن الردة خيانة عظمى، وليست حقًا ثقافيًا كما يرى اللائيكيون من بني جلدتنا.
ومجمل القول: فإن جهاد النبي صلى الله عليه وسلم القتالي كان وفق تلك الضوابط والأهداف، «فكل سرية أو بعث أو غزوة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كانت ردًا على عدوان وانتقاماً منه، أو دفعًا لأذى، أو تنكيلاً بناكث أو غادر، أو تأديباً لبغاة أشرار، أو ثأر لدم إسلامي، أو ضمانةً لحرية الدعوة والاستجابة المهددتين أو المعطلتين بغيًا وعدواناً.
ولا يمكن أن يكون وقع من النبي صلى الله عليه وسلم نقض للمبادئ التي قررها القرآن وبلغها النبي بطبيعة الحال، والتي استمرت تترى في الآيات القرآنية في مختلف أدوار السيرة النبوية في عهديها إلى آخرها»(16).
وهكذا تقرر الشريعة الغراء، أن الجهاد القتالي في الإسلام ليس «طاقةً ماديةً، وقوةً عسكريةً، وتحركاً ماديًا، ابتغاءَ النصر كيفما كان الأمر؛ إنه في الإسلام عبادة، يتطوع بها المسلم بدمه وماله، لنصرة دين الله، وترسيخ شرعه ونظامه في هذه الدنيا.
ليس القصد في الجهاد الانتصار ولا الغلبة والسيطرة على مناطق النفوذ، ولا بسط السلطان على أكبر مساحات من الخامات؛ كلا القصد فيه مرضاة الله، بنشر دينه وتطبيق شرعه.
حينما يرقى المسلمون في جهادهم إلى هذا المستوى، يصبحون جديرين بنصر الله، وإنجاز وعده. والقوة المادية المجردة، لا غناء للإنسانية فيها، إن لم يصنعها الإيمان، ويفجرها اليقين، وتثبتها إشعاعات من روح الله»(17).
* * *
الهوامش :
(1) سورة الحشر: من الآية9.
(2) سورة الأنبياء:92.
(3) سورة البقرة:193
(4) الفن الحربي، عبد الرءوف عون، ص65.
(5) الإسلام في قفص الاتهام، شوقي أبو الخليل، ص104.
(6) سورة النساء:75.
(7) تفسير السعدي، ص187.
(8) سورة التوبة:13-14.
(9) تفسير السعدي، 330.
(10) سورة النساء:75.
(11) سورة البقرة: من الآية193.
(12) منهج النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة، ص248.
(13) سورة المائدة:33.
(14) سورة الحجرات:9.
(15) صحيح الإمام البخاري، كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب حكم المرتد والمرتدة، ح2622.
(16) سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ صور مقتبسة من القرآن الكريم وتحليلات ودراسات قرآنية، محمد عيسى دروزة، 2/278-279.
(17) صور وعبر من الجهاد النبوي بالمدينة، محمد فوزي فيض الله، ص181-182.
(المصدر: مجلة دار العلوم ديوبوند)