أشرف الفلاحي – البيان
يسابق الانقلابيون الحوثيون الزمن لفرض أمر واقع لم يعد في الجانب العسكري وحده، بل يتعدى ذلك إلى الجانب الفكري والثقافي، ولا أدل من ذلك، إجراءات تعديل المناهج الدراسية التي شرع بها القيادي البارز في الجماعة والمعين وزيراً للتربية والتعليم في حكومة الإنقاذ بصنعاء، يحي بدر الدين الحوثي وهو أيضا شقيق زعيم الجماعة.
وقدر اليمنيون اليوم خوض معركة متعددة الاتجاهات عسكرياً وسياسياً وفكرياً وثقافياً مع جماعة الحوثي في إستراتيجية التجريف التي تنتهجها في إطار ما تسمى “حرب الديموغرافيا” التي تتبناها حليفتهم إيران، أو “حراثة الأرض وزراعتها من جديد” التي بدأتها الجماعة منذ حروبها في صعدة، باستهداف مراكز تحفيظ القرآن والعلوم الدينية الشرعية في محافظات الشمال.
التمهيد الذي اعتمده الحوثيون وحلفاؤهم تزامناً مع تعيين يحي الحوثي، وزيراً للتربية والتعليم، في الحكومة التي شكلها تحالف صالح الحوثي في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، يميط اللثام عن الوجهة الطائفية للجماعة، واعتزامها إجراء تعديلات تجسد النَفَس المذهبي.
القيادي في جماعة الحوثي فارس أبو بارعة، قال: “أكيد أبو هريرة وابن تيمية والزنداني سيهربون من المناهج المدرسية، بعد إعلان السيد الحوثي وزيراً للتربية والتعليم”.
لربما خطة الحوثيين تطرح نظاماً تعليمياً مختلفاً؛ ينال من القيم ويفخخ المقررات مذهبياً وطائفياً، ويقضي على حالة التعدد في الآراء والمذاهب بالمناهج الدراسية، وبما أن فلسفة الحوثيين قتلت اليمنيين أجساداً، فلا شك أنها تمارس الآن قتلهم فكرياً.
هذه الخطة تستهدف بالدرجة الأولى كتب “التربية الإسلامية والتاريخ” التي تقول الجماعة الانقلابية إنها “مليئة بالفكر التكفيري والوهابي لتمرير مشروع التعديل”، ولذلك أمر الوزير الحوثي كما تشير تقارير إعلامية بإتلاف “كتب الدراسات الإسلامية في مطابع الكتاب المدرسي، وسحب النسخ الموجودة منها في المدارس”.
وبدأ الوزير الحوثي إجراءاته بتشكيل لجنة لإعادة صياغة المناهج التربوية وخصوصاً مواد التربية الإسلامية والتاريخ، أعقب ذلك، تعيين مدير جديد لمطابع الكتاب المدرسي من أبناء جماعته.
وعلى الرغم من الواقع البائس الذي تعاني منه المؤسسة الحكومية لطباعة الكتاب المدرسي، والذي جعل منها غير قادرة على تلبية احتياجات طلاب المدارس من الكتب المدرسي، تبرز أولوية الطباعة لكتب الحوثيين التي يراد الدفع بها إلى المدارس بحجة العجز عن طباعة الكتاب المدرسي.
هذا الأمر ينطلق من إدراك الحوثيين لأهمية التعليم، يفسر الدفع بشقيق زعيم الجماعة لتولي حقيبة التربية والتعليم، الأمر الذي يضاعف الخطر من تحويل المدارس إلى وحدات إنتاج حشد طائفي لا سيما بعد غرس الأمامية والمذهبية ومداهمتها لعقول طلاب اليمن ممن لا زالوا في سن الطفولة.
اهتمام الحوثيين بالتعليم وتعديل مناهجه، ظهر للعلن عقب سيطرتهم على صعدة عام 2011، إذ استبدلوا المناهج بمؤلفات “ملازم ” مؤسس الجماعة، حسين الحوثي، التي تمثل المرجعيات والأدبيات الدينية والفكرية لها.
يبدو أن الهدف العام من خطة تغيير المناهج هي مقررات القرآن والتربية الإسلامية، ويسعى الحوثيون إلى تفخيخ هذين المقررين مذهبياً، وتكريس الفكر الحوثي فيهما، وصبغها بالطائفية.
ودأب الحوثيون منذ فترة ليست بالقصيرة على التشكيك بالتفسيرات والمرجعيات الإسلامية سواء القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية، ولعل مناهج التربية الإسلامية تعتمد في الغالب على تفسيرات “ابن كثير” في ما يتعلق بأسباب نزول السور والآيات المقررة لطلاب المدارس، وعلى صحيح البخاري ومسلم وغيرهم من أئمة الحديث لرواية الأحاديث.
وكذلك فإن عملية التعديل ستنال هذه المرجعيات التي لا تروق بل لا تؤمن بها الجماعة الشيعية، ويدل على ذلك قول أحد رجالاتهم الدينيين ويدعى يحي أبو عواضة: “عندما تم إبعاد آل البيت عن تفسير القرآن، قدم القرآن على أنه عمى وصوَّر الله بصورة شيطان”.
في ما يتعلق بالتاريخ فقد برز حديث عن “عبهلة العنسي” المعروف بالأسود العنسي كأحد وجوه الردة في زمن خلافة أبي بكر الصديق، لكن الطرح الجديد عنه هذه المرة، يحرف مسار التاريخ لهذا الرجل وتقديمه على أنه أخر الملوك الحميريين العظماء، ونفي ادعائه النبوة واعتبر أنه قاد ثورة ضد مشروعي فارس وقريش في اليمن (في إشارة إلى باذان الذي آمن بنبوة محمد).
وكذلك، إبراز شخصية يحيى بن حميد الدين، مؤسس المملكة المتوكلية الذي حكم اليمن ما بين 1904 وحتى 1948 الذي اغتيل في هذا العام، عقب اندلاع الثورة الدستورية، لكن الجديد في الأمر، على الرغم من التاريخ الأسود الذي تربى عليه الأجيال من طلاب المدارس، وبروز شخصيته كإمام رجعي في الذاكرة الجمعية، بدأت جماعة الحوثيين بإنشاء حساب على موقع التواصل الاجتماعي يمجد هذا الشخص، ويصفه بالشهيد.
هذا النشاط المتعدد الاتجاهات من قبل الحوثيين، لا شك بأنه “مقدمات لإعادة صياغة تاريخ اليمن الجمهوري في المناهج التربوية، بطريقة تكرس الطائفية السياسية والمذهبية في المناهج، وطمس الحقائق التاريخية المتعلقة بثورة 26 أيلول/ سبتمبر لا سيما الجرائم التي ارتكبها الحكم الإمامي ضد اليمنيين.
اتجاه جماعة الحوثي نحو تعديل مقررات مدارس التربية والتعليم، ينذر بمخاطر ثقافية وفكرية على الطلاب الدارسين، وتفخيخها بأجندات طائفية.
ويمكن الإشارة إلى أن إصرار جماعة الحوثيين على إعادة تعديل مناهج التعليم المدرسي، بالقوة، وبناء مناهج جديدة تخدم أجندتها الطائفية، وهو ما ينبئ بمخاطر تهدد النسيج الاجتماعي وتعمق الهوة الثقافية والفكرية في البلاد.
فضلاً عن ذلك فإن العمل على تعديل المناهج من قبل الحوثي في ظل استمرار الحرب قبل العودة إلى “حالة الاستقرار السياسي يتجاوز الأبعاد التربوية والهدف العام للعملية التربوية، بل ينتج جيلاً مفخخاً بالأفكار الطائفية والمناطقية لا أكثر”.
غير أن توقيت الإعلان عن تعديل المناهج وفي ظل استمرار الحرب يتجاوز التوجهات الدولية في حالة الطوارئ التي تدعو لضمان استمرارية التعليم بعيداً عن أي أجندات سياسية أو فكرية بين الأطراف المتحاربة، كما أن هذا انقلاب واضح على مقررات الإجماع الوطني التي خرج بها مؤتمر الحوار الوطني المنتهي في كانون أول/ يناير 2014، والقاضي بأن تعاد صياغة المناهج المدرسية بما يتناسب ومبادئ الدستور الجديد للدولة الاتحادية.