أبعاد المؤامرة المجوسيَّة-النُّصيريَّة لتدمير الشَّام 7 من 7
إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن
دور النُّصيريَّة في طعْن المسلمين قديمًا وحديثًا
انبثقت الفرقة النُّصيريَّة عن الشّيعة الإسماعيليَّة، الَّتي أسَّسها اليهودي الفارسي ميمون القدَّاح، وهي تشترك مع الكثير من الملل الباطنيَّة في الإيمان بتناسُخ الأرواح وإنكار البعث والنُّشور، وتؤمن بثالوث يتكوَّن من النَّبي (ﷺ) وعليّ وسلمان الفارسي، تعتبر عليًّا هو الرَّب، محمَّد (ﷺ) هو الحجاب، وسلمان هو الباب. يلقي الشَّيخ محمَّد سرور الضَّوء على دور أتباع النُّصيريَّة في تسهيل الاحتلال الصَّليبي للشَّام، ثم الغزو المغولي. وكما سبق الإشارة باستفاضة في الدّراسة تحت عنوان “نشأة القوميَّة في العالم الإسلامي: شرارة البعث العربي أم ذراع الاستعمار الغربي؟”، فقد عمل الانتداب الفرنسي على دعْم الانقسام الطَّائفي في سوريا، وتمييز أبناء الطَّائفة النُّصيريَّة، أو العلويَّة كما غيَّر الانتداب الفرنسي اسمها، بإلحاقهم بالمناصب القياديَّة، وبخاصَّة في الجيش، وكان لذلك تأثيره في تنامي نفوذ تلك الطَّائفة، حتى نجح أبناؤها من أعضاء اللجنة العسكريَّة لحزب البعث العربي الاشتراكي السُّوري صاحب الأغلبيَّة العلويَّة، في الاستيلاء على السُّلطة جزئيًّا في انقلاب 8 مارس 1963م، ثمَّ كليًّا في انقلاب 23 فبراير 1966م، بعد الإطاحة بالقيادة القوميَّة للحزب.
وكان حافظ على سليمان، الشَّهير بحافظ الأسد، من بين القادة العسكريين في حزب البعث الَّذين صعد نجمهم، حيث تدرَّج في المناصب من قائد للقوَّات الجويَّة عام 1964م، إلى وزير دفاع عام 1966م، إلى رئيس الوزراء عام 1970م، إلى رئيس الجمهوريَّة رسميًّا في 22 فبراير 1971م، واحتفظ بالمنصب حتَّى موته في 10 يونيو 2000م، ليخلفه ابنه، طبيب الرَّمد بشَّار الأسد منذ حينها إلى اليوم. وكما أوضح شيخ الإسلام ابن تيمية، فأتباع النُّصيريَّة “دائمًا مع كل عدو للمسلمين، فهم مع النصارى على المسلمين، ومن أعظم المصائب عندهم انتصار المسلمين على التتار، ثم إنَّ التتار ما دخلوا بلاد الإسلام وقتلوا خليفة بغداد وغيره من ملوك المسلمين إلا بمعاونتهم ومؤازرتهم”. ويقول الشَّيخ محمَّد سرور في هؤلاء أنَّهم “يخطّطون للقضاء على الإسلام والمسلمين إن خلا لهم الجو، ويتعاونون مع إسرائيل وإيران والولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، وقد أجمع علماء المسلمين في القديم والحديث على كُفر هذه الطَّائفة” (ص92).
تحالُف رافضي-نُصيري على حساب المسلمين
يفتح حديث سرور عن تعاوُن نظام الأسد العلوي مع أعداء المسلمين، وبخاصَّة إيران، المجال للإشارة إلى ما تناوَله في فصل عنوانه “ماذا وراء تقارُب الرَّافضة مع النُّصيريين؟”، بادئًا بتسجيل تعجُّبه الشَّديد من وصول حافظ الأسد، المنتمي إلى فرقة باطنيَّة أجمع علماء المسلمين على خروجها عن ملَّة الإسلام، إلى سُدَّة الحُكم في بلد غالبيَّة سُكَّانه من المسلمين. يجدر التَّنبيه هنا إلى أنَّ حافظ الأسد قد عدَّل الدُّستور عام 1973م، لكيلا يشترط أن يكون رئيس سوريا مسلمًا، كما انتزع من المعمَّم الشّيعي الإيراني-اللبناني موسى الصَّدر اعترافًا بشيعيَّة النّظام الحاكم في سوريا. اكتسب نظام الأسد مزيدًا من الشَّرعيَّة بعد زيارة عدد من مرجعيَّات الشّيعة الإيرانيين، ومن بينهم المفكّر السيد حسن بن مهدي الحسيني الشيرازي، للعلويين في أماكن وجودهم في سوريا، وقد أصدر هؤلاء بيانًا أوضح أنَّ: العلويين يدينون بالولاية لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، وشأنهم في ذلك شأن سائر الشّيعة؛ كلمتي “العلويين” و “الشّيعة” مترادفتان، ممَّا يعني أنَّ الشّيعي علويّ العقيدة، والعلوي شيعي المذهب. يلمح الشَّيخ محمَّد سرور إلى تعاوُن ملالي قُم، حتَّى قبل تأسيس الجمهوريَّة الإسلاميَّة عام 1979م، مع نظام الأسد في توطيد حُكمه، ولو بالنّفاق والانقلاب على ثوابت عقيدتهم، وهنا يتساءل سرور مستنكرًا (ص429):
كيف جهل النَّاس عقيدة النُّصيريَّة خلال قرون، ثمَّ جاء شيخ إيراني ليحقّق ما عجَز عنه الأوائل، وعجَز عنه علماء السُّنَّة والشّيعة الَّذين يعايشون النُّصيريَّة في ديارهم؟!
لماذا جاء هذا الاكتشاف في ظروف عصيبة: اعتلاء حافظ الأسد رئاسة الجمهوريَّة لأوَّل مرَّة في تاريخ بلاد الشَّام، وإقدامه على إذاعة بيان سقوط القنيطرة المشهور؟!
كانت العلاقات السُّوريَّة-الإيرانيَّة قد توتَّرت لفترة طويلة في العهود السَّابقة على وصول حافظ الأسد إلى الحُكم؛ ويرجع ذلك إلى اعتراف إيران رسميًّا بدولة إسرائيل عام 1960 وتبادُل السُّفراء فيما بينهما، وازدياد النُّفوذ اليهودي في إيران في المؤسَّسات الإعلاميَّة والتُّجاريَّة والعسكريَّة، واستمرار الاحتلال الإيراني للأحواز العربيَّة وتغييره هويَّتها والاستيلاء على خيراتها، والعداء مع دول الخليج والتَّهديد المتكرّر بمحاربتها. بدأت العلاقات تنتعش وتتجدَّد بعد بيان ملالي إيران المعترف بشيعيَّة العلويين، ممَّا مهَّد لزيارة وزير الاقتصاد والتّجارة السُّوري إلى إيران في مايو 1974م، لبدء علاقات تجاريَّة بين البلدين. وفي عام 1975م، قدَّمت إيران لسوريا قرضًا قيمته 150 مليون دولار، وتم الاتّفاق على إنشاء خط حديدي بين القامشلي السُّوريَّة وطهران الإيرانيَّة، وهنا يتساءل سرور متعجّبًا “لماذا هذا الحرص على أن تكون معظم مشاريعهم قرب الحدود السُّوريَّة-العراقيَّة؟!” (ص432). كلَّل حافظ الأسد جهود التَّعاون مع نظام الشَّاه محمَّد رضا بهلوي بزيارة أجراها إلى إيران في يناير 1976م، عقَد خلالها اجتماعًا مغلقًا مع الشَّاه، صرَّح الأخير لوسائل الإعلام أنَّه تناوَل القضايا الإقليميَّة المُلحَّة.
يعلّق الشَّيخ محمَّد سرور في كتابه وجاء دور المجوس (1979م) على ادّعاء بعض المراقبين أنَّ التَّعاون السُّوري-الإيراني أسبابه غير معلنة، بقوله إنَّ الهدف هو “تحقيق أهداف الباطنيين في العالم الإسلامي، وهو هدف طالما سعوا إليه في جميع حقب التَّاريخ الإسلامي” (ص436-437). يكشف اللقاء بين رئيس سوريا، القوميَّة الاشتراكيَّة التَّقدُّميَّة المعلنة عداءها لإسرائيل، وشاه إيران، الرأسماليَّة الرَّجعيَّة المعترفة بإسرائيل رسميًّا والمتعاونة معها عسكريًّا وتجاريًّا، دليل على أنَّ الاتّفاق العقائدي بين الطَّرفين أقوى من اختلاف النُّظم السّياسيَّة، وأنَّ رفْع نظام الأسد شعار معاداة إسرائيل هو “للاستهلاك والمزايدة” (ص438). ويختتم سرور حديثه في هذا السّياق بالتَّأكيد على أنَّ تجدُّد العلاقات السُّوريَّة-الإيرانيَّة بعد وصول حافظ الأسد إلى السُّلطة كان على أساس أيديولوجي، يخدم الانتماء العقائدي قبل المصالح السّياسيَّة؛ والدَّليل على ذلك أنَّ ملالي إيران هم مَن بادر بزيارة سوريا والاعتراف بشيعيَّة نظامها، قبل اللقاء السّياسي بين قادة البلدين.
المصدر: رسالة بوست