أبعاد المؤامرة المجوسيَّة-النُّصيريَّة لتدمير الشَّام 1 من 7
إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
“وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا ۗ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ” (سورة البقرة: الآية 135).
“وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ” (سورة الحجّ: الآية 78).
“يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (18) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21) لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)” (سورة المجادلة: الآيات 18-22).
“أَرَاهُ وَلكِنْ لَيْسَ الآنَ. أُبْصِرُهُ وَلكِنْ لَيْسَ قَرِيبًا. يَبْرُزُ كَوْكَبٌ مِنْ يَعْقُوبَ، وَيَقُومُ قَضِيبٌ مِنْ إِسْرَائِيلَ، فَيُحَطِّمُ طَرَفَيْ مُوآبَ، وَيُهْلِكُ كُلَّ بَنِي الْوَغَى. وَيَكُونُ أَدُومُ مِيرَاثًا، وَيَكُونُ سِعِيرُ أَعْدَاؤُهُ مِيرَاثًا. وَيَصْنَعُ إِسْرَائِيلُ بِبَأْسٍ” (سفر العدد: إصحاح 24، آيتان 17-18).
“فَالآنَ اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَالِيقَ، وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلًا وَامْرَأَةً، طِفْلًا وَرَضِيعًا، بَقَرًا وَغَنَمًا، جَمَلًا وَحِمَارًا” (سفر صموئيل الأوَّل: إصحاح 15، آية 3).
“وَبَعْدَ ذلِكَ ضَرَبَ دَاوُدُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَذَلَّلَهُمْ، وَأَخَذَ جَتَّ وَقُرَاهَا مِنْ يَدِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. وَضَرَبَ مُوآبَ، فَصَارَ الْمُوآبِيُّونَ عَبِيدًا لِدَاوُدَ يُقَدِّمُونَ هَدَايَا. وَضَرَبَ دَاوُدُ هَدَرَ عَزَرَ مَلِكَ صُوبَةَ فِي حَمَاةَ حِينَ ذَهَبَ لِيُقِيمَ سُلْطَتَهُ عِنْدَ نَهْرِ الْفُرَاتِ” (سفر أخبار الأيَّام الأوَّل: إصحاح 18، آيات 1-3).
تقديم
أخبرنا نبيُّنا مُحمَّد (ﷺ) قبل 14 قرنًا أنَّ أمَّة الإسلام ستتداعى عليها الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، وأنَّ ذلك نتيجة الانغماس في حبَّ الدُّنيا وعدم الاستعداد لحياة الآخرة بعد لقاء الله تعالى، حتَّى تعتزم قوى الكفر والفسق والضَّلال تقويض بنيان دولة الإسلام، الَّتي قامت بتضحيات المسلمين الأوائل، في ظلّ التَّقاعس عن نُصرة الدّين واتّباع الأهواء والرُّكون إلى الَّذين ظلموا، ولو على حساب ثوابت الدّين. وأوضح النَّبيّ الأميّ، الَّذي لا ينطق عن الهوى، أنَّ الصّراع بين فسطاط الإيمان وفسطاط النّفاق سيحتدم في أرض الشَّام المباركة، فقال (ﷺ)، كما روى عنه الصَّحابي الجليل أبو هريرة (رضي الله عنه وأرضاه) “لا تَزالُ عِصابةٌ مِنْ أُمَّتي يُقاتِلُون على أبوابِ دِمَشقَ وما حَوْلَه، وعلى أبوابِ بَيتِ المَقدِسِ وما حولَه، لا يَضُرُّهم خِذْلانُ مَن خَذَلَهُم، ظاهرين على الحقِّ إلى أنْ تقومَ الساعةُ”. إذا نظرنا إلى البقعتين اللّتين أشار إليهما النَّبي الكريم (ﷺ) في هذه الآونة، لوجدنا أنَّ كليتهما تتعرَّضان لحملة استعماريَّة ظالمة، اتَّحدت فيها قوى أبناء الملل الباطنيَّة المنحرفة عن صحيح دين الله، الَّذي أرسله به أنبياءه جميعًا ليبلّغوه لكافَّة الأمم، دون تبديل أو تغيير. غير أنَّ أولياء الشَّيطان أدبروا عن شريعة الله تعالى، واتَّبعوا ما تتلو الشَّياطين من وحي إلهي كاذب، قدَّموه على دين الحقّ، مستغلين التهاء أبناء أمَّة الإسلام بحظّهم من دنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة.
قد يكون المفهوم السَّائد لدى غالبيَّة أبناء الأمَّة الإسلاميَّة أنَّ العداء اليهودي والصَّليبي، الَّذي يشكّل الحافز العقائدي للحملات الاستعماريَّة على ديار الإسلام قديمًا وحديثًا، هو أشدَّ عداء تواجهه الأمَّة. غير أنَّ الحملات الاستعماريَّة اليهوديَّة والصَّليبيَّة ما كانت لتحقّق أهدافها بدون دعْم من فئة من المنافقين، المحسوبين على الإسلام زورًا بادّعاء الانتساب إليه من باب التَّقيَّة، بينما هم يوالون أعداء الإسلام سرًّا ويشاركونهم في تنفيذ مؤامراتهم ضدَّ المسلمين. ولعلَّ كثيرون من أبناء أمَّة الإسلام يغفلون عن أكبر أعدائهم، بل ويدعو بعض أعضاء النُّخبة الفكريَّة والسّياسيَّة في العصر الحالي إلى التَّحالف معهم بعد التَّغاضي عن الاختلاف المذهبي بحجَّة مراعاة المصالح الإقليميَّة، ألا وهم الرَّوافض، أتباع الملَّة الباطنيَّة المتوافقة في معظم أركانها مع دين اليهود والصَّليبيين، والمؤمنة بالكثير من بدع الأمم الوثنيَّة، والمنبثقة عن العديد من الفرق الضَّالَّة النَّاهلة من معينها العقائدي الباطل، مثل الدُّرزيَّة والبهائيَّة والنُّصيريَّة.
يشهد التَّاريخ بتآمر الفُرس على دولة الإسلام على مرّ العصور، منذ سعي كسرى بن هرمز إلى القضاء على دعوة الإسلام في مهدها واعتقال النَّبيّ الاتيان به (ﷺ) إلى عاصمة الفُرس؛ ثمَّ تحريف اليهودي عبد الله بن سبأ، الوافد من اليمن الخاضعة حينها لسُلطان الفُرس، صحيح الإسلام بابتداع مذهب التَّشيُّع لأهل البيت النَّبوي؛ ثمَّ تمويل حروب الرّدَّة الَّتي قادها مدَّعي النُّبوَّة طلحة بن خويلد الأسدي، قبل أن يعلن إسلامه، بعد وفاة النَّبي (ﷺ)؛ ثمَّ إدخال الفُرس عقائد المجوسيَّة وغيرها من الدّيانات الوثنيَّة على صحيح العقيدة خلال زمن الدَّولة العبَّاسيَّة؛ ثمَّ تحالُف الدَّولة الفاطميَّة الشّيعيَّة مع الصَّليبيين عند شنّهم الحملة الصَّليبيَّة الأولى أواخر القرن الحادي عشر الميلادي، وتسهيل احتلال بيت المقدس وتدنيس المسجد الأقصى؛ ثمَّ محاولة الشَّاه إسماعيل الصَّفوي في القرن السَّادس عشر الميلادي تشكيل تحالُف مع ملوك أوروبا للإجهاز على الدَّولة العثمانيَّة من الشَّرق والغرب في وقت واحد، وما تبع ذلك من افتعال ملوك الدَّولة الصَّفويَّة أزمات لجرّ الدَّولة العثمانيَّة إلى حروب تلهيها عن جبهة القتال في أوروبا؛ وحتَّى تعاوُن أتباع البهائيَّة والنُّصيريَّة في العصر الحديث مع الاستعمار الأجنبي في إسقاط دولة الخلافة الإسلاميَّة، ثمَّ في حملته الأخيرة لتقويض ما بقي من كيان دولة الإسلام، انطلاقًا من الشَّام؛ ولعلَّ خير مثال على ذلك تحالُف نظام الأسد العلوي في سوريا مع نظام ملالي الشّيعة في إيران بعدم روسيا الصَّليبيَّة، معقل الملَّة المسيحيَّة الأرثوذكسيَّة في العالم، في تقتيل أهل السُّنَّة في سوريا وإعادة تقسيم البلاد بما يخدم أطماع الاستعمار الجديد، من خلال أحداث دمويَّة، يعتبرها المعارضون ثورة شعبيَّة على النّظام العلوي، فيما يطلق عليها ذاك النّظام الدَّموي “الحرب الأهليَّة”.
يجدر التَّذكير بأنَّ فلسطين خضعت منذ عام 1920م للانتداب البريطاني الَّذي انتهى عام 1947م، بعد إصدار الأمم المتَّحدة قرارًا بتقسيمها وتأسيس دولة يهوديَّة على أرضها، وبأنَّ سوريا وقعت في العام ذاته تحت الانتداب الفرنسي، الَّذي عمل على إذكاء النَّزعة الطَّائفيَّة وتمييز أبناء الطَّوائف الَّتي تشكّل أقليَّات دينيَّة غير مسلمة في المناصب، حتَّى سيطر أتباع النُّصيريَّة، الَّذين أطلق عليهم الانتداب الفرنسي العلويين، على مقاليد الحُكم تدريجيًّا تحت ستار الانتماء لحزب قومي اشتراكي، إلى أن وصلوا إلى حُكم البلاد رسميًّا منذ عام 1971م. تسجّل صفحات التَّاريخ أنَّ عبد البهاء عباس أفندي، ابن ميرزا حسين المازندراني، مؤسّس فرقة البهائيَّة الَّذي نُفي في زمن الدَّولة العثمانيَّة إلى فلسطين مع أسرته ومات ودُفن في عكَّا عام 1892م، قد حصل على وسام العضويَّة الإمبراطوريَّة البريطانيَّة من درجة فارس، بعد نجاح قوَّات الاحتلال البريطاني في اجتياح حيفا في ديسمبر 1918م، خلال ما يُسمَّى زورًا الثَّورة العربيَّة الكبرى، بينما هي في حقيقتها المؤامرة الاستعماريَّة الكبرى لإسقاط دولة الخلافة الإسلاميَّة. وكما يشير محمَّد حسن إسماعيل في كتابه البابيَّة والبهائيَّة: تاريخًا وعقيدة -ردودنا عليهم في كتابهم عبد البهاء والبهائيَّة (2009م)، بعد دخول قوَّات الاحتلال البريطاني إلى حيفا، هرع قائد الحامية إلى زيارة عبَّاس أفندي، وقدَّم له الوسام باسم ملك بريطانيا “برهانًا على جلائل أعماله، وتقديرًا لمنزلته من نفوس أمراء وملوك العالم” (ص383).
والمتتبّع لمسيرة نظام حزب البعث العلوي سينتبه إلى تواطئ النّظام منذ السّتينات من القرن الماضي لصالح إسرائيل في إشعال حرب 5 يونيو 1967م؛ ثمَّ إجبار مصر على خوض حرب استنزاف على أرضها وليس في إسرائيل كأنَّما الاستنزاف كان لاقتصاد مصر؛ ثمَّ تسهيل احتلال مزيد من الأراضي السُّوريَّة في حرب أكتوبر 1973م؛ ثمَّ التَّقاعس عن نُصرة اللاجئين الفلسطينيين في الحرب الأهليَّة اللبنانيَّة، بل والمشاركة في قتلهم مع سُنَّة لبنان؛ ثمَّ دعْم حركة أمل الشّيعيَّة في حرب المخيَّمات عام 1985م؛ ثمَّ مشاركة إيران في استنزاف موارد العراق خلال الحرب الإيرانيَّة-العراقيَّة من خلال منْع مرور النَّفط العراقي بريًّا إلى موانئ البحر المتوسّط؛ ثمَّ تأييد حرب العراق عام 2003م والترحيب بسقوط صدَّام، ثمَّ تنفيذ مخطَّط إعادة التَّوزيع السُّكَّاني بعد الثَّورة الشَّعبيَّة، الَّتي يعرّفها النّظام الطَّائفي بـ “الحرب الأهليَّة السُّوريَّة”.
حرص العلوي حافظ الأسد منذ تولّيه الحُكم في سوريا عام 1971م على إعادة المياه إلى مجاريها مع إيران الشّيعَّة، بعد توتُّر العلاقات بسبب اعتراف الأخيرة رسميًّا بإسرائيل وتعاوُنها التُّجاري والعسكري معها؛ كما حرص على نيل اعتراف ملالي قُم بشرعيَّة نظامه، وسهَّلت زيارة جماعة من كبار مرجعيَّات إيران إلى سوريا عام 1973م، لإزالة الاختلافات العقائديَّة بين الرَّوافض وأتباع النُّصيريَّة، الاتّفاق السّياسي والتَّعاون الاقتصادي بين البلدين، ما أفضى إلى تشكيل تحالُف اعتبر الشَّيخ محمَّد سرور في كتابه وجاء دور المجوس (1979م) أنَّه يستهدف “تحقيق أهداف الباطنيين في العالم الإسلامي، وهو هدف طالما سعوا إليه في جميع حقب التَّاريخ الإسلامي” (ص436-437). لم تتأثَّر علاقة سوريا بإيران بعد نجاح الثَّورة الخمينيَّة، بل قويت؛ ولعلَّ من أسباب ذلك وجود الاشتراك في معاداة العراق، وادّعاء مواجهة الكيان الصُّهيوني والسَّعي إلى محوه. ومع اتّخاذ نظام الخميني “محو إسرائيل” لتأسيس دولة الخلافة الإسلاميَّة من جديد شعارًا لثورته، انجذب إليه قادة حركات المقاومة، الإسلاميَّة وغير الإسلاميَّة، وعلى رأسها منظَّمة التَّحرير الفلسطينيَّة وحركتي حماس والجهاد الإسلامي. نجح نظام الخميني في توطيد المدّ الشّيعي في لبنان، من خلال تأسيس ميليشيات شيعيَّة إسلاميَّة الدَّعاية، على رأسها حركة أفواج المقاومة اللبنانيَّة (أمل) وحزب الله اللبناني، تستهدف ترسيخ الوجود الإيراني في لبنان والتَّحالف مع الطَّائفة المارونيَّة للحيلولة دون انفراد التَّيَّار السُّنّي بالسُّلطة.
ويطرح سؤال محيّر نفسه: ما هي ثمرة الدَّعم الإيراني للمقاومة الفلسطينيَّة لإسرائيل، وقد فشلت حركات المقاومة كافَّة، ليس في تحرير الأراضي المحتلَّة قبل عاميّ 1948م و1967م فحسب، إنَّما خسرت مزيدًا من الأراضي، حتَّى أعلنت إسرائيل سيطرتها على 85 بالمائة من أرض فلسطين التَّاريخيَّة بموجب خطَّة السَّلام الأمريكيَّة، أو صفقة القرن، في 28 يناير 2020م؟ المفارقة أنَّ من يثير مسألة أنَّه برغم الدَّعم الإيراني “لم تفشل منظَّمة التَّحرير الفلسطينيَّة في حيازة أيّ جزء من إسرائيل فحسب، إنَّما فقدت كذلك أرضها في لبنان” هو الباحث السّياسي الإسرائيلي إيهود إيلام في كتابه Israel, the Arabs and Iran: International Relations and Status Quo, 2011-2016–إسرائيل والعرب وإيران: العلاقات الدُّوليَّة والوضع الرَّاهن (2011-2016) الصادر عام 2018م (ص3).
هكذا، وبعد اختراق إيران صفوف المقاومة الفلسطينيَّة وسيطرتها على حركات المقاومة اللبنانيَّة، وتمويلها كافَّة الحركات المعادية لإسرائيل وإمدادها بالسّلاح، فإلى ما ستؤول إليه المواجهة بين الطَّرفين؟ كما سبقت الإشارة في دراسة تحت عنوان “نشأة القوميَّة في العالم الإسلامي: شرارة البعث العربي أم ذراع الاستعمار الغربي؟”، تنبَّأ المفكّر والكاتب الصُّهيوني-المسيحي جويل روزنبرغ في ثلاثيَّة The Twelfth Imam-الإمام الثاني عشر (2010-2013م) اندلاع مواجهة بين إسرائيل وإيران بفعل هجمة استباقيَّة تشنُّها إيران بالتَّعاون مع الميليشيات المسلَّحة الَّتي تدعمها، أطلق عليها اسم الرُّواية الثَّانية في الثُّلاثيَّة، The Tehran Initiative-مبادرة طهران (2011م). وبعد مبادرة طهران، تنتقل الحرب إلى دمشق، حيث يتنبَّأ روزنبرغ بتحقُّق نبوءة الكتاب المقدَّس بشأن دمارها (سفر اشعياء: إصحاح 17، آيات 1-3)، عند إدارة الإمام الثَّاني عشر الحرب على إسرائيل منها، لتفاجئه الأخيرة بضربات موجهة تقضي عليه وعلى خاصَّة رجاله، وتقوّض حُلم تأسيس دولة الخلافة مع تدمير مدينة دمشق العريقة، آخر معقل لأذناب التَّطرُّف الإسلامي؛ ومن هنا يأتي عنوان الرُّواية الثَّالثة، وهو Damascus Countdown-العدُّ التَّنازلي لدمشق (2013م). هذا، وتُعنى هذه الدّراسة برصد طبيعة التَّحالف بين الرَّوافض في إيران والعلويين في سوريا، وحقيقة أهدافه، وتبعات ذلك التَّحالف وتأثيره على سير الأحداث في منطقة الشَّرق الأوسط، في محاولة لإثبات أنَّ ذلك التَّحالف، الَّذي يدَّعي معاداة إسرائيل والسّعي إلى محوها، لا تخدم تحرُّكاته غيرها، مع استعراض السّيناريو المتوقَّع، في ضوء عقيدة الصَّهيونيَّة المسيحيَّة، أن يفضي إليه الصّراع بين إسرائيل وإيران والميليشيات المسلَّحة الَّتي تموُّلها.
المصدر: رسالة بوست