أبجديات بُطلان قياس الصلح مع الصهاينة على صلح الحُدَيْبية
بقلم نبيل صبيح
التعريف بصلح الحديبية: هو صلح عُقِد بين المسلمين ومشركي مكة بمنطقة تسمى الحديبية؛ قريبا من مكة، عندما منع المشركون الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين من دخول مكة لأجل أداء العمرة؛ وذلك في السنة السادسة للهجرة(6ه)، واتفق الطرفان في الصلح – مِن بين ما وقع عليه الاتفاق – على أن تتم بينهما هُدنة، وأن لا تقع حرب مدة عشر سنوات؛ لكن قريشا أخَلّت بالاتفاق حين ساندت قبيلةً حليفةً لها في اعتدائها على قبيلةٍ حليفةٍ للرسول صلى الله عليه وآله وسلم؛ فنتج عن ذلك فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة(8هـ).
أوْجُه الافتراق بين صلح الحديبية والصلح مع الصهاينة:
1- يَلْزَم استحضار الملابسات العامة والسياق الخاص لوقوع صلح الحديبية بين المسلمين وأهل مكة؛ مما يُعِين على تجنب التعسف والانتقاء والتدليس في الاستدلال؛
2- يمكن تقسيم مراحل السيرة النبوية حسب موازين القوة المادية بين المسلمين وغير المسلمين إلى ثلاث مراحل:
أ – مرحلة الاستضعاف المادي: وتمتد من بدء الدعوة إلى الهجرة النبوية، وتتميز هذه المرحلة بالنماذج الكثيرة لمواقف الصمود والثبات واستعلاء الإيمان، وعدم الخضوع لمساومات المشركين – وقد كان المشركون هم من يبادرون إليها على الرغم من قلة المسلمين، وضعفهم المادي – كما يشهد لذلك خواتيم سورة العلق، وسورة الكافرون، وسورة المسد، والآيات الكثيرة في القرآن المكي، وكما يشهد لها من أحداث السيرة النبوية: الحصار الاجتماعي والاقتصادي من طرف المشركين للمسلمين بشِعْب بني هاشم مدة ثلاث سنوات؛ حتى أكل المسلمون أوراق الشجر، وإنّ سَعْد بن أبي وقاص رضي الله عنه ليقول: “خَرَجْت ذَاتَ لَيْلَةٍ لِأَبُولَ، فَسَمِعْت قَعْقَعَةً تَحْتَ الْبَوْلِ، فَإِذَا قِطْعَةٌ مِنْ جِلْدِ بَعِيرٍ يَابِسَةٍ، فَأَخَذْتهَا وَغَسَلْتهَا، ثُمّ أَحْرَقْتهَا ثُمّ رَضَضْتهَا، وَسَفِفْتهَا بِالْمَاءِ، فَقَوِيت بِهَا ثَلَاثًا”؛ أي ثلاثة أيام. لكن المسلمين لم يستسلموا وقاوموا وثبتوا حتى زال الحصار عنهم. وكما يشهد لها رد النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما فاوَضه المشركون على ترك ما يدعو إليه؛ فنظر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء، وقال لهم: (أَتَرَوْنَ هَذِهِ الشَّمْسَ؟). قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: (مَا أَنَا بِأَقْدَرَ عَلَى أَنْ أَدَعَ لَكُمْ ذَلِكَ عَلَى أَنْ تَسْتَشْعِلُوا لِي مِنْهَا شُعْلَةً)[أي حتى تُعطوني منها شعلة، وكما هو مُحال عليكم أن تعطوني منها شعلة؛ فمُحال أن أترك ما أدعو إليه]. قَالَ: فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: مَا كَذَبَنَا ابْنُ أَخِي، فَارْجِعُوا، فرجعوا”، وتربيته صلى الله عليه وآله وسلم للصحابة رضي الله عنهم على أن لا يهتز يقينهم بسبب ما يصيبهم في طريق آمنوا به واختاروه، وأن لا يكون للضغوط النفسية في سياق الآلام المعترضة أثر في استعجال الحلول؛ لِما يفضي إليه ذلك من خَوَر في النفوس والمواقف، وتوالٍ في التنازلات، والقابلية للخضوع لإملاءات الخصوم والأعداء كيف ما كان سقف انحدارها؛ وهذا ما يمكن تلمُّسه في قول النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه خبَّاب بن الأَرَتِّ؛ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ). مع الإشارة إلى أن الصورة الكاملة لمعنى الحديث لن تتم إلا إذا عَلِمنا مستوى التعذيب الذي كان يعانيه خبّاب رضي الله عنه؛ فقد سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه خبّابا عمّا لَقي من المشركين، فقال خباب: “يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ انْظُرْ إِلَى ظَهْرِي، فَقَالَ عُمَرُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ،[لِشدة فظاعة منظر ظهر خباب]، قَالَ[خباب]: “أَوْقَدُوا إِلَيَّ نَارًا، فَمَا أَطْفَأَهَا إِلَّا وَدَكُ ظَهْرِي”؛ فقد كانوا يوقدون النار ويسحبونه عليها، فما يطفئها إلى دُهْن ظهره رضي الله عنه.
ب – مرحلة التوازن المادي، أو التوازن الاستراتيجي: وتمتد من أول مراحل بناء الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة إلى صلح الحديبية؛ وتمتاز هذه المرحلة بالخلاصات التالية:
– أن المسلمين استثمروا مواقف الصمود والثبات في مرحلة الاستضعاف المادي في تشكيل إطار خاص بهم، يخضع في التسيير والتدبير لسلطة المسلمين المستقلة.
– أن المسلمين كانوا في حركة بناء متصاعد، وتشَكُّل متنامٍ، وعدم توقف في استجماع أسباب القوة والتمكين.
– أن صلح الحديبية كان في آخر هذه المرحلة؛ أي على التُّخوم الـمُطِلّة على مرحلة التفوق المادي أو الاستراتيجي التالية، وفيها اضطر المشركون إلى التفاوض مع المسلمين كطرف في مقابل طرف، وأن يتم الاعتراف بهم ككيان مستقل، بعدما كان المشركون يُنكِّلون بهم فرادى، ويبحثون عن سبل استئصالهم والقضاء عليهم.
– أن صلح الحديبية الذي كان في السنة السادسة للهجرة كان عملا ضمن أول مراحل تغيُّر خطة المسلمين من مرحلة الاكتفاء بالرد الدفاعي، وانتظار هجوم العدو، ورصد تحركاته، إلى مرحلة الهجوم، وتحويل المعارك إلى أرض العدو، ويشهد لهذا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم على إثر غزوة الأحزاب التي وقعت في السنة الخامسة للهجرة (الآنَ نَغْزُوهُمْ وَلا يَغْزُونَا، نَحْنُ نَسِيرُ إِلَيْهِمْ). وهو ما تم بالفعل؛ “لِأَن الْقَوْم بعد غَزَاة الْأَحْزَاب لم يَأْتُوا لقِتَال، وَإِنَّمَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخرج إِلَيْهِم، وَخرج لفتح مَكَّة فَدَخلَهَا قاهرا”.
ج – مرحلة التفوق المادي، أو التفوق الاستراتيجي: وهي المرحلة التي تَلَت صلح الحديبية؛ إذ عادت فائدة الصلح العظمى على المسلمين؛ وسمحت حال الأمن بنشر الدعوة، وانسيابها إلى مختلف الناس؛ كما قال ابن شهاب الزهري(ت124ه):” فَمَا فُتِحَ فِي الْإِسْلَامِ فَتْحٌ قَبْلَهُ كَانَ أَعْظَمَ مِنْهُ، إنَّمَا كَانَ الْقِتَالُ حَيْثُ الْتَقَى النَّاسُ، فَلَمَّا كَانَتْ الْهُدْنَةُ، وَوُضِعَتْ الْحَرْبُ، وَآمَنَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَالْتَقَوْا فَتَفَاوَضُوا فِي الْحَدِيثِ وَالْمُنَازَعَةِ، فَلَمْ يُكَلَّمْ أَحَدٌ بِالْإِسْلَامِ يَعْقِلُ شَيْئًا إلَّا دَخَلَ فِيهِ، وَلَقَدْ دَخَلَ فِي تِينِكَ السَّنَتَيْنِ مِثْلُ مَنْ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ”. وفي هذه المرحلة تم فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة؛ إذ دخلها الرسول صلى الله عليه وسلم بجيش قوامه عشرة ألف مسلم، بينما من حضر معه الحديبية كانوا ألفا وأربعمائة مسلم.
فأي حال من أحوال واقعنا – في أي جانب من جوانب الحياة – يمكن استحضاره في جواز قياس الصلح مع الصهاينة على صلح الحديبية!؟، وهل يمكن ولو مقاربة بعض نتائج صلح الحديبية؟!
3 – صلح الحديبية نتج عن تفاوض بين المسلمين والمشركين؛ الذين هم أهل مكة وسكانها، وأصحاب الأرض، وليسوا مغتصبين ولا محتلين، وقد كانت المنازعة من المسلمين للمشركين – وليس العكس – في أن لهم الحق – كما لجميع العرب حينئذ – في دخول مكة وأداء مناسك العمرة أو الحج بالبيت الذي بناه إبراهيم عليه السلام للعالمين على أساس التوحيد، وأن المسلمين بعد أداء مناسكهم سيعودون إلى وطنهم. بينما الصلح مع الصهاينة هو صلح مع مغتصبين ومحتلين؛ يعترف لهم بحق البقاء والتملك لأرض لا حق لهم في شبر منها؛ فالصلح معهم إقرار لهم على أرض مغتصَبة.
4 – تَمَّ صلح الحديبية في مكان قريب بمكة؛ موطن المشركين، بعد عدد من المعارك بين المسلمين وغير المسلمين؛ كغزوة بدر وغزوة أُحُد وغزوة ذات الرقاع – إذا رجحنا قول معظم علماء السير والمغازي في أنها كانت بالسنة الرابعة للهجرة – وغزوة بني المصطلق، وغزوة الأحزاب وكانت جميعها ضد المشركين، وغزوتا بني قَيْنُقاع وبني النضير وكانتا ضد اليهود الغادرين، وكان النصر فيها جميعها للمسلمين باستثناء غزوة أحد؛ بما يفيد أن الصلح تم في سياق اقتحامي، وبمعنويات عالية جعلت المسلمين قادرين على فرض شروط الصلح، واستثمار نتائجه لصالحهم، وأن المسلمين كانوا يجمعون بين قوة السلاح وقوة التفاوض، بينما الصلح مع الصهاينة يتم في إطار هيمنتهم وعلوهم الاقتصادي والسياسي والعسكري، فيما لا يملك الطرف المقابل أي شيء من ذلك؛ وبالتالي فإن السلام في هذه الحال هو سلام اختراقي من جانب واحد. ليس يُفهَم من هذا التوصيف للوضع الأسيف أن يُعَدَّ تسويغا لأي تنازل بحجة المعطيات غير المتكافئة التي لنا ولهم؛ لأنه ثمة خيارات أخرى – تدخل في إطار الإمكان التاريخي والواقعي – توالى الإجهاز عليها منذ أمد، وعن سبق عزم وإصرار، ولا يُحيل الواقع إمكانية استعادتها واسترجاعها إنْ توافر العزم والإصرار اللذان وُجِدا في الاتجاه المعاكس؛ فلذلك يُعَد خللا منهجيا ومعرفيا أن نوضع ونُحْصَر أمام نتائج أوصلنا إليها تدبير سياسي في مراحل زمنية متعاقبة؛ نعرف تفاصيل معطياته في عموم الوطن العربي، ثم نكون ملزمين بأن نتعَلَّب في معطياتها، ونقرر الحلول تبعا لها تحت مسمى “الأمر الواقع”، وأن نوافق في سياق إخفاقات ونكسات لا يد لنا فيها؛ فيما أن الإمكان التاريخي والواقعي، و”الأمر الواقع” الحقيقي يفتحنا على ممكنات أخرى، ويُلزمنا في الآن ذاته بضرورة النقد والمحاسبة؛ لا المجاراة والمسايرة، والبحث عن إمكانات إيقاف النزيف الموجودة؛ لا ما يزيد الجرح غورا.
5 – استفاد المسلمون من نتائج صلح الحديبية؛ فقد أوقف الصلح الاندفاع العدائي الحربي للمشركين، وأتاح للمسلمين حرية الحركة، وعرْض الإسلام على الناس؛ وهو ما ستكون نتائجه عكسية في الصلح مع الصهاينة؛ الذين ستنفتح لهم أبواب التمدد والتوسع بكل أشكاله، وإقامة دولتهم الممتدة؛ وهم المغتصبون المتحكمون في دواليب السياسة والاقتصاد.
6 – “تَنازُلُ” النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان على مستوى الصياغة اللغوية للصلح؛ وإنْ كانت تحيل على مضامين عقدية لدى المسلم؛ لكنها ليست كذلك لدى غير المسلم؛ مثل باسم الله الرحمن الرحيم؛ التي استُبدلت ب”باسمك اللهم”، ومحمد رسول الله التي استبدلت بمحمد بن عبد الله؛ لأن المسلم ليس مأمورا بأن يُلزِم الآخر بمعتقد لا يُقِرُّه، ولكنه مأمور بعدم قبول الدَّنِيَّة في دينه.
8 – فرَض صلح الحديبية على المشركين أن يعترفوا بالمسلمين، وأن يتفاوضوا معهم كطرف، وككيان قائم؛ وذلك بعد تسعة عشر سنة من العداوة والحصار وأنواع من التنكيل بالمسلمين. كما اعترفوا للمسلمين بالحق في زيارة بيت الله تعالى؛ وهو ما حدث في السنة السابعة للهجرة؛ حيث كانت عُمرة القضاء؛ وقد سُمِّيت عمرة القِصاص “لِأَنَّهُمْ صَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ، فَاقْتَصَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ، فَدَخَلَ مَكَّةَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ الَّذِي صَدُّوهُ فِيهِ، مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ”. بينما الصلح مع الصهاينة هو مقايضة على الباطل والحرام، ويسعى إلى إقرار وضع باطل، وهو وضع الاغتصاب للأرض والقتل والتشريد للناس؛ وهو ما لا يسمح به الشرع بأي حال من الأحوال.
9 – في صلح الحديبية اتفق الطرفان على أن لا تقع حرب بين كيانين؛ المسلمون والمشركون الذين هم أهل مكة مدة عشر سنين، بينما الصلح مع الصهاينة يتغيّى إقرار احتلال واغتصاب بشكل أبدي ومستمر.
10- حين فتح النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكة بعد نقض العهد من طرف قريش، كان ذلك تأديبا لقريش على غدرها وخيانتها، وبالتبع هو رفض من المسلمين من أن يكونوا استثناء من دون الناس في حق زيارة البيت الحرام، وأن توضع أمامهم الشروط والتقييدات. فضلا عن أن الفتح هو استرجاع للمقصد وللمكانة التي بُنِيَ البيت الحرام لأجلها؛ وهو أن يكون مَعْلما للتوحيد والمساواة وعبادة الله تعالى، والمثابة والأمْن، وأن تسري فيه أحكام الله تعالى، وليس أحكام السدنة والأسياد الذين يشرعون لأهوائهم، وحسب مصالحهم. لكن النبي صلى الله عليه وسلم حين فتح مكة – وهو من أهلها، ومعه أهلها الذين اضطُروا إلى الهجرة – لم يقم بإجلاء أهل مكة أو طردهم؛ وإنما عفا عنهم وأمَّنهم، وفي سياق هذا التمكين والنصر، وعند باب الكعبة نزل عليه قول الله تعالى:{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}[سورة النساء:58]. وفي هذا توجيه إلى أن السيادة ينبغي أن تكون للعدل، وإيصال الحقوق، والوفاء بالعهود، ورفع الظلم والقهر عن الناس، يقول القرطبي(ت671ه): “وَالْأَظْهَرُ فِي الْآيَةِ أَنَّهَا عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ النَّاسِ فَهِيَ تَتَنَاوَلُ الْوُلَاةَ فِيمَا إِلَيْهِمْ مِنَ الْأَمَانَاتِ فِي قِسْمَةِ الْأَمْوَالِ وَرَدِّ الظُّلَامَاتِ وَالْعَدْلِ فِي الْحُكُومَاتِ. وَهَذَا اخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ. وَتَتَنَاوَلُ مَنْ دُونَهُمْ مِنَ النَّاسِ فِي حِفْظِ الْوَدَائِعِ وَالتَّحَرُّزِ فِي الشَّهَادَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ”. كان هذا فعل وتعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع أناس أخلُّوا بالتزاماتهم مرة واحدة، ولكنه إخلال تضمن سفك دم حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم، فمتى وفَى الصهاينة ببند واحد من عهودهم؟! مع أنهم أصلا يستولون غصبا على أرض ليست لهم، ويشردون أهلها، ويسفكون الدماء، ويهدمون البيوت، ويحرقون الشجر، ويسرقون الخيرات.، وفسادهم غير مقتصر على أرض فلسطين كما هو معلوم بالضرورة.
(المصدر: هوية بريس)