مقالاتمقالات مختارة

آليات تسيير المجلات العلمية المحكمة بالجامعات وكيفية تعيين لجان التحكيم

بقلم د. خالد عبد السلام: قسم علم النفس وعلم التربية والأرطفونيا جامعة محمد لمين دباغين سطيف 2 الجزائر

كلنا يعرف أن النشر في المجلات العلمية للجامعات الجزائرية والعربية في الكثير منها لا يخضع للمعايير العلمية ولا للتحكيم العلمي الموضوعي المبني على معايير واضحة ودقيقة وشفافة، بقدر ما يخضع للاعتبارات الشخصية والنزوات الفردية وللنفوذ والولاء أو العصب والتدخلات وغيرها من الاعتبارات الذاتية.
كما أن تعيين اللجان العلمية لهذه المجلات لا يخضع لمعايير موضوعية واضحة وشفافة مبنية على الكفاءة العلمية والنزاهة الأكاديمية والمهنية. بل فكثيرا ما توضع أسماء أشخاص من جامعات وطنية أو دولية دون علم ولا استشارة أصحابها، ولم يسبق لآي منهم المشاركة الفعلية في أعمال الخبرة و لا في قرارات النشر النهائي او التحكيم العلمي.، بقدر ما تشكل لجانا وهمية باستعمال أسماء أشخاص من جامعات عربية ودولية بطريقة عشوائية، لكسب المصداقية الشكلية، كما يعين أشخاص وفق معايير العلاقات الشخصية والقرابة والصداقة أو الولاء أو غيرها للعضوية في الهيئة العلمية أو هيئة التحرير للمجلة، في حين أن قرار القبول بالنشر كثيرا ما يخضع لرغبة شخص واحد أو مجموعة ضيقة من الأشخاص بعيدا عن كل المعايير العلمية المعروفة دوليا.
بدليل أن المجلات العلمية بالجامعات الجزائرية والعربية في حدود علمي في الكثير منها لا تملك قانون داخلي ينظم عملها ويحدد آليات اتخاذ القرارات فيها ولا تعقد لجانه العلمية اجتماعات دورية و لا غير ذلك من الشروط التي تتطلبها المهنية في النشر العلمي المعمول بها في كل جامعات العالم.
والبعض منها يتصرف فيها أفراد بطريقتهم الخاصة وينشرون لمن يشاؤون ويرفضون لمن يريدون. وما الفضائح التي تكشف من حين لآخر في الصحافة الوطنية الجزائرية والعربية وبشكل خاص الملف الذي نشر في جريدة الوطن بتاريخ 11/11/2015 تحت عنوان « «Professeur Faussaire » “الأساتذة المزورين ” عندما سرقوا مقالا من مواقع الانترنيت وقدموه لمجلة علمية وادعوا انهم باحثين فنشروه فيها دون قراءة ولا تحكيم، إلا دليلا على ما نقول. بل لو حاول أي منا التدقيق في الكثير مما نشر في كل المجلات الوطنية خلال السنوات الماضية سيكتشف الكثير من الفضائح التي تسيئ إلينا جميعا باعتبارنا جزءا من هذه المؤسسة العلمية التي يفترض الدفاع عنها وحمايتها من كل هذه الظواهر السلبية.
ونتيجة لما يفرضه علينا الواجب والشعور بالمسؤولية الأخلاقية والأكاديمية كأساتذة جامعيين و كمواطنين إيجابيين في أداء أدوارنا في خدمة رسالة الجامعة وتنمية المجتمع، ونتيجة لضرورة إضفاء الشفافية والمهنية والنزاهة على عملية النشر العلمي في المجلات العلمية المحكمة اقترح على كل المهتمين بشؤون الجامعة وبشكل خاص الأساتذة والباحثين الإجراءات الآتية التي تحتاج إلى نقاش ونقد وإثراء من قبل كل الزملاء المهتمين بالنشر العلمي:
1ـ ضرورة إقالة كل هيئات التحرير للمجلات التي تورط فيها أصحابها بشكل مباشر أو غير مباشر في فضائح السرقات العلمية، أو تغافلوا عنها.
2ـ تكوين هيئات تحرير ولجان علمية لتسيير المجلات لا تربطها أي مهام إدارية بالكليات أو الجامعة ( إبعاد الإداريين عن تسيير شؤون المجلات العلمية) حتى تحافظ على فعاليتها واستقلاليتها ونزاهتها وموضوعيتها اكثر. وعليه يتطلب الأمر اتخاذ الاجراءات الآتية:
ـ إجراءات تشكيل هيئات التحرير واللجان العلمية:
ـ تبني إجراءات شفافة في انتقاء أعضاء هيئات التحرير واللجنان العلمية للمجلات وفق ما يأتي:
أـ تشكيل هيئة تحرير وأعضاء اللجنة العلمية من كل الكليات المتواجدة بالجامعة تكون ممثلة لكل التخصصات والمجالات المعرفية التي تتضمنها المجلة في كل كلية أو قسم أو مخبر أو جامعة.
ب ـ انتقاء أعضائها وطاقمها وفق معايير الكفاءة والجدارة والانضباط من خلال الإجراءات الآتية:
1ـ فتح باب الترشيحات لكل الأساتذة ذوي الرتب العلمية العليا الراغبين في الانخراط من كل التخصصات والميادين العلمية.
2ـ وضع معايير واضحة وشفافة مثل: السيرة ذاتية + الخبرة في التحكيم + العضوية في لجان القراءة لمجلات وطنية ودولية+ التخصص + إبداء الاستعداد والتفرغ للعمل عن طريق عقد التزام يمضى من قبل كل مترشح يتضمن [ التعهد بالالتزام بشروط ومعايير التحكيم + الانضباط و الالتزام بالآجال المحددة سلفا لانجاز أعمال الخبرة والتحكيم + الالتزام بالسرية والنزاهة المهنية وغيرها+ الالتزام بالموضوعية والمهنية في العمل] هذا بالنسبة للأساتذة المقيمين في كل جامعة جزائرية أو مخبر او وحدة بحث او مركز دراسات.
3ـ أما بالنسبة للأساتذة من جامعات وطنية أخرى و جامعات دولية: يخضعون كذلك لنفس المعايير السالفة الذكر مع ضرورة مع ضرورة:
ـ الاتصال بمجموعة من الأساتذة ذوي الخبرة في ميدان النشر و التأليف والتحكيم في التخصصات الموجودة بالجامعة بمتوسط أستاذين أو أربعة أساتذة لكل تخصص( واحد أو اثنين من داخل الوطن واحد أو اثنين من خارج الوطن) إن أمكن+ على أن يعبر كل أستاذ عن موافقته في التعاون مع المجلة بتعهد خطي وممضي أو مصادق عليه من قبل الجامعة التابع لها+ عقد التزام تنجزه إدارة تحرير المجلة التي ستشكل يصادق عليه المعني بالأمر.
كيفية انتقاء هيئة التحرير واللجان العلمية:
ـ تُنتقي هيئة التحرير واللجنة العلمية للمجلة من قبل هيئة مستقلة تتشكل من أساتذة ذوي الخبرة والكفاءة والنزاهة الأكاديمية ( أو من ممثلين بالهيئات العلمية المنتخبة في اللجان والمجالس العلمية) من مختلف الكليات أو الأقسام إذا كانت مجلة تابعة للكلية أو من مختلف التخصصات إذا كانت المجلة تابعة لقسم أو لرؤساء فرق البحث إذا كانت المجلة تابعة للمخبر أو لوحدة بحث او مركز دراسات، يترأسها مدير الجامعة أو مدير المخبر أو عميد الكلية او رئيس القسم حسب اختصاص كل مجلة تقوم بـ:
دراسة ملفات الأساتذة المترشحين لهيئة التحرير واللجان العلمية وفق معايير تحدد سلفا من قبل الهيئة المستقلة ( تعطى نقاط لكل معيار يمكن الاستعانة بمعايير التأهيل الجامعي لرتبة أستاذ مثلا كدليل سند في ذلك) من قبل لجنة الانتقاء والترشيح لعضوية هيئة التحرير واللجنة العلمية للمجلة العلمية.
ـ تراعي عند انتقاء هيئة التحرير ضرورة ترشيح مختصين في التدقيق اللغوي باللغة العربية والفرنسية والأنجليزية.
ـ توضع للهيئة العلمية قانونها الداخلي والذي يحدد فيها: [ أسس ومبادئ عملها + كيفية عقد اجتماعاتها ولقاءاتها الدورية وكيفية اتخاذا قرارات جماعية وليست فردية لقبول المقالات للنشر+ تحديد معايير التحكيم أو الخبرة للمقال العلمي تكون واضحة ودقيقة وشاملة لجميع الجوانب+ تحديد كيفية انتقاء وقبول المقالات العلمية ( سرية المقالات بتشفيرها أثناء دراستها)+ كيفية مراقبة محتوى المقالات إلكترونيا( المسح الالكتروني لمحاربة السرقات العلمية عبر لجنة خاصة تشكل من اللجنة العلمية نفسها مع هيئة التحرير) + تحديد العهدات التي يجب أن يقضيها الأعضاء التي أراها أن لا تتجاوز عهدتين على الأكثر ( بمدة 3 سنوات في كل عهدة ) حتى لا تحتكر المجلات من قبل أفراد أو جهات معينة وفي نفس الوقت ضمان التداول على مثل هذه المسؤوليات لتنمية القيادات العلمية في تحمل مثل هذه المسؤوليات + أن يتضمن مواد للإجراءات الإدارية والتأديبية ضد كل عضو أخل بالتزاماته المهنية والأخلاقية التي تحدد في عقد الالتزام وفي القانون الداخلي وغيرها من الأمور التي تقتضيها عملية النشر ومهنيتها ونوعيتها.
ـ التفكير في كيفية تثمين جهود أعضاء هيئات التحرير وأعضاء اللجان العلمية خلال أدائهم لمهامهم العلمية، حتى نضمن الدافعية والجدية في العمل، على شكل ساعات إضافية أو منحة سنوية.
ـ ضرورة تأسيس هيئة علمية مستقلة على مستوى كل جامعة أو مركز دراسات او مخبر او وحدة بحث تتولى مسؤولية تحكيم اعمال التحكيم وتقييمها وفق معايير تحددها ، يراعى فيها النزاهة والجدية والانضباط والأمانة العلمية والموضوعية في التحكيم، من أجل فرز وانتقاء الأجود و الأحسن الباحثين والمحكمين، مع التفكير في تأسيس جوائز او مكافآت لأحس الأعمال البحثية واحسن المحكمين الجادين المنضبطين والنزيهين كل سنة جامعية. وما يكلف في ذلك من شيئ لو صدقت النوايا النبيلة لتشجيع الأساتذة والباحثين على العمل بمهنية عالية.
فإذا كانت الجامعة هي مؤسسة اكاديمية مسؤولة أخلاقيا وعلميا على قيادة المجتمع وتوجيهه، و من مهامها تكوين الاطارات و إنتاج المعرفة العلمية، فجدير بنا جميعا السهر على ضمان الجودة في البحث العلمي والجودة في الانتاج و النشر العلمي و العمل بمعايير الجودة المعمول بها عالميا في تشكيل اللجان وهيئات التحرير ولجان الخبرة في كل المجلات العلمية المحكمة التي تنشئها الجامعات والجودة في عمليات التحكيم والخبرة العلمية نفسها، إذا اردنا ان تصنف جامعاتنا ضمن الجامعات العالمية ونساهم في تقدم مجتمعنا ونؤسس قيما ترقى بمكانة منتوجاتنا المعرفية لتحضى بالاهتمام للعمل بها كمرجعية معرفية مقبولة عالميا.

(المصدر: شبكة ضياء للمؤتمرات والدراسات)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى