آفة الدين.. من فساد العلماء إلى جهل العبّاد
بقلم سجى مسعودي
يقول سفيان بن عيينة: “من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى”. فاليهود كان لديهم العلم لكنهم ضلوا وأضلوا على علم فغضب الله عليهم، فالعلماء الذين يفسدون وهم لديهم العلم تشبهوا باليهود بهذا النوع من الفساد. وأن من فسد من عُبَّاد هذه الأمة وضل ففيه شبه من النصارى الذين عبدوا الله على جهل حيث يقول الله تعالى عنهم في القران الكريم “وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا“.
ومن يتدبر في القرآن الكريم يجد أوصافا عديدة واضحة وصف الله تعالى بها من ضل من اليهود أو النصارى، أذكر منها الآية الكريمة “وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم“. فقد يبتلى بعض المنتسبين من العلم وغيرهم بنوع من الحسد! يحسدون من هداه الله لعلم نافع أو عمل صالح، فهذا الحسد خلق مذموم بالمطلق، إذ أنه السبب وراء فساد اليهود وضلالهم وجعلهم قوما مغضوبا عليهم! واليهود يكتمون بعض ما أنزل الله إليهم من الكتاب من بعد ما بينه الله لهم، وهذا يقع فيه طوائف من المنتسبين إلى العلم فإنهم تارة يكتمون العلم بخلاً به وكراهة لأن ينال غيرهم من العلم ما نالوه، وتارة اعتياضا عنه برئاسة أو مال! أي يكتمون بعضا من علمهم لينالوا مركزاً سياسيا أو سلطة أو مال، ويخاف من إظهاره انتقاص رئاسته أو ماله!
وقد ذكر الرسول الكريم أن من أول الناس الذين يقضى عليهم يوم القيامة رجل تعلم العلم رياءً، (إن أول الناس يُقضى يوم القيامة رجلٌ تعلَّم العلم وعلَّمه وقرأ القرآن فأتي به فعرَّفه نعمَه فعرفها، قال فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال كذبت، ولكنك تعلمت ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل ثم أمر به فسُحبَ على وجهه حتى ألقي في النار). ففي هذا الحديث قضية أخلافية دينية هامة، وهي أن الإسلام يعلي من القيمة والمبدأ أكثر من الأشخاص، وأن شرف الألقاب إنما هو بمقدار ما تحقق من تلك القيم والمبادئ. هذا المعنى كان مطبقٌ دائما عند علماء المسلمين، ولذلك لم تقع ردات فعل كثيرة إذا ظهر انحراف من عالم أو وقع في خطأ ما لم يؤدي هذا الخطأ إلى إلحاد وتكفير بحجة أن هذا العالم يمثل الإسلام، وذلك انطلاقا من مبدأ إسلامي سوي وهو (إن من أساء من العلماء في العبادة والعلم إنما يسيء لنفسه).
حسنا، ثم كان ماذا؟ إننا لا ننكر وجود تلفيق وأخطاء مقصودة أو غير مقصودة من بعض الدعاة أو المشايخ في هذا العصر، لنفترض أن البعض فعلا قد فسدو.. ثم كان ماذا؟ كل هذا الكم من العلم والمعلومات يدل على أنهم إنما يسيئون لأنفسهم فقط وأن القيمة أعلى، ولذلك الذين يعظمون أهل الصلاح تعظيما مبالغا فيه فهؤلاء يسيئون لأنفسهم ويسيئون للدين، لأن هؤلاء الصالحين لا تُؤمن عليهم الفتنة، فالإنسان الذي يعظم ويبجل ويبالغ بالأشخاص مبالغة تجعل من العبادة لا تحصل إلا من خلال أشخاص معينين ممن يعظمهم، وأن الذكر لا يحصل ولا يُقبل إلا من طريقهم!
إن هذا الغلوّ بالأشخاص يعود بالأثر السيء على الناس بأن تجسد الدين بهيئة شخص وتظن أن هذا الشخص يمثل الدين بكل ما فيه من قيم وأخلاق وعبادات، لهو أمر يعود بالأثر السيء على النفس، وإن كان البعض يفعل ذلك من باب تعظيم الصلاح الذي في نفوس الصالحين- وهذا جيد وسلوك مقبول من باب الأدب والاحترام الحسن للدعاة الصالحين، لكن التعظيم المبالغ فيه مرفوض لأنه يعود بالأئمة على الدين نفسه وليس على هؤلاء الأشخاص.
(المصدر: مدونات الجزيرة)