بقلم : ساكري البشير
تختلف المسميات من الحرب على الإسلام إلى الحرب على العرب إلى الحرب على الدين بصفة عامة، لكن لا تختلف في مجملها عن الصياغة التالية: “الحرب على الإنسان”، ولن تخرج عن ذلك الإطار إلا في بعض الأفكار والصفات المانحة للسلام، إلا أنها تبقى مجرد أفكار يمازحنا بها الغرب ليرى نواجذنا، ويستظهر غباءنا، ولا فائدة في استفتاح الكافر خطابه بالسّلام ليدغدغ المشاعر، فالسلام ليس مجرد تحية تُلقى، بل هو حياةٌ وأمن للبشر.
يقول آرشي في كتابه الحرب على الإسلام: “إن أمريكا لن تكون في حرب مع الإسلام”، وصدق، فأمريكا لا تحارب الإسلام الأمريكي بل تحارب الإسلام الحقيقي؛ لأنها تريد إسلاماً جديداً على الطريقة الأمريكية.
فأمريكا هي الدولة التي أغرقت العالم بالدماء، وقتلت الإنسان وشردته، ووضعت تجاربها على أرضنا، وسقتنا بخمرها، وبثت فينا فسقها؛ فهي الدولة التي كانت محتاجة إلى ذريعة للبدء بغزوها أفغانستان والعراق، والسعي وراء تحقيق مغامراتها ومصالحها في الشرق الأوسط، وهكذا فإن صنع هذه الذريعة أو كبش الفداء، الذي تمثل بما دعي بـ “الإرهاب الإسلامي” بشَّر بحقبة جديدة من استخدام القوة الغاشمة وأساليب الدعاية القذرة.
لم يكن جديداً أن تصنع لنا أمريكا لعبة صغيرة تسمى الدواعش في سوريا والعراق أو أحداث 11/09/2001 لتعيد قتلنا من جديد، وهي ليست بحاجة لذلك، لأنها سبق أن قتلت السكان الأصليين لأمريكا (الهنود الحمر) ولم يكن هذا الحدث طبعاً كافياً لغزو أفغانستان، فقد كان بن لادن والقاعدة سبباً كافياً لذلك، أما العراق فقد كانت هناك أيضاً عوامل مثل صدام حسين وأسلحة الدمار الشامل، ولا أظن بأن هذه الكذبة كانت ضرورية لكسب دعم الشعب الأمريكي أو الحصول على الدعم الدولي في ما يتعلق بنشر القوات المسلحة، فبغض النظر عن منظمة الأمم المتحدة، نفذت قوات التحالف الأمريكية البريطانية ما يحلو لها، ولم يكن هناك أي سبب في هذا الوقت تحديداً لكي تشك الدولتان الغازيتان بقدرتهما العسكرية على الغزو واحتلال هذه المناطق.
” لقد قُصف المسلمون، وقُتلوا، واغتصبت نساؤهم، واحتلت أراضيهم، وأصبحت الديمقراطيات المصممة على النمط الغربي التي يصدرها لنا هي الممكَّنة، كما أضحت إصلاحات الأنظمة الاجتماعية التحررية، وعلى نحو خاص تحرير النساء المسلمات من الاستعباد المزعوم للعادات والمبادئ الرئيسية، هي الهدف الأساسي من هذه العملية… إذاً يجب على هذه العادات والمبادئ الرئيسية والأنماط التي تشكل بنية المجتمع الإسلامي أن تتهدم، وهذا هو الهدف الأساسي”.
أما أن تجلب الديمقراطية ومعها نمط حياة رأسمالية غربية، بكل ما تُعرف بها من عمليات إقراض الأموال والشيطان الاقتصادي الأكبر المتمثل في الربا على يد البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فهو من السياسات الدولية التي تنتهجها أمريكا للقضاء على كل مشروع تنموي من شأنه أن يرفعنا للقمة، لأننا لو وضعنا برنامج تنمية بأنفسنا سيكون 99% ناجحاً، لهذا هي لا تريد كل هذا النجاح الذي سيقضي على الفقر والبطالة، بل تريد أن نبقى في قاع الأمم، نتجرع من كأس الفشل الاقتصادي حتى نموت ببطئ، ونخرج من اللعبة الاقتصادية كما أخرجت اليابان من اللعبة العسكرية.
وعلى نحو بطيء في مجال التربية، ساهم إنشاء الجامعات والمدارس العلمانية في إضعاف تأثير المناهج الإسلامية، التي يأخذ التعليم الإسلامي فيها حيز الاهتمام الأكبر، وهكذا فإن نظام التعليم العلماني قد أصبح موضع التركيز، حيث سعى الغرب إلى إحلال هذا النظام محل التعليم الإسلامي، ولعل مقررات الجامعات هي أبرز دليل على صحة هذا القول؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد أن في الجزائر أصبحت مناهج التعليم فيه برداءة الثوب المدنس، وتطبيقاً لما تمليه العقول الغربية، فقد تم تطبيق نظام للجامعات يقتصر على أن يمنح الطالب شهادة الدكتوراه، لكن ليس للطالب الحاصل على تلك الشهادة أن يعمل بها في كرسي الأستاذية بالجامعة، وكأن الشهادة ليس لها دور أو رتبة شرفية، مع عدم الاعتراف بها خارج القطر الجزائري وهذا أيضاً دليل على أن جامعاتنا أصبحت رديئة جداً، وغير معترَف بها، وحتى ترتيبها عالمياً غالباً ما تكون في آخر قائمة الترتيب.
أما في مجال الأخلاق، فحدِّث ولا حرج، فقد نجد أن المعارضة الشديدة لسلوكيات مثل الزنا، وممارسة الجنس قبل الزواج، والإجهاض، هي حرية شخصية ينادي بها الإعلام الزائف ليلاً نهاراً، ولن تكون مكروهة وحسب، ولكن معارضة مثل هذا التحرر الجديد سوف تُعد مخالفة للقانون بالقوانين الجديدة، التي سوف تُفرض في تلك الدول المسكينة، أما حقوق المرأة والطفل فسوف يجري تطبيقها وَفْقاً للتعاليم الغربية، ومع انهيار الرقابة لا بد أنّ انحلال الأخلاق الغربي سيكون واضحاً للعيان في حوانيت الكتب، وشاشات التلفاز والمجلات الجنسية.
فالنتيجة المتحصل عليها إذاً هي: “أي مقاومة للمعايير الجديدة سوف تعد إرهاباً، وليس حرباً، أما الدين الإسلامي معتقداً ومنهج حياة فستجري إعاقته، وهذا هو الهدف الأسمى المطلوب”.
فالحرب ضد المسلمين حسب آرشي ليست حرباً ضد شخص المسلم أو ممتلكاته فقط، لكنها حرب ضد معتقده وإيمانه، وهي أيضاً تدمير للأساسيات التي تدعم ممارسة هذا المعتقد المستهدَف، ولذلك فإن علمنة الشعب المسلم هي الغاية، وأنّ اغتيال الإسلام إن صح الاسم هو البرنامج والهدف الأسمى.
ويا ليت ما يحدث الآن في العالم الإسلامي لا يثبت صحة قولنا حتى نستطيع مراجعة أنفسنا وتصحيحها، لأن من يراقب كيف أوغر المسلم صدره ضد أخيه المسلم عبر خديعة فرق تسد، وخاصة عندما نرى الخلاف العميق بين منظمتي فتح وحماس كأبرز مثال، حيث يقف بقية العالم ضد حماس، التي جرى انتخابها ديمقراطياً، وكيف كانت الفوضى التامة نتاج الحرب الدولية على العراق، أو ما حدث في الجزائر خلال التسعينيات عندما تم انتخاب حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ثم اغتصب حقها وتم إزالتها وحظرها من المجال السياسي وحلها تماماً، كل هذه المهازل، لا تزال تقتلنا نفساً بعد نفس وببطئ شديد دون أن نشعر به.
أما عن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا فقد أخفقتا في إقناع العالم على نحو كبير بأن غزو العراق الذي كان هدفه المزيف إزالة أسلحة الدمار الشامل أو تحرير شعب العراق، لأن الكذب قد انكشف، وزالت الشبهات عن الرئيس الأسبق صدام حسين، لكن للأسف بعد وفاته، ولم يجرِ استقبال قوات أمريكا وبريطانيا بالورود والموسيقى والفرحة كعادته، بل بالأحجار والرصاص والقنابل المزروعة على الطرق، لقد أخفقوا في تخطيطهم، وقللوا من أهمية الحقيقة، وكشفوا نفاقهم ونياتهم الفاسدة لكل العالم، ولكن المشكلة لا تقف هنا بل تتعداها في سؤال مهم: هل أخذنا العبرة مما حصل في العراق وأفغانستان؟
الإجابة الصريحة هي “لا”، ذلك أننا قد وقعنا في فخ آخر هو الثورات العربية التي راح ضحيتها الكثير، وهذا ما يؤسفني حقاً، لأن هذه الثورات ليست من نتاج واقعنا، بل هي مصطنعة على أيدي غربية، ولم تحقق أي إنجاز حتى الآن.
وإذا كان العالم الغربي يسعى إلى بناء عالمٍ خالٍ من سياسات التمييز العنصري فلماذا كان هو أول من مارس تلك السياسة على أراض العالم الإسلامي وإفريقيا بعد إلغاء تلك السياسات؟
لماذا إذًا أصبحت الولايات المتحدة اليوم داعية للحرب وساعية إلى إرضاء ذاتها وإرضاء مصالح بعض الجماعات الصغيرة؟ لماذا قامت بغزو العراق في تحدٍّ واضح لرأي المجتمع الدولي وفي انتهاك صارخ للقانون الدولي؟ ولمَ أصبح المسلمون هدف الحقد الإعلامي وعرضة للاتهامات المشكوك فيها؟
لماذا الدفاع المستميت عن الكيان الصهيوني ولو كان الحق مع الفلسطينيين؟
هكذا يجب أن نتساءل من مصدر واقعنا وما نريد البحث فيه لحل مشاكلنا، وليس مما يريدونه هم، لنكن واعين بما يحدث حولنا، لنبحث، لنتعمق، لنتساءل ونجب عن أسئلتنا، لنفضح الزيف، لنقم بتعرية الكمائن المنصوبة لنا، يكفي من الحرب الكلامية التي يُظهرها الإعلام الفاسد، يكفي من الطائفية والفتن، نحن أمة محمد، وليس لمحمد صلى الله عليه وسلم فرق، نجتمع تحت راية أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وليس تحت لواء السنة أو الشيعة، أو الأشعرية والمعتزلية، وغيرها من المسميات التي لا تغني ولا تسمن من جوع، كفانا اتهامات بعضنا لبعض، لنعلِّم أبناءنا من هو العدو الحقيقي للإسلام؟
إن الأمة التي تملك العظمة ليست التي تملك السلاح، بل هي التي تملك عقولاً مدبرة أولاً، إن العظمة المكتسبة والمبنية على سيطرة السلاح والحرب هي عظمة مشكوك فيها، فهي ليست مبنية على قوة الشخصية والصلابة الحقيقية، بل على أساس قوة أسلحة الدمار الشامل، ولا تملك الولايات المتحدة أفضل الجنود في العالم، بل هي تملك في المقابل أفضل المعدات التكنولوجية المخصصة للحرب في العالم، وتعد قوتها الجوية مدمرة جداً، وإنّ عواقب قنابلها كارثية أيضاً، كما جهزت دباباتها الهجومية بالأسلحة المحظورة كما أن جنودها عنيفون، فهم بشر نُزعوا من الرحمة، وجرى توجيههم لتشغيل آلات القتل الحربية، وللرد على قوة بهذا الحجم، يجب أن نصنع عقولاً تمكننا من وضع إستراتيجيات مضادة للسلاح، وليس هناك مضاد أقوى من العقل نفسه، لأنه سيبث الرعب في نفوس من يمتلكون ذلك السلاح، وكما قيل: لا يفل الحديد إلا الحديد، لنتوقف عن استيراد أسلحة الحرب العالمية الثانية، ولنصنع لأنفسنا سلاحاً بعقول عربية، وبأيدٍ إسلامية.
وبعد البحث عن الهدف الحقيقي من احتلال بلاد الإسلام، يتوصل آرشي إلى نتيجة مفادها أن غرض كلٍّ من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا من غزو العراق هو السيطرة على مصادر النفط فيه، ويصور تحرير العراق بأنه عذر لوضع حكومة عراقية موالية لأمريكا، حيث يكون الشعب العراقي آخر اهتماماتها، وقد أخفق سيناريو أسلحة الدمار الشامل في توليد الشك في وجودها، واستنتجت شعوب العالم أن الولايات المتحدة الأمريكية هي من ولّدت هذ الشك، وليس العراق، فقد أخفق مفتشوا الأسلحة التابعون للأمم المتحدة في العثور على أي أسلحة للدمار الشامل، ومع ذلك نجد رئيس الوزراء البريطاني توني بلير وهو يصرخ أمام مجلس الوزراء البريطاني قائلاً: “هذه حقيقة، وكلنا يعلم بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل”، وهذا ما تحول الآن إلى صوت أخذ يقع على مسامع الآذان الصمّاء للمجتمع الدولي، وفي تموز عام 2003 تعرض بلير لانتقادات شديدة في البرلمان البريطاني بسبب الاتهامات بتزييف التقارير الاستخباراتية، التي جرى تقديمها لتشجيع قضية الحرب ضد العراق، وفي عام 2005 أدرك العالم كله كذب الادعاءات البريطانية أن العراق كان لديه القدرة على إنتاج صواريخ كيميائية في غضون 45 دقيقة.
وكل تلك الأفعال المشينة التي تقوم بها أمريكا وبريطانيا ليست مجرد أخطاء في الحسابات، لأن الخطأ لا يتكرر، بل هي سلوكيات متعمدة، ولكي يتم إثبات ذلك، نعيد قراءتنا للسياسة الخارجية لكلٍّ منهما، فعندما طالب الفلسطينيون بشدة بتدخل قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، من أجل تحقيق نسبة من الأمن، وإيقاف العمليات الإجرامية التي يقوم بها الجيش الصهيوني، عارضت أمريكا هذا الطلب، وعندها فهم العالم أجمع أن هذا يعني إعطاء الضوء الأخضر للكيان الصهيوني باضطهاد الفلسطينيين، وعندما انعقد مؤتمر عالمي في جنوب إفريقيا لمناقشة قضية التمييز العنصري سعت الولايات المتحدة لتجنبه، لكن بعد أن حضرته قامت بالانسحاب تضامنا مع إسرائيل، وهو ما أظهر الشراكة التقليدية بين الدولتين، التي مثلت إخفاقاً محزناً لما يتعلق بالتصرفات الدولية الحكيمة.
فهل ستكون علاقة أمريكا بالعالم العربي علاقة وطيدة تسودها الثقة؟
في الحياة الاجتماعية، نجد أن أي شخص ينتمي إلى العائلة التي تملك السلطة، أو أي شخص لديه معارف واسعة وثروة وفيرة يستطيع أن يحوز مقعداً في المناصب العليا، إن هؤلاء الرؤساء ورؤساء الوزراء لم يعينوا بأمر من الله، وقد رأينا في التاريخ سجلاً مؤسفاً لمثل أولئك القادة، مثل نابليون وهتلر اللذين سعيا إلى السيطرة على العالم… يخبرنا تاريخ الاستعمار بأن الكثير من السلاطين والقادة امتلكوا الطموحات نفسها، نحن البشر لم نتغير ولم نتعلم، وإذا استخدمنا عبارات جنائية، فنحن نستخدم جميع وسائل التحريض والفساد والكذب والتخويف والسرقة المسلحة واللصوصية للوصول إلى الفخر الوطني، وأولئك البشر المسلحون على نحو كامل بوساطة قوى الحكومات يتبعون كل العمليات، إن فراعنة اليوم موجودون بكل تأكيد، وتنتشر أهراماتهم في كل مكان.
لنضع أمريكا في ذلك المكان الذي يحوز فيه الشخص على السلطة، فماذا سيكون طلبها بعد أن امتلكت مقاليد تلك السلطة؟
في الواقع، الحكم الأمريكي يرتبط بتحقيق الثروة على نحو وثيق، والثروة هنا تعني تحقيق الأرباح بشتى الطرق الشرعية وغير الشرعية، والتحكم الكامل بالاقتصاد العالمي لمصالح أمريكا الشخصية والأنانية عن طريق صندوق النقد والبنك الدوليين، والثروة بالسرقة والحرب المفتوحة والغزوات والغارات والمواجهات العنيفة، ولا يهمها كم قتلت حين يكون الأمر منوطاً بتحقيق تلك المصالح.
فبعد أفغانستان والعراق هل ستستدير الولايات المتحدة اتجاه إيران وسورية والسودان والصومال؟
تلك هي الحدائق الثرية – غزو الدول النفطية كالعراق – التي كانت الولايات المتحدة تأمل أن تقطف ثمارها، ولا تبقي أي شيء للبقية، لقد كانت الثروة وسيلة لضمان تحقيق هذه القوة الاقتصادية والعسكرية الضخمة، وهذه القوة نفسها تسعى إلى ضمان الحصول على مزيد من الثروات والوصول إلى السيطرة العسكرية والنفسية على العالم أجمع.
ويتعجب المرء بناءً على الحقيقة المثبتة والمعروفة سابقاً من أنه إذا كانت الولايات المتحدة تملك أكبر قوة عسكرية قتالية (على الأقل من ناحية التجهيزات الحربية) في العالم، فلماذا إذا تحتاج إلى نظام دفاعي مطور؟ هناك الكثير من الفرضيات:
أولاً: تخاف أمريكا من أعدائها الذين قد يهاجمونها بالصواريخ، لكن من يكون هؤلاء؟ من المؤكد أن العراق لم يملك أي صواريخ، يصل مداها إلى الولايات المتحدة وتدمرها، ولا تملك أي دولة إسلامية أخرى مثل هذه القدرة، إذاً من أولئك الأعداء المجهولون؟
ثانياً: هي أن أمريكا توقعت وعملت على نحو كامل أن نيتها السيطرة على العالم وسياساتها التوسعية، خاصة من حيث إن حكومات الدول الموالية لها تضيف ولايات جديدة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، قد تساهم في إنشاء قوة معادية تقرر مهاجمتها.
ثالثاً: إن هذه الأنظمة الدفاعية قد تُستخدَم في حقيقة الأمر كأنها أنظمة هجومية؛ فهل تُعَد أوروبا آمنة من الولايات المتحدة؟ تعارض روسيا والصين الخطط الأمريكية بوضع صواريخ دفاعية في أوروبا، ومع ذلك أشارت أمريكا إلى أنها سوف تقدم على نشر تلك الصواريخ، هل سيشعل هذ العمل فتيل سباق تسلح بين الولايات المتحدة والصين وروسيا في حرب باردة أخرى؟
كل هذه التساؤلات التي يطرحها آرشي أوغسطين، على نحو مستمر، هي ما يكشف عمق النتيجة التي يريدنا أن نعلمها، فلو أن أمريكا هي المخلص الوحيد لهذا العالم (الإفريقي – الآسيوي – الأوروبي)، لما كانت هناك معارضة من قبل الصين وروسيا، ولكن الوعي بمكر وخبث السياسة الأمريكية جعلهما يستخدمان استراتيجيات منافسة ومضادة لكل الاستراتيجيات الأمريكية في العالم، ولعل ما يحدث في سورية الآن هو أعظم دليل على ذلك، ولكن يبقى الأهم، أين العرب من سياسات الدفاع والهجوم؟ وأين هم من لعبة هم بلاطها، وليسوا طرفا فيها؟
بالنسبة لي إن كل وسائل الحرب إما أن تكون هجومية أو دفاعية، وأن الولايات المتحدة، تثبت بتزويد نفسها بكل هذا العتاد، أنها لا تزال في حرب دائمة مع المسلمين والعالم، ما لم يستيقظ الإنسان غير الأمريكي من نومه ويستوعب هذا الأمر ويدركه ستظل تستغل ثرواته، وتغتاب كرامته.
والعظمة التي تحوزها أمريكا بالسلاح والتكنولوجيا، التي تتوهم بها حين بالغت الإدارة في تهديداتها للعراق، مفتخرة بأن أمريكا هي القوة العسكرية العظمى في العالم، ووقفت مثل رعاة البقر، الذين يظهرون في الأفلام الأمريكية الرخيصة، وهي راضية تمام الرضا عن صورتها، حتى إنها أخفقت في رؤية السخرية والاحتجاجات الدولية ضدها، وهي تماماً تلك الصورة التي أدّت إلى الانشقاق مع دول أوروبية مثل فرنسا وبلجيكا وألمانيا وروسيا، التي استوعبت برنامج أمريكا المريب والمشبوه.
يتساءل آرشي: كيف يستجيب الشعب الأمريكي لكل هذه السياسات الهمجية؟ هل هم مسرورون لرؤية المواطنين الأبرياء الذين جرى تسميتهم حديثاً بـ “غير المقاتلين” وهم يُقتلون من دون أي سبب؟ وهل يلاحظون أن غير المسلمين يوصفون “بالمواطنين الأبرياء”، بينما يجري وصف المسلمين بأنهم “غير مقاتلين”؟، هل هم غير فطنين لحقيقة أنه عندما يموت غير المسلمين فهم يعدون قد قُتلوا على نحو متعمد ومقصود، بينما عندما يموت المسلمون يوصف القتلى بأنهم وقعوا ضحية “ضرر غير مقصود”؟ إن صفة البشرية تنزع عن المسلمين عندما تستخدم مثل تلك العبارات، ولا يمكن رؤية هذا العالم بأنه وسيلة نفسية للتغطية على قتل المسلمين الأبرياء وحسب، إن وسائل الإعلام الغربية تقوم على نحو مقصود ودائم بتجريد المسلمين من الإنسانية، لأن القوى العلمانية لا تكترث حقيقة لخير المسلمين وسعادتهم، وهي أيضاً مصمِّمة على تحقير المسلمين، حتى يعدهم بقية العالم بأنهم لا يستحقون التعاطف العقلاني والوجداني.
لكن هذا الموقف الغربي غير الإنساني بتسويغ فقدان المسلمين بأنه “ضرر غير مقصود” ينزع ببساطة ثوب الإنسانية عن العلمانية الغربية.
إن هذا الوحش الغربي عنيف حقاً، فهو يمتص دم المسلمين من دون أي اعتبار لأمن أرواحهم وكرامتهم وسلامتهم النفسية، كم هو عنيف هذا العشق للقوة؟ أليست أمريكا أشبه بالمشار إليه في الآية الكريمة: (كلا إن الإنسان ليطغى) سورة العلق: الآية: 6.
لقد استهزأت أمريكا وبريطانيا بوقاحة بالرأي الدولي، عندما أعطت الحكومة الصهيونية الضوء الأخضر في عام 2006 لمهاجمة لبنان وشعبه، وبعد ثلاثين يوماً من الجرائم المتواصلة ضد الإنسانية أصبحت الحكومة الصهيونية تعد موتاها، وبرز حزب الله بطلاً دولياً لا يقهر.
في العشرين من حزيران عام 2003 صدّق كولن باول قيام الكيان الصهيوني باغتيال المقاتلين الفلسطينيين مع أن المدنيين الفلسطينيين هم الذين قُتلوا في العملية، لقد حُرمت الأراضي الفلسطينية المحتلة من حق المقاومة، التي جرى تصنيفها على أنها “إرهاب” وفي آب 2003 أعلن الرئيس الأمريكي بوش أن حماس هي منظمة إرهابية، ومع ذلك، سُمح للجيش الصهيوني باغتيال قادة حماس خلال وقف إطلاق النار، ألم يكن هناك مقاومون في أوروبا عندما احتلها هتلر؟ هل عدّدت هذه المقاومة إرهاباً؟ ربما يجب علينا أن نكون عادلين في حق بوش، ونقول إن هتلر ربما كان عدّها إرهاباً فعلاً.
هذه هي الحسابات المنطقية، وهكذا يعلمنا ديننا الإسلامي، فالعين بالعين والسن بالسن، ولو حاولنا أن نكون منطقيين في تفكيرنا لبرزت الحقيقة واضحة كوضوح الشمس في النهار، وهكذا فإنه من واجبنا أن نفكر بمنطقية، وألا ننساق وراء الدعاية السامة، التي تغزو عقولنا.
وليس آرشي وحده من يخبرنا بهذا، بل هناك الكثير ممن حاولوا بجدية البحث في مكامن السياسة الأمريكية البريطانية الإٍسرائلية، ولا يعني هذا أنني أؤيد تلك الدراسات التي تلقي اللوم على المؤامرات وسخطها، ولكن بصريح العبارة، أنا أنساق نحو الحقيقة أينما كانت.
فإذا كانت أمريكا إذاً وحلفاؤها لا تحارب المسلمين على نحو عام، فهم يحاربون العرب على نحو خاص، وهم يزعمون أن السعوديين قد أنتجوا خلاصة المهاجمين العرب الخمسة عشر، الذين قاموا بمهاجمة برجي التجارة العالميين، لكن هل يعطي هذا الحق لأمريكا بتشويه المملكة العربية السعودية أو أي دولة أخرى ومهاجمتها؟ لك أن تجيب بنفسك عزيز القارئ! وأنا على يقين بأنك ستجد الجواب الكافي والوافي لكل أسئلتك.
إن الهجوم على المسلمين ظاهرة منتشرة عالمياً، وإمكان وجود منظمات سرية متعددة هو حقيقة، لا يمكننا أن نتجاهلها؛ ومن الواضح جداً أن المسلمين، سواء جرى تسميتهم إرهابيين أم مقاومين، يقومون بالمقاومة، وقد تغير الرأي الدولي منذ الحرب على العراق، والرأي القائم يقول إنه إذا لم يحارب المسلمون في سبيل عقيدتهم وهويتهم متسلحين بكل ما يملكون، فالمصير الواضح والجلي هو أن أعداءهم سوف يحتلون أراضيهم، وها نحن اليوم تحت قبضتهم، ويترجى حكامنا رحمتهم، فالعيب إذاً ليس فيهم، ولكن بدرجة أولى أقول العيب فينا، وهذا ما سنوضحه في الجزء الثاني من المقال مع المفكر الجزائري مالك بن نبي.
في السنوات الأخيرة استمر الهجوم العنيف على المسلمين في البلقان وأفغانستان والعراق وفلسطين وفي إفريقيا، والهجوم المترافق عليهم ضمن ما يسمى الحرب على الإرهاب في الشرق الأوسط، يعني أنّ المعتدين لم يتركوا شيئاً لم يفعلوه في محاولاتهم المستمرة لكسر إيمان المسلمين وإضعافهم، وتعدُّ الجرائم بحق المسلمين، وحالات الاغتصاب، والاحتلال، وسرقة الطاقات، وتدمير البنى التحتية، وخلخلة الاقتصاد، وإحداث الفوضى العامة، والاعتداء المميت على عامة المسلمين، وتشويه سمعة دينهم بالإعلام، وتدنيس القرآن الكريم جميعاً جهوداً في سبيل الهجوم النفسي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي والجسدي على نفسية المسلمين في العالم للوصول إلى هدف محدد، وهو تدمير إرادتهم في الاستمرار والتزام تعاليم دينهم، ولكي يتخلوا عن عقيدتهم وإيمانهم وهويتهم.
إلى متى يستطيع المسلمون تحمل هذه الأوقات العصيبة؟ وإلى متى يستطيعون تحمل انتصارات المعتدين؟
وعندما يتعلق الأمر بالسيطرة على العالم، يجب أن نتذكر أن نابليون وهتلر أخفقا في تحقيقهما، وكان جنكيز خان هو الوحيد الذي حافظ على نفوذه الكبير مئتي عام، لكنه لم يسيطر على العالم إلى الأبد، وأن قطز المملوك استطاع أن يسقط هدف أقوى الأعداء وهزيمة أعظم القوات في حرب ضروس، وهو ليس بملك، فلنا أن ننتظر حتى نصنع جيلنا الجديد.
ألا ترى أيها القارئ! أن الولايات المتحدة وبريطانيا تفقدان السيطرة على الأراضي، التي كانت سابقاً تخضع لنفوذهما؟
لماذا علينا أن نصدق دعاية مبنية على الكذب والخداع والتشهير من دون أي دليل، والعنف المبني على الاعتداء، وليس على الدفاع عن النفس، والاعتداء العنيف والقاسي مثل الاستخدام غير المميز للصواريخ البعيدة المدى، والقنابل ذات الألفي باوند، والقنابل العنقودية المصممة لقتل الحيوانات والأطفال سنوات كثيرة قادمة؟ لقد تمكنت الولايات المتحدة وبريطانيا من بناء آلة الحرب الضخمة بفضل غناهما بالثروات، أو بالأحرى بسبب سرقة ثرواتنا، وسوف يصبح أبناء الدولتين عداد جيوشهما.
إن ديمقراطية الولايات المتحدة هي للأمريكيين فقط، وعلى النقيض سياسة ديكتاتورية تجاه بقية دول العالم، ومنها الدول ذات السيادة المستقلة، إن ادعاءات هذه الدولة بالديمقراطية ادعاءات كاذبة، كما لا تمثل الحكومات الموالية لأمريكا في العراق وأفغانستان طريق الديمقراطية لكنها طريق للسيطرة الاستعمارية، إن دعم الولايات المتحدة وتعاونها المستمرَّين مع إسرائيل في احتلال بقية الأراضي الفلسطينية، إضافة إلى قتل الرجال والنساء والأطفال هي أفعال توضح للعقل أننا نشهد العمل الإجرامي على مستوى دولي، إذا كان صدام حسين مذنباً فعلاً (لقد أجرى محاكمته مجموعة من الخارجين على القانون، ولم يُحاكم في محكمة شرعية) فهذا الذنب صغير مقارنة بذنب بوش وبلير وجماعتيهما.
وأن التحالف الأمريكي البريطاني هو الإرهاب عينه، وقد كان الأمر باغتيال صدام حسين وأبنائه وعائلته ومسؤولي الدولة سابقة في ذاتها.
ألا يجب علينا أن يكون لنا استراتيجيات لتحويل السياسيين إلى عقول تفكر في المبادئ الأخلاقية والدينية؟ وأن يكون بناء العقل العربي هدفاً في النهاية قبل صناعة السلاح؟
أما عن الأداة التي تشرع لأمريكا سياساتها وتبررها، وهي المتمثلة في الأمم المتحدة، ووافقنا على إنشائها لأننا لم نرد أن تقوم حرب عالمية أخرى، ولأننا أردنا أن نتجنب الحروب، علينا الآن أن نتعامل مع قضية الدول الأعضاء الفاسدة والمعتدية، ويجب علينا أيضاً أن نناقش الوسائل العسكرية وبعض الوسائل الأخرى لكبح جماح تلك الدول المولعة بالحروب، نحتاج أيضاً إلى أن نعالج قضية التعريف الدقيق لأسلحة الدمار الشامل مثلما يفعل المحامون، ولا نلعب ألعاباً بكلمات إنجليزية غبية وتافهة، إن القنابل، التي تزن الأطنان والصواريخ، قادرة على التدمير الشامل، خاصة عند إسقاط الآلاف منها على مدينة واحدة، أم أنها ليست أسلحة دمار شامل، عندما يكون الضحايا عرباً مسلمين؟ ألن تعد القنابل نفسها أسلحة دمار شامل، إذا أُسقطت على دولة أوروبية؟، إن ممثلي هذه الهيئة الدولية يجب أن يقوموا بطريقة واعية ومثقفة، وليس كمتخلفين عقليين، إذا كانت لديهم النية في مواجهة الحقائق، إنّ الهيئة الدولية، التي سلبت أراضي فلسطين بإرادتها، وشكلت ما يسمى بـ “إسرائيل” من دون موافقة الشعب الفلسطيني، كانت هيئة ذات صفات مريبة جداً، والهيئة الدولية التي تحافظ على الوضع الحالي مريبة على نحو مماثل، عندما تسمح هذه الهيئة لإسرائيل بأن تقصف الفلسطينيين على ما تبقى من أرض فلسطين في وضح النهار، فإن ثقتها تهوي إلى أدنى درجة ممكنة، وعندما تتهرب مدة طويلة جداً من عدِّ ما تبقى من فلسطين دولة لشعبها، فليس لها أي ثقة أبداً، يجب على الهيئة الدولية أن يكون لها الحق في إعادة تقييم قرارات أسلافها وإعادة معالجة الأمور، ويمكن لأي قرار أن يلغي أو يعدل أو يجري تجاهله، ولأن دولة إسرائيل لم يخلقها الله سبحانه، بل خُلقت بفعل بعض الدول، يجب على الهيئة الدولية المحترمة أن تهدد بالتخلي عن شرعية إسرائيل، إذا لم توقف عدوانها، ولماذا ينقص الهيئة الدولية القواعد الدستورية؟
وخلاصة القول هو ما يقوله ربنا تبارك وتعالى في محكم تنزيله: }ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا{ [البقرة: 217]، ولن يتوقفوا عن سياساتهم هذه إن لم نبادر لمواجهتها وجهاً لوجه، مع اتخاذ الإجراءات اللازمة لكل حركة نقوم بها، فليس هذا عملاً مستحيلاً، أبداً، فالأيام دول، فاليوم الغلبة لها، وغذا – إن اتخذنا ما يلزم لكبح جماح هذه القوى الفاسدة – سيكون النصر لنا، حينها فقط سنتذوق طعم السلام الذي تصنع أيدينا.
إن السلام ليست كلمات تتراقص على ألسنتنا، وتميل لها عواطفنا، بل هي سلوك فعلي يلزمه أسباب حتى تتحقق، ولا يمكن لنا أن نتسبب في صنعه ما لم نصنع عقولاً تفكر، وتعي بكل ما يحوم حولها من سياسات استعمارية بطرق لم نعد ندركها لحداثتها، لهذا فالعدو الأول بالنسبة لي ليس كما يصفه آرشي من دول فاسدة مثل الكيان الصهيوني وأمريكا وبريطانيا… العدو الأول لمجتمعاتنا هو الجهل والغباء، وامتلاء العقل بفكرة الطائفية والتطرف والتعصب والسخافة والخرافات التي ننسبها للدين، بدلاً من العلم المعرفة، لنراجع حساباتنا، ولنتأمل، ولنفكر حتى نستطيع تدارك ما فاتنا، ونعمل على ما لم يفت بعد.