مقالاتمقالات المنتدى

آباد بانو بيغم: صانعة الرجال وأيقونة النضال، ونجمة الاستقلال

آباد بانو بيغم: صانعة الرجال وأيقونة النضال، ونجمة الاستقلال

 

بقلم صبغة الله الهدوي “محرر مجلة النهضة العربية” (خاص بالمنتدى)

 

يقولون إن كل وراء رجل عظيم امرأة، لكن من يتتبع سيرة “بي أماه” سيقول إن كل وراء جيل عظيم امرأة عظيمة، وفي الهند، في دولة التنوع والتعدد لا تزال تاءات التأنيث تصنع التاريخ وتضع لبناتها الأولى، وتتألق رموز الأمة الإسلامية في سماء تاريخ شبه القارة الهندية بكل ألق وإشراق، فتلك رموز تبدد دعايات الهندوتا التي صنعت من ثلاثية التزويز والتزييف والتعتيم، فأن تقوم  بتجديد ذكريات أبطال الثورة الوطنية الهندية وتقف على عتباتهم المضيئة بإجلال واحترام لا سيما في زمن هندوتا تعني ذلك أنك تبني الهند من جديد، وأنك وريث الهند بكل معنى الكلمة.

 فقصة آباد بانو أو بي أماه كما نادتها الملايين الهنود لم تزل محفورة في ذاكرة الهند الثائرة، ولم تزل كلماتها وقيمها رابضة على أسوار قلعة التاريخ، أنجبت من رحمها بطلين محمد علي وشوكت علي، سماهما العالم بإخوة علي، رمزا البطولة والسلام والكرامة، وشاركت في ميدان السياسة بهويتها الدينية وبحجابها وببرقعها، حلمت لتتحرر الهند من إسار الاحتلال وتطلع شمس الحرية والسكون على جبال هماليا الشامخة، كانت ثائرة ومجاهدة، وسفيرة سلام وانسجام.

سيرتها ومسيرتها

ولدت عام 1850م بولاية أتربرديش في عائلة لها إرث ثري في الأحداث الوطنية، حيث خسرت كل ممتلكاتها أعقاب الثورة التي تفجرت عام 1857م، تزوجت بعبد الكليم خان الذي كان يعمل موظفا في حكومة رامفور، لم تدخل المدارس ولم تحصل على العلوم الحديثة لكنها آمنت بأن طرق النهضة إنما تبنى من خلال التربية والتعليم، وكانت أمية لكنها كانت قوية الإرادة، وواثقة بالنفس، وواعية بالظروف، فباعت كل حليها لترسل أبناءها إلى جامعة عليجراه وجامعى أوكسفورد، فتلك كانت حدثا يدق له الطبول، امرأة مسلمة أرملت في شبابها، لم تحصل على التعليمات الرسمية، وتسعى بكل ما في وسعها للتهرب من الفقر،  تتأهب بكل همة وإرادة لإرسال أبناءها إلى الجامعات المرموقة في الحين الذي تحاصر عائلتها أطياف إنجلترا وتشتعل الهند شرقا وغربا نتيجة أعمال العنف التي تمارسها إنجلترا تجاه الشعب الهندي وعلى رأسه الأمة المسلمة، فقد كان ذلك حدثا تاريخيا ملهما ليصنع للهند بطلين شجاعين، محمد علي وشوكت علي، الذان عملا مع مهاتما غاندي كتفا بكتف، فكانا رمزا البطولة والوطنية.

عاشت مع أبناءها ملهمة فيهم، وموحية إليهم دروس الوطنية والمجد، وعلمتهم بأن الحرية إنما تتحقق على لبنات السلام، وأن العنف إنما مصيره إلى الزوال، كانت أما عرفت روح الهند، وأحست بنبض التنوع والتعدد، فطافت الهند أيام كان ابنها محبوسا في السجن، تخاطب الشعب الهندي بواجبية المقاومة وفرضية الدفاع عن الوطن، فنتيجة لجهودها توافدت آلاف من النساء إلى أتون الوطنية كما لبتها عشرات الآلاف للانضمام إلى حركة الخلافة، وشاركت في المظاهرة التي أقيمت لإفراج آنيباسانت، وكان لها حضور فاعل في الجلسات الوطنية إلى جانب ساروجني نايدو الملقبة “بالمرأة الفولاذية للهند”، وبيغم حسرت موهاني وسارالا ديفي وباسنتي ديفي،  التزمت بهويتها الإسلامية، لم يمنعها الحجاب للظهور أمام الجمهور نيابة عن نجله الأسير، عاشت في داخل عباءتها، لتكون أول امرأة خاطبت الجلسة السياسية مرتدية الحجاب، وقتها كانت الهند منفتحة على كل الأديان، تعانق كل رسائل الإنسانية،  فكانت بي أما رمز الوطن بأسره، كان لها كلام جميل وطويل في مؤتمر رابطة المسلمين لعموم الهند الذي أقيم عام 1917م، فأثر ذلك في قلوب المسمين ونفخ فيهم روح العزم والإرادة،  توفيت عام 1924م بعد أن حلت حركة الخلافة، وما أحسن ما قاله شاعر النيل ” الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت جيلا طيب الأعراق”.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى