مقالاتمقالات مختارة

يوم عقاب المسلمين!

بقلم رزان الزيود

في أحدث حلقةٍ من حلقات “كراهية المسلمين”، تلقّى بريطانيون رسائلَ مجهولة المصدر، تحثُّهم على الاعتداء على المسلمين في يوم 3 إبريل 2018. وكانت قد أعلنت الرسالةُ عن مكافئاتٍ مالية تُصرف لمن يقوم بالعنف وفقاً لطبيعته الاعتداء، والذي ستتراوح نقاطُه بين السبِّ اللفظي، وسحب وشاحِ امرأة، وقتلِ مسلم، وتفجيرِ مسجد..

حينما يسقُطُ الحبلُ من أعلى سطح بناية، دون أن يُحدِثَ أيَّةَ جَلَبة، فلن تُكلّفَ نفسَك عناء النظرِ إلى الأثرِ الذي تركَه سقوطُه، وكأنَّ الحبلَ أصبح سراباً. أمّا عن السببِ؛ فذلك لأنكَ أهملت الاعتناء به؛ ممّا أدّى إلى وقوعه، ولن يتوقفَ أحدٌ عند تلك الحادثةِ متأثراً.

اربطِ الحبلَ بشيءٍ ثابتٍ على سطحِ البِناية، أحكمِ الربْطَ، اعتنِ به ليصبحَ من الصعبِ أن يُفلت، فإن أردتَ إفلاته، يتوجّب عليكَ أوّلاً أن تصعدَ إلى أعلى البناية، وهذا يعني اجتيازَ حارس البناية، وبواباتِها، والطوابقِ المتعددةِ، والطرقِ المتّصلةِ، والمتفرِّعةِ، والجماعاتِ، والأفرادِ، وجميعِ العقباتِ القابعة في طريقك إلى السطحِ.. وإن أفلحتَ، فسيكونُ لوقوعِ الحبلِ هنا ضجةٌ وصخبٌ عاليان..

وقع خبر “يوم عقاب المسلمين” في جوفي كسائلٍ حارق، تماسكتُ، حملتُ قلمي، وأمسكتُ دموعاً انحدرت رغماً عني، لا لأننا سنعاقَب في يوم 3 إبريل بالتحديد، بل لأننا اعتدنا العقابَ

ما يحدثُ بنا لا يهِمُّ أحداً، ولا أحدَ يأسف على سقوطِنا متأثراً، نحن نسقط، بلا صوتٍ أو ضجيج… نحن لا نشبه ذلك الحبلَ المشدودَ الوثاق في البناية، نحن نُدفع نحو الهاوية، نُدفع بكلّ قوة كي ننتهي تماماً، وليس لانتهائنا أثرٌ موجعٌ في العالم..

في 7 يناير 2015 قام ملثمون باقتحامِ مقرِّ الصحيفة الساخرة “تشارلي ابدو”، وبدؤوا بإطلاقِ النار، بعد أن قامتِ الصحيفةُ بنشرِ رسومٍ مسيئةٍ لرسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- في محاولةٍ منهم لاستفزازِ المسلمين ومشاعرهم، قامت في فرنسا بعد الحادثةِ مباشرةً مسيراتٌ شارك فيها حوالي خمسون من قادة العالم. أين هم قادةُ العالم من “يوم عقاب المسلمين”؟!

قُتل الملايين من المسلمين ولم يتَّهم أحدٌ بشيء، أو تُوَجه لأيٍّ أصابعُ اتهام، وانضمّ القتلةُ إلى جانب قادة العالمِ في المسيرة التاريخيةِ ضدِّ الإرهاب الإسلامي في باريس. تكلم العالمُ كله عن حادثةِ تشارلي، وتناسَوا ملايينَ المسلمين الذين لقُوا حتفَهم في حوادثَ مختلفة..

وقع خبر “يوم عقاب المسلمين” في جوفي كسائلٍ حارق، يهبّ في باطني أعاصير تقتلعني من الكونِ كلّه، تماسكتُ، حملتُ قلمي، وأمسكتُ دموعاً انحدرت رغماً عني، لا لأننا سنعاقَب في يوم 3 إبريل بالتحديد، بل لأننا اعتدنا العقابَ والعذابَ ومرارةَ الأحداث التي لم تُبقِ لنا سوى صرخاتٍ مستغيثةٍ لا يسمعُها أحد، ولأنّ تيارَ النهر البائس في أعماقي صار ثقيلاً، ولأن الحزنَ بات ينبشُ في إنسانيّتنا المنسية، ولأنني تائهٌ بصحراء حيرتي في بؤس هذا العالم، ولأنني أقف عاجزاً عن إدراكِ ما يحدث حولي، ولأن روحي قد أُتلفت..

فهل ينقصنا يومٌ مخصصٌ لتعذيبنا، ألم يعرف صاحبُ الرسالة أننا نعذَّب كلّ يوم، وأن شؤمَ عالمنا لا ينقصه يوم مشؤوم آخر؟.. ألا يعرفُ صاحبُ الرسالةِ أننا نوثقُ ربط إيماننا؛ لأنه لم يتبقَّ لنا سوى أن نُسلم لله، ونُقبلَ عليه بقلوبنا كي يقبلَ علينا.. فوظيفةُ العامةِ في الحياة الأذى ولا شيء غير ذلك، ونحن الغرباء، نحن الاختلافُ في زمنٍ تَشابَه فيه البشرُ في الأذيةِ والانتقامِ والحقدِ والظلم.. نحن الغرباءُ في زمنِ سقوطِ الحبال كلها… سقوطِ السلام والبلاد والعباد..

فتمسكنا بحبلِ اللهِ لأنه ما من شيءٍ أعظمَ وأجملَ.. نحن الغرباء.. فطوبى للغرباء..

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى