يعقوب -عليه السلام- في القرآن الكريم
بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)
ورد ذِكر “يعقوب” ست عشرة مرة في القرآن، فقد ورد في السور المكية الآتية:
في سورة يوسف، ورد ثلاث مرات في أثناء عرض قصة يوسف عليه السلام.
وفي سورة مريم، ذُكر مرتين؛ مرة في الإخبار عن إبراهيم عليه السلام، ومرة في دعاء زكريا عليه السلام طالباً من ربه الولد.
وفي سورة هود، ورد مرة في الإخبار عن بشارة سارة بإسحاق ثم بيعقوب.
وفي سورة الأنبياء، حيث ذكر مرة في الإخبار عن بشارة إبراهيم بإسحاق ثم بيعقوب.
وفي سورة العنكبوت، فقد ورد مرة في الإخبار عن جعل الله النبوة في ذرية إبراهيم وحفيده يعقوب.
وفي سورة ص ذكر مرة، وذُكر في جمع الكرام الثلاثة: إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام.
وأما السور المدنية التي ذكر فيها فهي:
سورة البقرة، وذكر فيها أربع مرات وذلك في معرض الحديث عن إسلامه ووصيته لأولاده وهو على فراش الموت بالإسلام، والموت عليه، ودعوة ذريته إلى الدخول في الإسلام والإيمان بجميع الكتب المنزلة وبجميع الرسل المبعوثين، ويلزم من هذا اتباع اليهود لرسول الله محمد (ﷺ) ودخولهم في دينه.
وسورة آل عمران، حيث ذكر فيها مرة واحدة في معرض دعوة أهل الكتاب إلى الإيمان بكل الأنبياء وما أنزل عليهم.
وسورة النساء، إذ ذُكر فيها مرة واحدة، أثناء ذِكر أسماء مجموعة مباركة من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
مواضع ذكر اسمه الثاني “إسرائيل” في القرآن:
إن الاسم الآخر ليعقوب هو “إسرائيل”، وقد ذُكر في القرآن مرتين:
الأولى: في سورة آل عمران، عند الحديث على ما حرمه على نفسه وما حرّمه الله على بني إسرائيل.
الثانية: في سورة مريم، عند الحديث عن شجرة النبوة المتفرعة عن إبراهيم وعن يعقوب عليهما السلام. (القصص القرآني، المصدر السابق، (٢/٥١).
والذي حرّمه إسرائيل على نفسه جاء في قوله تعالى: ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ ]آل عمران:٩٣[، وقد أنزل الله هذه الآية في مجادلة الرسول (ﷺ) لأهل الكتاب، وبالذات اليهود بشأن يعقوب عليه السلام، وما حَرّمه على نفسه تقرّباً إلى الله عزّ وجل.
وتُكذب هذه الآية وما بعدها اليهود في مزاعمهم وأكاذيبهم حول يعقوب عليه السلام، فقد دوّن أحبار اليهود في سفر التكوين في العهد القديم الأخبار ونسجوا الأكاذيب حول يعقوب عليه السلام والتي زعموا فيها أن يعقوب قد صارع الرّب ليلاً وأنه قد صرع الرب عدة مرّات وأن الرّب المصروع المغلوب باركه وبارك بنيه وجعل الأرض المقدسة لهم إلى قيام الساعة، ومنذ تلك الليلة غيّر الله اسمه من يعقوب إلى إسرائيل ومعناه عندهم الذي جاهد الرب وصارعه، وهذه من الأكاذيب والافتراءات في حق الله عزّ وجل وفي حق نبي الله يعقوب عليه السلام.
إن الآية الكريمة: ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ﴾: تنصّ على الاسم الثاني ليعقوب عليه السلام، ويعقوب هو إسرائيل عليه السلام وأولاده وذريته هم “بنو إسرائيل”، وكان إسرائيل عليه السلام قبل إنزال التوراة؛ لأن الله أنزل التوراة على نبيه موسى عليه السلام، وإسرائيل وُجد قبل موسى عليه السلام بعشرات السنين، وبما أن إسرائيل عليه السلام نبي فإن ما التزم به قد أصبح شرعاً ملزماً له، وقد ألزم الله به ذريته وأبناءه وجعله تشريعاً لهم.
ويُخبرنا رسول الله (ﷺ) في الحديث الصحيح أن أَحبّ الطعام لإسرائيل عليه السلام كان لُحوم الإبل، فلما مرض يوماً مرضاً شديداً بعرْق النساء واشتد به سقمه، وطال مرضه، نذر نذراً لله، لئن شفاه الله وعافاه، ليتقرّبن إلى الله بترك أحب الطعام إليه والامتناع عن أكله. (القصص القرآني، المصدر السابق، (٢/٥١)
وبما أن أحب الطعام إليه هو لحوم الإبل، فقد وفّى بنذره بعدما شافاه الله، وامتنع عن لحوم الإبل، فإن إسرائيل عليه السلام أراد أن يتقرب إلى الله بأحب شيء إليه، وامتنع امتناعاً عادياً شكراً لله الذي عافاه من مرضه.
وهذا تناسق لطيف مع الآية السابقة من سورة آل عمران التي تدعونا إلى إنفاق أحب شيء إلينا لننال البرّ والأجر عند الله.
قال تعالى: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (٩٢) كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٩٣)﴾ ]آل عمران:٩٢-٩٣[، فإذا كان المسلم الصالح لا يَنال البِرّ حتى يُنفق في سبيل الله أحبّ شيء إليه؛ تقرباً إلى الله، وبما أن أحب شيء إلى نبي الله إسرائيل (عليه السلام) هو لحوم الإبل فقد امتنع عنها، وتقرّب بذلك الامتناع إلى الله وأنفقه في سبيل الله لينال البرّ عند الله.
وقد ألزم الله بعد ذلك أبناء إسرائيل بما امتنع عنه أبوهم إسرائيل عليه السلام وصار هذا تشريعاً من تشريعاتهم وحرّم بذلك أكل لحوم الإبل. (القصص القرآني، المصدر السابق، ص٥٩).
ملاحظة هامة: اعتمد المقال في مادته على كتاب: ” موسى عليه السلام”، للدكتور علي الصلابي، واستفاد كثيراً من معلوماته على كتاب: ” القصص القرآني”، سليمان الدقور.
المراجع:
موسى عليه السلام كليم الله عدو المستكبرين وقائد المستضعفين، د. علي محمد الصلابي.
القصص القرآني أهدافه وخصائصه ومنهج الكتابة فيه، سليمان الدقور.