بقلم د. محمد بن عبد العزيز الشريم – موقع تواصل
الحرية نعمة كبرى من الله تعالى على عباده. والحرية الحقيقية لا تكون إلا في وجود حدود تضبطها، وإلا أصبحت عبثية حيوانية تنحدر عندها الكرامة البشرية إلى أدنى مستوياتها. والحرية الناضجة تزين كل إنسان، لاسيما من اعتاد بعض الناس النظر إليه على أنه مسلوب الحرية، نتيجة اغترارهم بمفاهيم الحرية غير المنضبطة؛ فصاروا ينتقدون الحرية المنضبطة انفلاتاً منها وإطلاقاً لشهوات النفس ورغباتها بلا رادع من دين ولا عقل ولا خلق.
وحينما وجهوا إليها دعوتهم قائلين: “كوني حرة”، جاءت أصوات الرفض عالية من أخواتنا وبناتنا قوية ومدوية هذه المرة بشكل غير مسبوق! أترون السبب أن الفتاة والمرأة ما زالت -كما يرددون- أسيرة ولم تعتد الحرية! أم أنها ما زالت غير قادرة على رؤية نفسها مستقلة عن الرجال الذين أخضعوها لفكرهم الذكوري، فصارت متحمسةً له أكثر منهم، لأنهم استغفلوها بوصفها “درة” و”ملكة” وغير ذلك من ألقاب ساخرة من العفيفات اللواتي سلمن أمرهن لله وارتضين العيش وفق المنهج الذي فرضه الله تعالى على الرجال والنساء، على حد سواء.
قد نُشرّق أو نُغرّب في تفسير المقصود بدعوات الحرية، لكن المؤكد هو أن غالبية نسائنا وبناتنا لم يقبلن بدعوات جوفاء للتحرر، ظاهرها فيه الرحمة، وباطنها من قبله العذاب. ربما رأيتم مقطعاً لامرأة تلبس العباءة السوداء، وتحمل العلم السعودي، وتشتكي من سلب حريتها وأنها لم تنلها إلا بعدما وصلت كندا. بعد ذلك قامت بإلقاء العلم السعودي وداسته بقدميها مركزة وقوفها على كلمة التوحيد! ليتبين بعد ذلك أنها ليست سعودية، بل من دولة عربية أخرى، كانت مسلمة فصارت ملحدة!
أثبتت المرأة والفتاة أنها “كانت حرة” ولم تقبل السقوط في مستنقع التبعية لفكر دخيل على ديننا ووطننا! أكدت أنها “كانت حرة” فرفضت ابتلاع الطعم الذي ربما راق شكله لمن لم تجرب مذاقه الحقيقي! بالفعل، “كانت حرة” وقالت بملء فيها: “أنا حرة” ولكن في حدود الدين، فليس شرع الله الذي يجعلني أمة عند الرجل كما تزعمون، بل أنا والرجل كلانا عباد لله تعالى.
مهما قبلنا من نتاج الثقافات الأخرى، إلا أنه من الصعب أن نتقبل أفكاراً كانوا في غاية التخلف بشأنها قبل عدة عقود من الزمن! فمن كانوا يمارسون التمييز القهري ضد الملونين لا يمكن أن يعلمونا المساواة العنصرية! ومن حرموا المرأة حقوقها الإنسانية لا يمكن أن يكونوا مصدر إلهام لنا في قضية حقوق المرأة! ومن يتاجرون بالبشر حينا، ويحرقونهم بأسلحتهم الفتاكة حينا آخرا لا يمكن أن نتعلم منهم حقوق الإنسان! ومن حرموا كثيراً من الناس حريتهم، فبالتأكيد لن يكون مرجعية مقبولة في تعريف مفهوم الحرية أو تطبيقه! نقول هذا ولو وجدنا لديهم بعض النقاط الجميلة التي لا تنكر، إنما الحديث عن أساس الفكرة وفلسفتها التي حتما لا تتوافق مع الفطرة البشرية السوية، فضلا عن الشريعة الإسلامية.