
وقفات رمضانية… لبناء الذات ( ٤ )
بقلم د. عمر عبدالله شلح ( خاص بالمنتدى)
( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ).. استكمالاً لبناء الذات، مع الوقفات الرمضانية، سنقف اليوم مع آفة من آفات اللسان، إن لم تكن هي الأسوأ تقريباً.. وهذه الآفة هي ” آفة الكذب “..!!
والكذب هو من أخطر الأمراض التي إذا أصابت الانسان وتمكنت منه، كانت سبباً في هلاكه.. فقد جاء في الحديث “…وإيَّاكُمْ والْكَذِبَ، فإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إلى الفُجُورِ، وإنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إلى النَّارِ، وما يَزالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الكَذِبَ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذّابًا..”
وفي التربية، يمكن القول بأن الكذب مرض، قد يلازم الإنسان من الطفولة، ما لم ينتبه الآباء إلى أبنائهم، حيث تبدأ رحلة الكذب من الطفولة فيما يعرف باسم ” الكذب الدفاعي ” وهو الذي يلجأ إليه الطفل، لتبرير سلوكه الخطأ خوفاً من العقاب على هذا الخطأ.. وهنا يأتي دور الأهل في التربية، وكيفية معالجة هذا السلوك مع الطفل، مع التركيز على ربط الفكرة للعلاج، برفض الكذب لأنه حرام، وليس عيباً.. والمقصود من هذا، أن يرتبط الطفل بمفاهيم تربوية مهمة مثل الحرام والحلال، والثواب والعقاب.. ولأن الكذب سلوكاً شنيعاً قبيحاً، فقد نفاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أن يكون من سلوكيات المؤمن الحقيقي، فقد جاء في الحديث حينما سُئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ” يا نبي الله هل يكذب المؤمن؟ قال: (لا)، ثم أتبعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هذه الكلمة: (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون)..”..
ومن خلال تجربة الحياة، أن الذي يكذب، يمكن أن يفعل كل شئ.. لأنه سيدافع عن الذي فعله، حتى لو بالكذب.. وأسوأ ما في تجارب الحياة مع الآخرين، أن الكذب كان بداية سقوطهم الأخلاقي، والذي قادهم إلى السقوط الأمني للأسف.. لذلك هذا السلوك القبيح، حذر الإسلام منه وبقوة، لخطورته في حياة الإنسان..
وفي صيام العبد، إذا مارس الصائم هذا السلوك، فإنه يسيئ إلى صيامه، ويتراجع من دائرة صيام الخواص، إلى صيام العوام بسبب هذه الآفة الخطيرة.. وفي وصايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر الغفاري، أن قل الحق ولو كان مرّاً.. ومن سعة الإسلام ورحمة الله بالخلق، فقد أجاز الكذب ترخيصاً في ثلاثة مواطن، وهي كما جاء في الحديث ” لَا يَحِلُّ الْكَذِبُ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: يُحَدِّثُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا، وَالْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ ، وَالْكَذِبُ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ..”.. ومن باب العلم هنا، نذكر أن أدنى درجات الصدق ومقاماته عند الغزالي في الإحياء هو ” صدق اللسان ” وهو عكس الكذب تماماً.. لذلك، في شهر الصيام، فرصة مهمة للوقوف مع هذا السلوك الصعب، وبذل الجهد من أجل التخلص منه، فلكل من وجد في نفسه شيئاً من هذا السلوك فليغتنم الفرصة، سواء في ذاته، أو في أحد أبنائه.. فهي أيام معدودات..!!
اللهم صدقاً في اللسان.. وثباتاً على الحق.. وغلبة في الميدان.. ونصرة على يهود.. صباحكم صباح حفظ اللسان بالصدق.. صباحكم صباح غزة.. تواصل قتالها بمعيّة الله.. فتنتصر بإذن الله .
إقرأ أيضا: منهج في معالجة الأخطاء