وفاة العلامة الجليل، الفقيه النبيل، المرشد المربي فضيلة الشيخ عمر فاروق بن سلطان محمود الداودي المدراسي الهندي رحمه الله

وفاة العلامة الجليل، الفقيه النبيل، المرشد المربي فضيلة الشيخ عمر فاروق بن سلطان محمود الداودي المدراسي الهندي رحمه الله

توفي العلامة الجليل، الفقيه النبيل، المرشد المربي فضيلة الشيخ عمر فاروق بن سلطان محمود الداودي المدراسي الهندي رحمه الله، مدير المدرسة الداودية بتمل نادو – الهند، حيث انتقل إلى جوار الله سبحانه وتعالى عن عمر ناهز 81 عاما، صباح الأحد 23 جمادى الأولى 1444هــ الموافق 18 ديسمبر 2022 م.

مولده ونشأته وطلبه للعلم:

الفقيد الرحيل هو الشيخ الفاضل أبو أشرف حسين عمر فاروق بن سلطان محمود الداودي المدراسي الهندي، ولد عام 1942 في بلدة إيرود بتمل نادو في بيت بسيط متواضع لكن مجد أجداده معروف بمناصب القضاء وخدمة الخلق في عهد الملك حيدر علي وابنه المقدام تبو سلطان رحمهم الله.

 وكان في فؤاد المرحوم حرصٌ بالغٌ ليصبح عالما جليلا فالتحق بالمدرسة الداودية بإيرود عام 1953م، وتلقى فيها مبادئ العلم من النحو والصرف واللغة العربية وآدابها في سنتين ثم التحق بمدرسة فيض البركات بميتوفاليم ودرس فيها أربع سنوات، وبعد ذلك عاد إلى مدرسته القديمة الداودية وتخرج فيها عام 1963م، ثم ارتحل إلى أزهر الهند دار العلوم بديوبند والتحق فيها بقسم دورة الحديث وتخرج فيها بعد استكمال سنة واحدة عام 1964م، وعاد إلى بلده متحليا بكنوز العلم وآخذا به عن أيادي المشايخ الكبار والمحدثين العظام، ومن أبرز شيوخه في تمل نادو الشيخ مخدوم شاه والشيخ شريف الدين فلفتي والشيخ شرف الدين دندوكل والشيخ قاسم فلفتي والشيخ أنصار كدي نلور وغيرهم عليهم رحمات الله الواسعة.

*في ميدان التدريس:

كان في سويداء قلبه رغبة بالغة في الاشتغال بالتدريس في المدرسة الداودية وقابل بصدده علامة عصره الشيخ أبو سعود والشيخ الأماني رحمهما الله، لكن لم يتيسر له ذلك الجهد، ودعاه الشيخ أبو سعود لوظيفة التدريس في مدرسته سبيل الرشاد – بنغلور، واشتغل فيها بكل جودة وإتقان حوالي أربع سنوات، ثم دُعيَ إلى المدرسة الداودية للتدريس عام 1967م، واشتغل فيها أستاذا إلى عام 1987م، وعمل فيها نائبا للمدير من عام 1987 إلى عام 2012 حوالي 25 سنة، ثم عمل مديرا فيها من عام 2017 إلى 2022 حوالي خمسة أعوام، وأفنى من عمره أكثر من خمسين عاما في التعليم والتدريس.

ومما درّسه فيها كتب التفسير والحديث والفقه والبلاغة واللغة العربية وآدابها، وكان اشتهر بين طلابه بمزايا أساليب التدريس في عرض المسائل الدقيقة وتحليلها بأسلوب يسير،

“وقال لي تلميذه النجيب شيخنا حبيب محمد الداودي الندوي: إنه كان متمكنا في الفقه أصوله وفروعه ومتخصصا في المسائل العائلية والنوازل الفقهية بعمق معرفته الدقيقة الغامضة وهو فقيه العصر كأمثال الشيخ تقي عثماني وغيره إلا أنه ولد في تمل نادو وانحصر علمه وفقه في دائرة تمل نادو، وكان جسرا متينا وهمزة وصل بين فقهاء شمال الهند وجنوبها في زمن انعدمت فيه وسائل التواصل”.

*في ميدان القضايا الإسلامية:

كان مولعا بقراءة الكتب الإسلامية والمجلات والصحف، وله اطلاع واسع في الكتب الفقهية، وكان شهيرا بأهالي تملناد بأديب الفقهاء وفقيه الأدباء لتمكنه على معرفة الدقائق الفقهية العائلية كالطلاق والخلع والفسخ والعدة والنفقة، وكان ينشر مقالاته الفقهية في المجلات الإسلامية وغيرها، ونالت قبولا حسنا وتجاوبا رائعا بين أهل العلم وأهل التثقيف، ومنحت مقالاته الفقهية حلولا مقنعة في قضايا قانون الأحوال الشخصية المسلمة لعموم الهند، وكان يكتب مقالاتٍ كثيرةً دفاعا على شبهات المشككين في القرآن الكريم والحديث والفقه الإسلامي.

وله مصنفات عديدة في المسائل الفقهية في اللغة التاملية، من أبرزها مفتاح القرآن والمحكمة الإسلامية والبيان على شبهات واردة حول آيات القتال والجهاد وغيرها، ويعتبر كتابه المحكمة الإسلامية مصدرا أصيلا لناطقي اللغة التاملية لمعرفة المسائل الفقهية العائلية.

كان عارفا بالظروف التي يمر بها العالم الإسلامي وبصيرا بالأحوال التي يمر بها الشعب الهندي إلى آخر حياته وعمل في هيئة جماعة العلماء لتمل نادو من عنفوان شبابه وتولى فيها منصب الأمانة العامة ثلاث مرات حوالي عشرة أعوام وجد على ركبها وسعى لها سعيها قلبا وقالبا حتى نمت وازدهرت بآرائه الصائبة الرائعة وإرشاداته القيمة المنصفة، وكذلك تولى بمنصب الأمانة العامة في مجلس المدارس العربية وعمل لها ليل نهار وبذل قصارى جهده لترقيته وسيره الحثيث إلى الهدف المنشود.

*أخلاقه وصفاته:

كان رحمه الله معروفا بين علماؤه بسماته الفريدة وأخلاقه الحميدة، وكان لين الجانب، ومتواضعا بسيطا للغاية في الحل والترحال وفي الحضر والظعن، ومبتسم الوجه وطلق المحيا التي يضيئه نور الإيمان واليقين، وجريئا في إعراب رأيه الحاسم في قضايا الأمة والمسائل الفقهية لا يخاف في الله لومة لائم، ومتحليا بالقناعة والاستغناء والزهد والورع والتقوى.

*في المناصب الدينية:

كان الفقيد رحمه الله تشرف بكثير من المناصب الدينية رغم كل آلام يعانيها أثناء مرضه، ولم يعرف له الذهول والغفلة في مسؤوليته بل أتعب نفسه أكثر مما كان فيه لشغفه بإصلاح الناس وتربية الجيل القادم.

?عمل نائبَ المدير في المدرسة الداودية من عام 1987 إلى عام 2012 حوالي خمسين عاما، ومديرا فيها من عام 2017 إلى 2022 حوالي خمسة أعوام.

?الأمين العام في هيئة جماعة العلماء لتمل نادو لعشر سنوات. ومستشارا لها في كبر سنه حوالي عشرين سنة.

?الأمين العام في مجلس المدارس العربية بتمل نادو،

?وعضو هيئة الإمارة الشرعية لولاية تملنادو،

?وعضو من أعضاء مجمع الفقه الإسلامي للهند،

?وعضو هيئة قانون الأحوال الشخصية المسلمة لعموم الهند،

?عضو مجلس الملة الإسلامية لعموم الهند.

?ومشرفا ومستشارا للعديد من المدارس الإسلامية والمعاهد الدينية، والهيئات الخيرية والأحزاب السياسية.

*الوفاة:

منذ سنوات طوال يعاني المرحوم بآلام كثيرة لسبب مرضه في كبر السن، وأصيب بنوبة قلبية يوم الخميس 15/12/2022 وأُدخلَ في المستشفى للعلاج، ثم أُتيَ إلى مدرسته فعلى إثر ذلك انتقل بقضاء الله وقدره إلى رحمته سبحانه صباح يوم الأحد في الساعة التاسعة 23 جمادى الأولى 1444هــ الموافق 18 ديسمبر 2022 م. كان وداده أن يحمل طلابه جنازته إلى الدفن فقدر الله وما شاء فعل، وتم دفنه بإرادته وطلابه وأصحابه حملوا جثته شاربين كأس الفراق والهم والعيون تذرف دموعا على خدادهم.

طبتَ حيا، وعشتَ سعيدا ومتَّ حميدا

لا شك أنه قد أضحى من حياته خمسة عقود من الزمن في تعليم الناس وتربية الأجيال وإصلاح الأمة وأوقف حياته بحذافيرها في خدمة مدرسته الداودية حتى نهل من مناهل عرفانه وتربى في احتضانه عدد كبير من العلماء الكبار وهم الآن نجوم ساطعة وأقمار لامعة في الأوساط العلمية والفكرية والدعوية والسياسية في تمل نادو.

رحم الله الفقيد الراحل رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته ورفع درجته في عليين مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين