مقالاتمقالات مختارة

وعينا الجمعي في الأزمات دليل فهم صحيح للإسلام – أزمة وباء كورونا نموذجاً

وعينا الجمعي في الأزمات دليل فهم صحيح للإسلام – أزمة وباء كورونا نموذجاً

بقلم مرهف سقا

لسنا في عصر استثنائي في تاريخ البشرية بما نمر فيه من نكبات وأزمات، فكتب التاريخ حافلة بكثير من ذلك، وتقرأ في سطور تاريخ البشرية ما هو أعجب مما نحن فيه من عدد الوفيات والمرضى، سواء بالطاعون أم بالكوليرا أم بالسل وغير ذلك عافانا الله وإياكم.

ولكن الجديد الذي نعيشه هو ظاهرة لا أخلاقية ليس لها مثيل في التاريخ، وإن دلت على شيء فإنها تدل على انحطاط في مستوى احترام الإنسانية والعقائد والفكر غير مسبوق، وصل إلى حد استغلال المصائب والبلايا العامة للتلاعب بمشاعر الناس ومحاولة توجيه تفكيرهم نحو أغراض سياسية أو عقدية أو اقتصادية، غير مبالين بنتائج هذا التلاعب الصبياني.

فها نحن اليوم نشهد ثورة تقنية جعلت العالم قريبا من بعضه وكأنه يعيش في قرية صغيرة، وأضحى الوصول إلى بيوت الناس فردا فردا من أسهل الأمور، لأن الرسالة تنتشر بسلسلة عنقودية غير متناهية على المدى القريب، تكتبها أفراد وتنقلها جماعات، وللأسف لإغن أكثر من ينشط في هذا من هرب الضمير من قلوبهم، وسكنت الأهواء وحب التحكم والسيطرة على البشرية عقولهم وقلوبهم، ودخل في ذلك التلاعب السياسي والفكري.

لايقتصر عمل الصد عن سبيل الله على القيام في محاربة الذين يدعون إلى الله تعالى ومنعهم من ذلك، بل قد يأخذ الصد عن سبيل الله أفعالا فكرية كتحريف معاني القرآن والمساهمة في ذلك عن طريق نشر كلامهم في وسائل التواصل الاجتماعي، نحن نعتقد بأن القرآن هو مربط عزنا وفخرنا ومنبع حضارتنا وعلومنا وإيماننا، ولا يخفى عليكم أن كتاب الله تعالى في كل زمن يتعرض لمحاولات التحريف في معانيه وتغيير مفاهيمه على أيدي مجاهيل أو فاسدين، وإن أعداء دين الله والمتربصين به لا يمنعهم شيء عن البحث في طريقة أو مناسبة لممارسة هوايتهم في الكذب على الله ورسوله، وقد ذكرت في مناسبات عديدة أن جماعة من الملحدين والعلمانيين يتسلون بالضحك على عقول الناس ويستغلونها مناسبة أيضا للتشويش عليهم أو لأجل دب الخلاف والجدل بينهم، أو لافتعال ثغرة للهجوم عن طريق مقال أو منشور يصوغونه بصياغة مقنعة عقليا ولكنه غير واقعي ولا علمي، وعندما تروج بين الناس البسطاء يهجمون على المسلمين ليصفونهم بالجهل لأنهم يصدقون ذلك، وأضرب مثالا على ذلك:

ينتشر على وسائل التواصل الاجتماعي رسالة طويلة مفادها أن “فيروس كورونا” مذكور في القرآن “زمانه ومكانه وسبب ظهوره”، والحكمة من ظهوره وكيفية التعامل معه، بل ويدعي أن اسمه مذكور في القرآن صراحة!!!.

ويأتي هذا المنشور بآيات لا علاقة لها بالموضوع ويوجه معانيها على أنها لهذا الفيروس، مثال ذلك أن الفيروس مذكور في قوله تعالى (ذرني ومن خلقت وحيداً وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهوداً)، وهذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة، ومعناها: ذرني ومن خلقته في بطن أمه وحيدا لا مال له ولا ولد، فهذا الغبي الذي كتب المنشور جعلها على الفيروس.

ثم استدل على الحجر الصحي بقوله تعالى: (والرجز فاهجر) وفسرها بمعنى تجنب الناس حتى لا تصاب بالفيروس، والغبي الذي كتب المنشور يجهل بأن الرجس في الآية بمعنى الأوثان قال تعالى: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) [الْحَجِّ: 30]، وقال ابن عباس: والرجس أي المأثم، وهو تعبير مجازي، والأصل في الرجس لغة: النجاسة، والآية تأمر بترك ما يوجب الإثم والعقوبة والعذاب عند الله، فهذا اللئيم حرف معنى الآية، وجعل المريض وثناً نجساً ينبغي هجره!!.

والطامة الكبرى أن الغبي الذي كتب المنشور يقول فيه بأن التسمية الصحيحة والشرعية هي: “فيروس الناقور”، لقوله تعالى: (فإذا نقر في الناقور)، والناقور هو الصور الذي ينفخ فيه إسرافيل النفخة الثانية، فهذا السخيف لأنه لا يؤمن باليوم الآخر حرّف معنى الناقور إلى الفيروس، وجعل الآيات التي تتحدث عن يوم القيامة في الفيروس.

والأفظع من ذلك: يقول الغبي الجاهل: بأنه لا يجوز تسميته بكورونا لأنها تشبه كتابة القرآن بالإنكليزي، بل ينبغي تسميته بفيروس الناقور!!، ويعطي لأحكامه صبغة شرعية لتقع في نفوس الناس موقع المهابة، وغفل أنه أعلن بذلك عن غبائه ووضاعته العقلية.

وإنما اخترت لكم نماذج من ذلك المنشور التافه، الذي خطته أنامل لئيمة، وإن مثل هذه التفاهات التي يفتعلها الملحدون للضحك على عقول البسطاء والأغبياء وأصحاب القص واللصق ينبغي أن نقابلها بالحذف والإلغاء والتنبيه والسخرية على الذي يكتبها وينشرها.

ينبغي أن نعي جميعا بأن هناك مجموعات تعمل على :

1 تعزيز النظرة الدونية للشرق عموما والعرب خصوصاً، والنظرة التفوقية للغرب عموما والعقلية الأوربية خصوصا وأكثر من ينشط في ذلك الليبراليون والعلمانيون والمفتونون بالغرب.

2 مجموعات تعمل على تخويف الناس وتمريضهم نفسيا عن طريق الوهم والرعب من المرض إما خدمة لشركات أدوية أو لأسباب سياسية أو تلاعبا بمشاعر الناس.

3 أناس تبحث عن الشهرة ونشر مقاطع لها تتكلم بما لا تعلم أو تريد نشر المواعظ والإرشادات فيخلطون بين الصحيح والخطأ فيزيدون في الطين بلة.

4 مجموعات ملحدة يستثمر الأزمات للهجوم على الأديان والتعيير لأجل التشكيك والتشويش أو تحريف العقائد، أو لزرع الشك بما تضمنته الآيات القرآنية من العلوم المختلفة ليجعلونها دائما موضع تشكيك.

والواجب علينا عموما هو التوقف عن نقل وقص ولصق كل ما يصل إلينا إلا إذا كان المصدر رسميا وإن كنت لا تعرف ذلك فلا تنشر ولن تأثم عند الله ولو كتبوا في المنشور أستحلفك بالله…

(المصدر: رابطة العلماء السوريين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى