بقلم د. محمد عمارة
لقد احتلت فرنسا الجزائر عام 1830م، وعندما احتفل الفرنسيون عام 1930م بمرور قرن على احتلالها للجزائر، خطب خطباؤهم – من الساسة والكرادلة – فقالوا: “إن عهد الهلال في الجزائر قد غبر، وإن عهد الصليب قد بدأ، وإنه سيستمر إلى الأبد، وإن علينا أن نجعل أرض الجزائر مهدا لدولة مسيحية مضاءة أرجاؤها بنور مدنية منبع وحيها الإنجيل”.
كما أعلنوا – في هذه المناسبة -: “إننا لا نحتفل بوجودنا هنا منذ مائة عام، فلقد سبق للرومان أن أقاموا هنا ثلاثة قرون، ثم أخرجهم الإسلام من هذه البلاد، إننا نحتفل بتشييع جنازة الإسلام في الجزائر”.
نعم، كانت هذه هي أحلام المستعمرين الفرنسيين في الجزائر: غروب الهلال وإشراق الصليب وتشييع جنازة الإسلام في الجزائر، وترحيل الفائض البشري للرجل الأبيض الأوربي لاستعمار الجزائر استعمارا استيطانيا، بعد دفع العرب الجزائريين إلى الصحراء كي يفنوا هناك.
والآن.. إلى أين ذهبت هذا الأحلام؟
إن فرنسا – بنت الكاثوليكية وأكبر بلاد الكاثوليكية – لا يذهب إلى كنائسها في القداس الأسبوعي إلا أقل من 3% من السكان، وهم ثلث عدد المسلمين الفرنسيين الذين يؤدون صلاة الجمعة في فرنسا.
وكثير من الكنائس الفرنسية مغلقة، لانعدام الرواد، والمسلمون في فرنسا يسعون إلى شرائها لتحويلها إلى مساجد يصلون فيها.
ولقد نشرت مجلة “فالو أكتويل” نداء وقع عليه عدد كبير من الشخصيات السياسية والثقافية والإعلامية، بينهم الرئيس السابق ساركوزي، يعارضون تحويل الكنائس المغلقة والفارغة إلى مساجد، بدعوى تمثيلها “تاريخ فرنسا القديم، وجزءا من ذكرياتها الكاثوليكية”.
أي أن العلمانية قد حولت المسيحية في فرنسا إلى “ذكريات لتاريخ قديم” بعد أن كانت تحلم “بتشييع جنازة الإسلام” في الجزائر.
والرجل الأبيض الفرنسي والأوربي، الذي كان يحلم بتصدير فائضه البشري كي يستعمر الجزائر استعمارا استيطانيا، بعد دفع العرب الجزائريين إلى الصحراء كي يفنوا هناك، هذا الرجل الأبيض قد نزعت العلمانية القداسة عن حياته، بما في ذلك الأسرة التي انهارت، فأصبحت نسبة الوفيات أعلى من نسبة المواليد.
وأوشكت كثير من مجتمعات الجنس الأبيض أن تتحول إلى “دور مسنين” ووقفت خصوبة الأسرة الفرنسية عند 1.8 بينما نسبة خصوبة الأسرة المسلمة في فرنسا هي 8.1، وبينما طويت صفحة الاستعمار الاستيطاني للرجل الأبيض في بلاد الجنوب، باستثناء إسرائيل، فقد أصبح الغرب هو الذي يشكو من الهجراء الإسلامية إلى الشمال، يشكو منها خوفا على المسيحية التي غدت مجرد ذكريات تاريخية، ويضطر للقبول بها، بحثا عن الأيدي العاملة التي تدير مصانع الرأسمالية المتوحشة.
حتى ليصرح البابا السابق للفاتيكان – بنديكتوس السادس عشر – بأنه يخشى انقراض المسيحية والمسيحيين في أوربا، وأن يحل محلهم العرب والمسلمون الأفارقة، ويخشى أن تصبح أوربا جزءا من دار الإسلام في القرن الحادي والعشرين.
وهكذا تحولت الأحلام إلى كوابيس، وفي ذلك درس للذين لا يرون سوى النصف الفارغ من الكوب، والذين يجب أن يتدبروا قول القرآن الكريم: “ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون، وكان الله عليما حكيما” (النساء 104).
*المصدر : موقع عربي 21