مقالاتمقالات مختارة

ورشة العار في البحرين.. وسياسة الخطوة خطوة!

ورشة العار في البحرين.. وسياسة الخطوة خطوة!

بقلم جمال الهواري

ورشة العار هو أقل وصف يمكن إطلاقه على المؤتمر الذي أقيم يومي 25 و26 يونيو في مملكة البحرين تحت مسمى “السلام من أجل الازدهار” وسط حضور عدة أطراف عربية بتمثيل متفاوت الدرجات وإن كان هذا لا يغير الكثير فالمهم هو الحضور، والأهم هو خروج التطبيع من السرية للعلن ليتفاخر صهر ترمب وفتاه المدلل جاريد كوشنر بتمكنه من تطويع كل العقبات في سبيل هذا، ويتباهى بوقوفه أمام الحضور وهو يلوح بامتلاكه كافة الأوراق المتحكمة في ثلاثية البيع وا­لتطبيع والتركيع التي يعتمد عليها للمضي قدمًا في صفقة القرن كما أصطلح على تسميتها إعلاميًا وشعبيًا أو فرصة القرن كما أطلق عليها هو نفسه أثناء كلمته.

والأمر سيان فهي صفقة القرن كما أطلق عليها حليفه وتابعه في القاهرة الانقلابي عبدالفتاح السيسي لأول مرة في حضرة ترمب بالبيت الأبيض في أبريل 2017، أو فرصة القرن كما سماها كوشنر ومن أين له بفرصة أخرى مثلها والمنطقة العربية برمتها في وضع لا تحسد عليه وتتناوشها المشاكل بأنواعها والنزاعات المفتعلة والحروب والصراعات بوتيرة غير مسبوقة وكل الأطراف المؤثرة في القضية الفلسطينية وبلا استثناء تعيش في مرحلة معقدة الحسابات، متداخلة العوامل ومتنافرة الأهداف بطريقة تجعل هامش المناورة السياسية لديها -إن توافرت النية- لإفشال المخطط الترامبي-الكوشنري وبأدوات إقليمية تتمثل في السعودية والإمارات وتابعيهما في مصر والبحرين يضيق باستمرار.

هناك في الخلفية يقف رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو في غاية السرور والابتهاج بما يحدث ولولا إخفاقه في تشكيل الحكومة عقب الانتخابات التشريعية في أبريل الماضي والذهاب لانتخابات تشريعية مبكرة في سبتمبر المقبل لتم الإعلان عن الشق السياسي للصفقة الفرصة وإن استعاض عن هذا بعقد قمة أمنية ثلاثية ترأسها بنفسه وجمعت مستشار الأمن القومي الكيان الصهيوني مع نظيريه الأميركي والروسي في القدس المحتلة بالتزامن مع انطلاق ورشة العار وهو أمر له دلالته كون أجندته تصدرتها مناقشة ما يدور في سوريا وإيران وشهدت توافق مبدأي على بقاء نظام بشار الأسد في سوريا -أحد دول الطوق-، وإيران -العدو البديل الذي تحشد أميركا لجمع العرب والكيان الصهيوني في خندق واحد لمواجهته-، وإن شهد هذا الملف تباين بين وجهتي النظر الأميركية والروسية حول دور القوات الأجنبية والوجود الإيراني في سوريا، حيث تسعى واشنطن وتل أبيب لإخراج إيران من سوريا بينما دافعت موسكو عن هذا التواجد وأهميته، وإن اتفقتا على توفير كل السبل لضمان أمن الكيان الصهيوني وتعزيز مكانته ودوره في الشرق الأوسط.

منذ قدوم الكاوبوي ترمب لسدة الحكم في البيت الأبيض رسميًا في 20 يناير 2017 كان واضحًا أن سياساته تجاه الشرق الأوسط والمنطقة العربية تقوم على استراتيجية صناعة الظروف الملائمة عبر ما يمكن تسميته بسياسة الصدمات وفرض الأمر الواقع وبمسحة عربية اصطبغت بها طريقته للإدارة والحكم حيث أسند ما يتعلق بالمنطقة العربية وبالأخص الملف الفلسطيني لصهره وطفله المدلل جاريد كوشنر اليهودي الديانة الصهيوني العقيدة المتزوج من إيفانكا ترمب -ياعيل- التي تحولت بدورها للديانة اليهودية في 2009، ويعملان معًا ومنذ قدوم ترمب وبكل جهد ممكن ليتمدد الكيان الصهيوني في المنطقة العربية بهدوء وأريحية ونقل القضية الفلسطينية تمهيدًا لتصفيتها إلى مربع جديد أو بالأحرى معسكر وحلف يقوم على وضع الكيان الصهيوني وعدة دول عربية يمكن تصنيفها بأنها القوى الفاعلة والمؤثرة في الملف الفلسطيني في نفس الجانب بحيث تصبح لهم نفس الأجندة ونفس العدو ولو بدرجات متفاوتة في حلف المصالح المتبادلة حتى لو جاء هذا على حساب الشعب الفلسطيني صاحب الحق الأوحد في تقرير مصيره وكل صغيرة وكبيرة تتعلق بالقضية الفلسطينية.

عقد مؤتمر المنامة وأجندته لن يكونا بالحدث المفاجئ لو قمنا بتتبع ما أصدره ترمب من قرارات تخص فلسطين بتأثير من ابنته وزوجها منذ قدومه الأسود إلى البيت الأبيض، حيث بدأها مبكرًا في فبراير 2017 حين رفض عرض رؤية واضحة لما يقترحه من حلول للصراع الفلسطيني-الصهيوني وقال نصًا خلال اجتماعه في البيت الأبيض مع بنيامين نتنياهو في 15 فبراير “أنظر لحل الدولتين والدولة الواحدة، وأنا معجب بالحل الذي يعجب الطرفين وأستطيع التعايش مع أيهما” ومنذ ذلك الحين خلت تصريحاته وفريق الشرق الأوسط في إدارته عن ذكر أو تأييد حل الدولتين القائم على وجود دولة فلسطينية تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية، وفي 6 ديسمبر 2017 اعترف بالقدس الشريف عاصمة للكيان الصهيوني ونقلت السفارة الأميركية إليها في 14 مايو 2018 -تزامنًا مع ذكرى نكبة فلسطين-، يناير 2018 بدأ خفض تمويل الأونروا بمقدار 65 مليون دولار ثم قطع كامل التمويل والبالغ 300 مليون دولار بعدها بسبعة أشهر، 10 سبتمبر 2018 قامت إدارة ترمب بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن ردًا على سعي السلطة الفلسطينية لاتخاذ إجراءات ضد الكيان الصهيوني أمام المحكمة الجنائية الدولية، 4 مارس 2019 دمج القنصلية الأميركية في القدس المحتلة والخاصة بالتواصل الدبلوماسي مع الفلسطينيين “وحدة الشؤون الفلسطينية” مع السفارة الأميركية، 25 مارس 2019 اعتراف ترمب بالسيادة الصهيونية على مرتفعات الجولان السورية المحتلة، 19 مايو إعلان البيت الأبيض عن إقامة ورشة عمل تحت عنوان “السلام من أجل الازدهار” في المنامة.

بالنظر لعقد ورشة العار في البحرين والتي تعتبر فعليًا الحديقة الخلفية للرياض ومن هنا جاء اختيارها فهي كما كانت دومًا بالون الاختبار لكل القرارات التي تعتزم السعودية اتخاذها وجاء المؤتمر بتأييد ودعم السعودية الواقع ملكها وولي عهده تحت رحمة السيف الأميركي الرباعي الرؤوس التي تمثلها قانون جاستا وجرائم السعودية في حرب اليمن واغتيال جمال خاشقجي وضمان الدعم الأميركي-الصهيوني لاعتلاء محمد بن سلمان للعرش السعودي -قيمة المشاريع أو لنقل الصفقة 50 مليار دولار بينما حلب ترمب من السعودية 450 مليار دولار في زيارة واحدة للمملكة-، والإمارات المشاركة في العدوان على اليمن ضمانًا لمصالحها الاقتصادية في الموانئ وسعيها لفصل اليمن الجنوبي واستعداها للتحالف مع الشيطان نفسه كما تصرح أفعال وقرارات حاكمها الفعلي محمد بن زايد في سبيل تنفيذ تلك المصالح والقضاء على حركات الإسلام السياسي وثورات الربيع العربي وسعيه في الوقت نفسه لاتقاء الغضب الأميركي والمتمثل في القبض على جورج نادر صديقه المقرب ومستشاره والتحقيقات مع 5 شخصيات من المقربين منه وهو ما يوضح تجنب محمد بن زايد زيارة واشنطن منذ البدء في تحقيقات مولر بجانب ضمان الدعم الأميركي-الصهيوني لسلطته في الإمارات، وفي الخلفية يوجد حليف الرز الانقلابي السيسي وملك البحرين وكلاهما لا يملك من أمره شيئًا ولا يستطيع البقاء دون الدعم الثلاثي السعودي-الإماراتي-الصهيوأميركي عدا عن كون الأول منوط به تجهيز الشق المتعلق بسيناء والثاني اختبار ردود الفعل ورأس الحربة ومكان اللقاء.

مهما كان ما تم تداوله أو الاتفاق عليه في العلن أو في الخفاء وسواء نجحت مساعي أميركا ترمب وكوشنر وحلفائهم الاقليميين في السعودية والإمارات ومصر والبحرين ومن لف لفيفهم أو خاب مسعاهم، فغياب الفلسطينيين ومقاطعتهم لتلك الورشة أفرغها من مضمونها وإن كنت أتوقع إنه سيتم الترويج في القريب عبر وسائل الإعلام أن الفلسطينيين رفضوا مشاريع اقتصادية بعشرات المليارات واخطئوا في مقاطعة المؤتمر الذي سيبقى وصمة عار في جبين كل ما شارك فيه وروج له، وأظهر للعلن وبكل وضوح الأطراف التي تسعى لتصفية القضية الفلسطينية تحقيقًا لمصالحهم الشخصية ونجاح جديد لسياسة الخطوة خطوة كما صرح نتنياهو سابقًا في مؤتمر وارسو والهادفة لجمع العرب والصهاينة على طاولة واحدة وحلف واحد مداده الدماء العربية وثمنه القضية الفلسطينية، وأيضًا أبرز ما وصلت إليه الحال في المنطقة العربية من سوء الحال والتشتت والتمزق الغير مسبوق في ظل تمكن الثورة المضادة حتى اللحظة من وأد الربيع العربي وجذب المنطقة وبكل السبل تجاه التماهي مع الكيان الصهيوني وأهدافه الخبيثة، بحيث لم تعد تكتفي بعض الدول العربية بالتوقف عن دعم القضية الفلسطينية ولو ببيانات الشجب والإدانة والوقوف ولو ظاهريًا بجانب حقوق الشعب الفلسطيني بل انتقلت للمعسكر الصهيوني المقابل وتعمل بكل قوتها في تحويل دفة الصراع العربي-الصهيوني إلى وجهات أخرى بعضها تجاه تركيا والآخر تجاه إيران.

لن ينسى التاريخ والشعب الفلسطيني جريمتهم هذه ولن ينسى أيضًا من وقفوا بجانبه وقاطعوا المؤتمر وامتنعوا عن حضوره ولو اختلفت الأسباب والدوافع، وسيثبت الشعب الفلسطيني ومن خلفه كل حر وشريف في المنطقة العربية قدرتهم مجددًا على إفشال المخططات التي تحاك ضدهم كما فعلوا في السابق، فما ضاع حق وراءه مقاوم.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى